منتدى الأسرة العربية لصيد الفوائد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الأسرة العربية لصيد الفوائد

منتدى الأسرة العربية لصيد الفوائد نساعدك في الرجوع لطريق المستقيم بعون لله
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
دليل مواقع

 

 القلادة.!!

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
الإدارة العليا
الإدارة العليا
Admin


الدولة : المغرب
المزاج : القلادة.!! 0512_md_13389403801
عدد المساهمات عدد المساهمات : 2924
نقاط التميز نقاط التميز : 12030
السٌّمعَة السٌّمعَة : 665
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 12/06/2012
العمر العمر : 27
ذكر

القلادة.!! Empty
مُساهمةموضوع: القلادة.!!   القلادة.!! I_icon_minitimeالأربعاء يوليو 25, 2012 9:15 am

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته


القلادة

رواية تحكي قصة مسلمِ عاش مع أسرة يهودية
القصة رمز للإسلام الحق ولتاريخ المسلم

تبرز دور الأم فيا أيتها الاخت الفاضلة اقرئي القصة وانظري كم هو هام دورك كأم
اقرئي واعلمني أن تربيتك قد تنقذ ابنك من ضياع محتم وتعلمي من زينب وأم إسماعيل ولا تكوني كإلين ويا أيها الشاب الكريم اقرأ الرواية لتعلم دورك الضروري بإعانة زوجتك على التربية

انها رواية لا اعرف عن صحتها شي كل ما اعرفه هو انها من اروع القصص التي اعجبت بها رغم طولها ، فاتمنى ان تعجبكم ، فاتمنى ان تعجبكم كما اعجبتني وان يستفيد منها الجميع وان نخلص من خلالها الى عبر كثيرة ، ولكم منى كل التقدير وجزيل الشكر ، والان اترككم من القصة

القلادة

بعد حُبٍّ جميل نقي لم تدنّسه المُحرَّمات تزوَّج أحمدُ زينبَ؛ حيث كانا يسكنان في حيٍّ واحد، وتربيا ضمنَ بيئة واحدة، كانت الأَوْلَوِيَّة فيها للدين دائمًا.
عاش أحمد وزينب كلَّ حياتِهما في أسعد ما يكون بين المرء وزوجه، ولم تُضِفْ تلك السنون إلى حُبِّهما إلاَّ الحيوية والاستمرار؛ حيث تَجمع بينهما مشاعرُ المودَّة والرَّحْمة والسكينة؛ حيثُ كان أول اهتمامات زينب هو إسعاد زوجها العزيز، وكان أحمد أيضًا لا يهمه إلاَّ إسعاد زينب الحبيبة إلى قلبه، ولا يكدِّر هذه المعيشة مكدِّر سوى أمر واحد لم يكن بيدهما.
فأحمد تاجر كبير ورجل أعمال ميسور الحال، والمال متوفر بين يديه مما أنعم الله عليه، فلا يَحتاجان إلى شيء إلاَّ توفَّر لهما، فكانت مَعيشتهما هانئة رغيدة مُنعَّمة، باستثناء هذا الأمر الذي ليس بأيديهما تغييره، ألاَ وهو الولد والذُّرِّية الصالحة التي لا تأتي إلا بإذن الله.
منذ أول زيارة لهما إلى الطبيب، عَلِمَا أنَّهما لن يُنجبا، وعلم أحمد أنَّه هو سبب هذا الحرمان، فهو العقيم، الذي لا ينجب، والأَمَلُ كما قال الطبيب: مستحيل إلا بإذن الله.
ومن يومها أصبح إنجاب الأطفال هو همَّ الزَّوجين الوحيد، فلم يَيْئَسَا يومًا، ولم يتركا طبيبًا إلاَّ وذهبا إليه ولكن لا فائدة.
ومضت الأيامُ والسنوات، واعتاد الزوجان هذه الحالَ، وهذا الحرمان، وأكملا حياتَهما مكتفِيَيْنِ بِحُبِّهما وبِرِّهِما لبعضهما البعض، آمِلَيْنِ من الله أنْ يرزقهما الولدَ يومًا ما.
بعد عدة سنين من زواجهما قَرَّر أحمدُ وزينب أن يتركا سوريا، ويذهبا للعيش في أمريكا؛ حتى ينمِّي أحمد تِجارته، ولعله يجد علاجًا له هناك.
عاش الزوجان باقي حياتهما في أمريكا، ونَمَت تِجارة أحمد، وأصبح من كبارِ رِجَال الأعمال في أمريكا، ولكنَّه لم يَجدِ العلاجَ الذي يكون سببًا ليرزقه الله الولد.
اقتنع الزوجان بقدرهما، وحَمدا اللهَ على ما وهبهما من مَحَبَّة وسعادة ورزق مبارك، وكان هذا الاقتناع نتيجةً لنقاشاتٍ وحوارات كثيرة كانت كثيرًا ما تُفْتَح بين الزوجين، والتي كان مَن يفتحها غالبًا هو أحمد؛ كونه يعتقد أنَّه السبب في حرمان الله لهما من الولد، ولأنه يشعر بأنَّ زينب حُرِمَت من نعمةِ الأمومة بسببه، فكان دائمًا يُبدي كلماتِ الأسف والاعتذار لزينب، ويتكلم عن حزنه؛ لأنَّها حرمت بسببه من أن تكون أمًّا، حتى‎ إنَّه فاجأها في يومٍ بأن عرض عليها حريتَها، وقال: إنَّه على استعدادٍ أن يُطلِّقَها رغم الألَم الذي سيسببه فراقُها له، ولكن ذلك كله يهون في سبيلِ سعادتِها، عندما تَجِد زوجًا آخر، وتنجب منه بإذن الله الولدَ الذي يَمنحها صفةَ الأم.
ولكنَّ هذا الكلامَ نزل على قلبِ زينبَ كالصاعقة، وغضبت يومَها أشَدَّ الغضب، ولامته على تَجرُّئِه؛ ليتفوه بهذه الكلمات المُؤلِمَة بالنسبة لها، ثُمَّ سألته بالله أنْ لا يعودَ لِمثلها مرة أخرى، وقالت له بعد كل هذا اللوم: أنا راضية بما قَسَمَه الله لي، وكما تعرف أنَّ لكل إنسان رزقًا معينًا يَخصه الله به، ولا يُمكن أن يَحصل على الرزق كله والله - تعالى - اختارَ لنا رزقنا، وهو سعادتنا وحبنا لبعض، وهذا النعيم الكبير الذي نحن فيه.
وآخرون اختار الله - سبحانه - لهم الذُّرِّية، ولكن رُبَّما حرمهم من المحبة أو المال أو الصِّحَّة، فلماذا لا نرضى بما قَسَمه الله لنا، ونصبر على ما حرمنا منه من نعمةِ الولد؟ ثُمَّ سألته قائلة: أَوَلا تُحِبُّ أن تكونَ من الشاكرين الصَّابرين؟ فكان لهذا الكلام وقعه الإيجابي على أحمد، فشعر بالسكينة والطمأنينة، ولكنه رد عليها قائلاً: ولكني أحزن لأجلك، فقاطعته وقالت: لنُنهِ هذا الموضوع، ولا نفتحه أبدًا، حتى يأذنَ الله لنا بأمر.
ومن ذلك اليوم لم يفتحْ هذا الموضوع قطُّ، ودارت الأيامُ، ومضى على زواجهما أكثرُ من عشرين سنة، وهُمَا راضيان برزقِ الله يَحمدانه ويَشكُرانه عليه، حتى جاء يومٌ دَخَل فيه أحمد على زينب وهو سعيد، وجهُه يضحَك، فسألته زينبُ عن سِرِّ هذه السعادة، التي تبدو على أسارير وجهه، فرد وهو مرتبك لا يكاد يُفهم الكلام الذي يتكلم به: خبرٌ بمالِ الأرض كلها، حلمنا يا زينب، حلمنا سيتحقق بإذن الله، فلم تفهم زينب أيُّ شيء عن قصدِه، فقالت: أيُّ حلم يا أحمد، وما الذي تقصده؟! قل لي بالله عليك.
فقال أحمد وهو يكاد يطير من الفرح: الولدُ يا أغلى الناس أصبحَ اليومَ مُمكنًا، أصبح بإمكاننا أن نُنجب بإذن الله، والأمل كبير، فردت عليه زينبُ ببرود لا يناسب فرحته وتوتره مطلقًا: وكيف ذلك؟ وما هذا الأمل الذي تتكلم عنه بهذه الثِّقَة، فأَثَّر ذلك البرودُ في أحمد، فصار أقلَّ حيوية؛ بسبب طريقتها، وقال: ولِمَ تسألينَ بهذه الطريقة؟! ألاَ يُسعدك أن نرزَق بالولد؟!
• طبعًا يُسعدني ولكني أتفاجأ من ثقتك بهذه الطريقة.
• وما الذي يَمنعني أنْ أثقَ بالله؟! فلقد التقيتُ اليومَ وأحدَ الأطباء وكلمته عن حالتي، وبَشَّرني أنَّ الطِّبَّ قد اكتشف علاجًا لحالتي بالذات، والأمل أكبر من 70%، فلِمَ تَحرمينني من أنْ أسعد وأهنأ؟
• سامحني - يا أحمد - ولكني أخاف من أنْ نعودَ لنحلم ونأمل، وفي النهاية نكتشف أن أحلامنا كلَّها كاذبة.
• إذا كان الطبيبُ نفسه هو مَن أكَّد لي هذه الحقيقة، وقال: إنَّ فرصتنا بالإنجاب كبيرة جدًّا - إن شاء الله - فَلِمَ نَيْئَس من رَوْحِ الله؟!
• أعوذ بالله من اليأس، وأرجو أنْ لا يَحرمنا الله، ولكن تدري أنِّي تجاوزتُ الأربعين من عمري، فأخشى أن تصبحَ قادرًا على الإنجاب، وينتقل السبب منك لي.
• وأين الله إذًا؟! إن كنتِ أنت تتكلمين بهذا الكلام، فماذا يصنعُ مَن ليس له صِلَة بالله أصلاً، فأين إيمانك بالله؟!
• أستغفر الله، سامحني يا رب، فاتِّكالي عليك وحدَك.
أجرى أحمدُ الفحوصاتِ هو وزوجه، ثُمَّ تعالَجَ أحمدُ، ولم تَمضِ شهورٌ إلاَّ وحملت زينبُ، وطار الزوجان فرحًا وسعادة، فالشيء الوحيدُ الذي ينقصهما أصبحَ قابَ قوسين أو أدنى.
ومن لحظةِ الحمل صار لزينبَ هَمٌّ جديد لم تكن تُفكِّر فيه مُطلقًا، وهو تربيةُ وَلَدِها، وكيف سيعيش في أمريكا بلدهما الحالي، والذي يختلف كُلَّ الاختلاف عن سوريا بلدهما الأصلي، وهل سيقدر هذا الولد على مُقاومة كلِّ الشَّهَوات، التي تنتشر بأمريكا، وهذا التفسخ الأخلاقي الذي تتصف به.
فبالنسبة لزينب ولأحمد أيضًا الدينُ هو في المقام الأول، والحفاظُ عليه مَطلب لا يُسَاوَم عليه على الإطلاق، ولذا كان هذا الموضوع الحديث شِبْهَ الوحيد، الذي تفتحه زينب مع زوجها، ولكنَّه لم يكن يُوافقها في آرائها في أغلب الأحيان، ويقول لها: إنَّ الإنسانَ يتبع أهله وطريقةَ تربيتهم له، ولكنَّ هذا لم يَكن يُقنِعُ زينبَ؛ ولهذا تطور معها الحال حتى طلبت منه أنْ يُصَفِّيَ أعمالَه في أمريكا؛ ليعودا إلى سوريا، فابنها هو الأهم، وهو أغلى مِن كُلِّ هذه التجارة، وحمايته ودينه في المقام الأول، ولكنَّ أحمد لم يسمع كلامَها؛ لعدم قناعته بهذا الكلام، ولهذا بدأت زينب تبحثُ وحدَها عن الطريقة التي تَحمي ولدَها من خلالِها من هذا المجتمع المتحلل.
ولدت زينبُ وأنجبت زهرةَ حياتِهما هي وأحمد، وكانت هذه الزهرة صبيًّا سَمَّيَاه مُحمدًا، وسعدا به أيَّما سعادة، وأصبح محمدٌ هو الفرحةَ التي زادت البيتَ إِشراقًا ومَحبةً وسُرُورًا، واستمرت زينبُ بمخاوفِها وبإقناعها لزوجها؛ ليعودا إلى سوريا حتى يَحفظا هذه النِّعمة، التي أنعم الله عليهما بها في سِنٍّ متأخرة.
ولأن أحمدَ لم يكن مُقتنعًا بكلامها، قرَّرت زينبُ أن تُجاهد هي وحدَها؛ لتحميَ ولدَها، ومن أولِ أيامه في هذه الدُّنيا أصبحت تتكلم معه وكأنَّه رجل أمامَها، وتتحدث معه وهي ترضعه، وهي تَحمله وهو بجانبها، وتقول له: يا محمد، أنت مسلم، فلا ترضَ بغيرِ الإسلام دينًا، فهو الدين الحق، ووَحِّدِ اللهَ الذي هو وحدَه مَن يَستحق العبادةَ والألوهية.
واستمرت على هذا الطريق، فكلُّ ما تعرفه عن الدين تُعلِّمه إيَّاه وكأنه يفهم ما تقول، وتُحَدِّثه عن خَلْقِ السموات والأرض، وقُدرةِ الله، وكَيْفَ كان في رحمها، وحفظه الله من غير تدخُّل منها ومن أبيه، ثُمَّ أتى به إلى الدُّنيا؟ وكيف يحفظ اللهُ جميعَ عبادِه كذلك؟ وكان أحمد يشاهد صُنعَ زينب أحيانًا، ويسمع معظمَ كلامها لابنها، ويدهش من إصرارها عليه؛ حتى إنَّه دخل عليها مَرَّة، وهي تقرأ وِرْدَها بصوتٍ عالٍ ومُحمد بجانبها، فسلم عليها، وسألها: هل بَقِيَ لها الكثير؛ لتُنهِي الوردَ، أو لا؟ فردت: إنَّه لَم يبقَ لها إلاَّ صفحتان، وتقوم لترى حاجاتِه، فأراد أخذَ الولد، وأخبرها أنَّه سيأخذه؛ ليلعبَ معه ريثما تنتهي، فقالت بلهفة: لا، لا، اتركْه؛ لأُنْهِيَ الورد.
• وما دخل محمد بوردك؟ سألعب معه حتى تنتهي.
• هذا وِردي وورده أُسْمِعه إيَّاه؛ ليَسْمَعَ القرآن الكريم كاملاً، ويعتاد عليه، وسأعيدُه له بشكل مُستمر بإذن الله.
• لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، ما بكِ يا زينب؟! وهل يفهم الطفلُ كلَّ هذا الكلام، الذي تعلّمينه له، فيومٌ تُحدثينه عن الوحدانية، وآخر تحدثينه عن الخلق وقدرة الله، وغير ذلك واليومَ تَقرئين له القرآن!
• نعم - يا أحمد - أرجوك، لِمَ لا تفهمني؟! فأنا لا أعمل شيئًا سوى أنِّي أزرعُ الإسلامَ فيه، حتى إنْ صادفَتْه الشَّهَوات، وإن غابَ عن الإسلام لسبب ما أو نَسِيَ، تذكّره هذه الدروس.
• أنا لستُ ضِدَّكِ، وسأُعِينك بحول الله على تربيته، ولكن الآن هو رضيعٌ لا يفهَم، وأَعِدُك من بداية نُطقِه أني سأعلمه القرآن بعون الله.
• وما يُدريكَ أنَّنا سنبقى لذاك اليوم؟
• هل تعلمين الغيبَ، وأننا سنموت؟
• أنا لا أقول هذا، ولكن عندي خوفٌ لا أستطيعُ تفسيرَه، ثُمَّ افرض أنَّنا عشنا، فأمريكا مُخيفة وأخاف من أن لا يقاوم شهواتِها؛ لذلك أغرسُ فيه القرآنَ والإسلام؛ ليكونَ هذا الغرسُ وقايةً له.
• لماذا أنت مُصِرَّة أن تُخيفيني بكلامِك، ولكن أتعلمين لِمَ يَحدث كلُّ هذا معنا؟ هذا لا يحدث إلاَّ لأنَّنا حُرِمْنَا أكثرَ من عشرينَ سنة، فلَمَّا رَزَقنا الله لَمْ نستوعبْ هذا الأمرَ، وأصبحنا نَخاف عليه من النسمة.
• لِمَ تفسره بهذا التفسير، وتصورني وكأنني مجنونة؟ يا أحمد أؤكد لكَ أنِّي مستوعبة لهذه النعمة، وخوفي ليس إلاَّ خوفًا طبيعيًّا، ولا أعملُ أكثرَ مِنْ اللاَّزِم، فأنا فقط أغرس الإسلامَ فيه، حتى إن كبر ولم أكن معه، تَكُن تربيتي وغَرسي هو الذي يبقى، ويرافقه؛ ولهذا أعود وأطلب منك أنْ نعودَ إلى سوريا، فالدين هو الأهم لهذا الولد، أهمُّ له من المال الذي نجمعه، ومن النعم التي تَملأ أمريكا.
• أعدك أنِّي سأفكر في كلامِك بشكل جِدِّيٍّ؛ لأنَّ كلَّ ما تفعلينه بدأ يؤثر فيّ من غيرِ أن أشعر.
• شرح الله صدرَك يا أغلى الناس، شَرَحْتَ صَدري، والآن سأكمل وردي، وأقوم لأجهز لك طعامَ الغداء.
مَضَتْ شهورٌ وبَدَأ محمد يكبر، وأبواه يسعدان به، فيومًا يُناغي ويومًا يَضحَك، وآخر يَحبو فيه، ومضت الأيام، وبدأ أحمد يصفي أعمالَه في أمريكا بعد أنْ بدأ يقتنع بكلامِ زوجته، ولكنه كان يُصفي أعمالَه شيئًا فشيئًا دون استعجال، وظَلَّت زينبُ على نَهجها في تربيتها لولدها الحبيب، حتى إنَّ أحمدَ أصبح يكلمه عن الإسلام، وعن عروبته، وعن بلده، كما تصنعُ زوجته، وبرز ذلك جليًّا في السنة نفسها التي هي 1948م حين احتلَّ اليهودُ أرضَ فلسطين المقدسة، وقامت دولتهم المزعومة، وهجَّروا الشعبَ الفلسطيني، وطردوه من أرضه ووطنه.
أثَّر هذا الحدثُ في أحمد وزينب، وحزنا حُزنًا شديدًا، فهذه أرضٌ عربِيَّة، وأيُّ أرض؟ فهي المقدَّسة سلبت من العرب، ومَن سلبها؟! لقد سلبها أظلمُ الناس، وأكثرهم إفسادًا في الأرض، وبهذا أصبحت ملكًا شرعيًّا لهم بنظر العالَم، وكاد أحمد يُجَنُّ مِن كَمِّ الغيظ الذي يَملأ صدرَه؛ نتيجةَ ما حدث، وبدأ دون أنْ يَشعر يُكلم ابنَه الصغير عن هذا الحدث، ويُخبره عن فلسطين والأقصى، وعن قدسيتهما، وأنَّ عليه أن لا يرضى بهذا الواقع لَمَّا يكبر، وأنْ يُسخِّر حياته كُلَّها لنصرة دينه ومقدساته، فأصبح حالُ أحمد كحال زوجته في تلقين ابنهما كُلَّ ما يؤمنان به من الحق.
ولما جاء رمضانُ أخذت زينبُ ابنَها مع زوجِها في أحَدِ أيامِه المباركة إلى أحد المساجد البعيدة؛ لعدمِ وجود مسجدٍ في منطقتهما البَعيدة، فأصبحت تُكلِّمه عن المئذَنَة وشُمُوخِها، وكيف عليه أن يُشبهَها؟ وعن المسجد وسَعَتِه وسكينته، وكيف عليه أن يأخذ من ذلك سَعَةَ صَدْرِه وسكينته وشعوره بالطمأنينة؛ كونه مسلمًا، ثم عن معاني الصلاة، وبُعْده من خلالها عن كل فحشاء، وأيِّ مُنكر.
وهي على حالِها في تكليمها لولدِها اقتربَ مَوْعِدُ الإفطار، وصار المسلمون كخلية نَحل يُجهِّزون الطعامَ؛ ليأكلَ الناسُ، فهذه عادةُ المسجد لسنوات يُفطِّر المسلمين غنيَّهم وفقيرَهم؛ بُغْيَةَ الاجتماع والأُلْفَة، فأَثَّر هذا المعنى في زينبَ، فنَظَرت إلى وَلَدِها الرَّضِيع، ثم قالت: أترى - يا بني - المسلمَ وكَمْ هو رحيم رؤوف بإخوانه! وكم يُحِبُّ المسلم أخاه المسلم، فهنا لا فرقَ بين غنيٍّ وفقير، وهذا ما يعلمه ديننا لنا، فالمسلمُ الحقُّ هو الذي يرحم أخاه، ويَمشي في حاجته، والمسلم الحقُّ مَن يُنفق مالَه ونفسَه؛ نُصْرَة لدينه، وخدمةً لإخوانه، وهي على حالِها في هذا الكلام جاء أحمدُ يُنادي عليها؛ ليذهبا ليكونان بين المسلمين في هذا الجمع المبارك، يتناولان طعامَ الإفطار معهم.
أصبح عمرُ محمد سنةً ونصفًا، وخلال هذا الوقت كان أحمد مُستمرًّا في تصفيةِ أعمالِه، وقد أنهى مُعظمَها، وهو في رحلته لهذه التصفية سكن في منطقته التي تكاد تَخلو من العرب سوريٌّ جواهرجيٌّ، فتعرف عليه أحمد وسَعِدَ به كثيرًا، وحكى لزينب عنه فَسُرَّت لسُرورِ زوجها، ولأُنسه به، فمجرد أن يرى العربيُّ عربيًّا هناك، فهذا يشرحُ صدره، ثم كلمها عن عمله وإتقانه للمجوهرات التي يعملها، وللقلائد التي يمتاز بصناعتها يدويًّا، فردت عليه وهي تبتسم: يا إلهي، قلائد جميلة، إذًا لِمَ لَمْ تشترِ لي قلادةً، أو حتى يصنع لي الجواهرجيُّ قلادةً خاصة بي.
• أتُحبِّين ذلك؟
• وهل هناك من النساء من تكره المجوهرات والقلائد؟
• تكرم عيونك يا أحب الناس، وكيف لا أشتري لك إن عرفتُ أنَّك تُحبين المجوهرات، فمِنَ الغد أُوصي الجواهرجيَّ أبا علي؛ ليصنعَ قلادةً بإذن الله.
• إذًا أريد قلادةً خاصَّةً لا تُشبِه أيَّ قلادة، ولكن لم تقل لي: أين وصلتَ في تجهيز الأمور؛ لنذهبَ إلى سوريا؟
• انتهى أغلبُ العمل، وما هي إلا أشهر قليلة، ونعود إلى سوريا - إن شاء الله.
• يا إلهي، الحمد لله، وأخيرًا سننتهي من غربتنا، ونعود لبلدنا.
وفي الليل وبعد هذا الحوار نام أحمد، وحاولَت زينبُ أنْ تنامَ، ولكن دون فائدة، وهي تفكر في القلادة، وفي ابنها وفي أمريكا وسوريا، فهجمت عليها كلُّ هذه الأفكار، فطار النوم من عينيها، وفي الصباح أراد أحمد أن يخرج بعد تناوُله طعامَ الإفطار، ولكن زينب طلبت منه أن يبقى، فسألها عن السبب، فردت عليه قائلة: غيرت رأيي بالنسبة للقلادة.
• لا تريدينني أنْ أشتريها، أم ماذا؟
• لا بل أريد، ولكن ليس لي، بل لمحمد.
• لمحمد! هل أنت جادة؟ وهل يضعُ الرجلُ قلادة؟!
• ولِمَ لا؟ نصنعها تناسِب الرجال.
• تعرفين أن الذهب محرم على الرجال؟
• أنا لا أقول: إنَّها من الذهب، لتكن من الفضة، ولكن ليصنعها بحيث تكون ثَمينة بمظهرها، وطريقة صناعتها.
• لا أعلم ما الداعي لهذا، فلتكن القلادة لك، ولا تهتمي بمحمد، فسأحضر له أشياءَ كثيرة تُسعده - إن شاء الله.
• يا أحمد، سأحكي لكَ بكلِّ صراحة، البارحة لم أنم مُطلقًا، وأنا أفكِّر بهذه القلادة، وفي النهاية خلصت إلى فكرة تَجعلني أضعُ لمحمد رسالة من خلالها.
• رسالة! وهل يحتاج محمد لرسالة منك وأنت معه؟
• لا أقصد توجيهها له وأنا معه، بل إن حدث وغبت عنه، ولم أعُدْ أقدر على توجيهه وتربيته، تكن الرسالةُ هي التي توجّهه.
• زينب، أجُنِنْتِ أم ماذا؟! أنا لَم أعد أفهم شيئًا، ولكن لأمشي معك إلى النهاية، ما الرسالة؟
• لأصف لك القلادة؛ لتعرفَ من خلالِ الوصف ما الرسالة؟ أحمد، قل لصاحبك أنْ يصنعَ القلادةَ بشكلٍ جَذَّاب، وجميل، ورجولي؛ حتى لا تبدو نِسائِيَّة، ولتكن مُصممة بطريقةٍ تفتح فيها، وتنقسمُ قِسمين مُلتصقين، ولكن ليكن فَتحُها ليس بالسهل، وغير ظاهر جيدًا، فلا يفتحها أيُّ أحد، بل مَن عرفها جيدًا، ورافقته دائمًا.
• وما هذا التعقيد؟ فهل تريدين تهريبَ شيء فيها؟! "قال ذلك مازحًا".
• ليس تعقيدًا، ولكن لا أريد أنْ يفتحَها أحدٌ سوى ابني، وبداخلها لينقشْ عليها وبشكل جميل نقشًا مكتوبًا فيه: "يا محمد أنت مسلم".
• وهل يَحتاج محمد لرسالة منك تُعلِمه أنه مسلم، ثُمَّ - كما أعلم - إنَّ النقشَ يكون بعباراتٍ جميلة مثل: اسم الجلالة، أو "ما شاء الله"، أو غير ذلك من الكلمات المعبرة، فما هذه الكلمة التي اخترتِها لنقشِ القلادة، فليس فيها ما يميزها.
• ومن قال لك: إنِّي أبحث عن التميُّز؟ فأنا لا أريدُ إلاَّ أن أبعثَ لابني هذه الكلمةَ فقط؛ حتى إذا تاه، ونَسِيَ أنَّه مسلم؛ لعل الله يهديه لفتحها، فتذكره بدينه.
• تعلمين - يا زينب - أنِّي بدأت أشكُّ في أنَّ ثقتَكِ بابنك ليس جيدة، وتتوقعين أنه سيَعْصي الله، ويصبح شابًّا غَيْرَ صالح، والعياذ بالله.
• مَعاذَ الله أنْ أشُكَّ فيه، ولكني أودُّ أن أتوكل على الله حَقَّ التوكُّل، وآخذ بالأسبابِ كُلِّها، ومِن ثَمَّ أتركه يواجه الحياةَ؛ حتى لا يسألني اللهُ يومَ القيامة: لِمَ لم تربِّي ابنك؟
• احمدي الله أنَّ لك زوجًا يُحِبُّك، وإلاَّ فكيف لك بزوج يُذهب عَقْلَه، ويطيعُك بكل مخاوفك؟
• بل أنت سيد العُقلاء، ولكن حبك لي جعلك تشعُر بمخاوفي وتُقدِّرها، حتى أصبحت مخاوفي مخاوفك، ثُمَّ ما الضَّيْر إن فعلنا هذا؟ ألاَ تُحِب أن تُهدِي ولدَك أيَّ هدية، فلتكن القلادة هي هديتك له.
• كما تشائين، سأذهب لأبي علي الجواهرجي، وأطلبُ منه ما طلبتِ - إن شاء الله.
• شُكرًا لكَ كثيرًا؛ لأنَّكَ تُعينُنِي على تربيةِ ابننا، وأسألُ اللهَ أنْ يَجعله من الصَّالحين، ويحفظه بحفظِه؛ ليكونَ ناصرًا له.
• اللهم آمين.
صنع الجواهرجي هذه القلادة، وكما أرادت زينب رغم استغراب ذلك الجواهرجي، ولكنَّ أحمدَ فَسَّرَ له مَخاوِفَ زوجته، فحَيَّاه الجواهرجيُّ على مُساعدتِه لزوجته؛ لأنَّ شعورَ الأم صادق، رَغْمَ تأكيده أنَّ هذه القصة ستبقى غريبةً بالنسبة له، وذهب أحمد وأحضرها بعد تجهيزها، ودفع ثَمَنَها المكلف؛ بسبب مواصفاتِها التي اشترطتها زينب.
وفي طريق عودته وَضَع أحمدُ رسالةً لأخيه في البريد؛ ليُخبِرَه كعادته عن تطوُّرات تصفيته لأعماله، وذكر له قصةَ القلادة الغريبة، وحكى له عن مَخاوف زوجته، فكان أحمدُ يتعمَّد إخبارَه بذلك؛ تفاديًا لكلماتِ أخيه، التي يُمكن أن يسمعَها عندما يعرف بهذا، فهكذا يذهب غضبُ أخيه ريثما يعود هو وزوجته، ويكون قد نسيها، فهو لم يكن يُحِبُّ سَمَاعَ ما يكره من أخيه، ولكن أبا خالد أخا أحمد لم يترك ذلك، وبعث له رسالةً عاتَبَه فيها ولامه على هذا الجنون، واتَّهمهما بتضييعِ المال، الذي كَثُر بين يديه، فانزعج أحمدُ من كلامِه، ولكنه تَجاهله؛ لأنه هو وحدَه مَن يشعر بمخاوفِ زوجته، ويصدقها بهذه المخاوف.
سُرَّت زينبُ بالقلادة، وألبستها مُحمَّدًا مُباشرةً، رغم كبرها قليلاً، ولكن ذلك لم يَمنعها من إلباسه إيَّاها، على الرغم من مطالبة أحمد الحثيثة لها؛ لصِغَر الولد، ولكنها كانت ترفض، وتُبَرِّرُ ذلك بقولها: إنَّها لا تستطيعُ ذلك؛ لأنَّها أصبحت تشعُر بأنَّها الأمان للولد، حتى هي نفسها صارت أكثرَ اطمئنانًا بعد هذه القلادة.
أنهى أحمدُ أعمالَه، وباع البيت الذي كان آخر أملاكه في أمريكا، وجاء موعد العَوْدَة إلى الوطن، الذي طالما اشتاقا له، فهما لم يكونا يزورانه إلاَّ مرة كلَّ سنة أو سنتين.
استأجرا سيارةً وركبا فيها مع ابنهما الوحيد الحبيب، وتوجَّها إلى المطار، وفي أحد الأسواق التي يَمُرَّانِ بها في طريقهما خرجت عليهما سيارةٌ من طريقٍ فرعي بسرعة جنونية، كان فيما يظهر أنَّ سائقَها قد شرب الخمرَ حتى السُّكْرِ، وفي ثوانٍ هجمت الأفكار على قلب زينب، وأيقنت أنَّها ميتة هي وزوجها وابنها إن لم تفعل شيئًا، فصار هَمُّها الوحيد هو كيف تنقذ ابنها، وفي ثوانٍ فكرت في أنْ تُغطِّيَ ابنها بجسدها، فأنزلت رأسها، وضَمَّت ولدَها بيديها، فأصبح الولد محجوزًا في حجرها، ويغطيه رأسُها ويداها.
وضُربت السيارة، وانحرفت عن الطَّريق، واصطدمت بالجدار الجانبي للشارع، فتوقفت السيارة؛ نتيجةَ اصطدامها بالحائط، ففتحت زينبُ عينَيْها، ومن غير تفكير فتحتِ البابَ، وألقت بنفسها وولدِها "الذي كاد أن يختنق وهي تضمه بجسدها" على الأرض، وهنا حررته من يديها، بعد أن أيقنت بابتعاد الخطر عنه، فبدأ يبكي ويُحاول البقاء عند أمه، وصار الناس يتراكضون ويَجتمعون حولَ هذا الحادث، فكانت زينب ترمق ابنها بنظراتِها، حتى حِيلَ بينها وبينه في هذا الزحام، والولد لا يقوى على مُجاهدة الناس، وهم يركضون، فلم يَعُدْ يرى أمه وأضاعها.
ولَمَّا أيقنت زينبُ أنَّها ميتة وابنها لم يَعُدْ لَها، قالت وهي مستسلمة لقدر الله: "يا رب، استودَعْتُكَ ابني هذا، فكن حفيظًا عليه"، وأُغْشِيَ عليها، ونُقِلَت إلى المستشفى، ولم تَمضِ ساعات حتى فارقت الحياة، أَمَّا أحمد، فقد حُمِلَ مباشرةً من السيارة جُثَّة هامدة.
كاد محمد ينفجر من البكاء وهو يَمشي بين الناس بخُطُواتٍ يظهر من خلالها أنَّه ما زال في بداية مشيه، ولم يلتفت إليه أحد وهم منشغلون بالحادث وقتلاه، حتى ظهرت أخيرًا امرأةٌ قد تجاوزت الثلاثين من عمرها، فلفت نظرَها هذا الولد، وعَلِمَت أنه ابنُ القتيلين، فحملته وسحبت زوجَها من هذا الزحام، وذهبا بسرعة من غير أن ينتبه إليهما أحد.
كان هذان الزوجان يهوديَّيْن أمريكيَّيْنِ، وليس لديهما أطفالٌ؛ بسببِ عُقْمِ المرأة، وبعد أنِ ابتعدا قليلاً، قال الزوج لزوجته: ما الذي فَعلتِه يا إلين؟ وكيف سرقتِ الولدَ من أبويه؟
• سرقتُ الولد! ما هذه الألفاظ؟ إلى متى سأقول لك: تَعَلَّم انتقاءَ الألفاظ.
• والذي عَمِلْتِه ماذا تُسَمِّينَه إذًا إن لم يكن سرقة.
• أسميه أنِّي أنقذتُ الولَدَ من الضياع، ثم ألستَ يهوديًّا، فلِمَ لا تُجيد فَنَّ انتقاءِ المسميات؟ فكلُّ فعلٍ بإمكانك تسميته باسمٍ حسن، فيصبح حسنًا.
ولكن هذا الولد له أهل، وسيطالبون به.
• ألَمْ تَرَ بعينَيْكَ أنَّ أبويه قد ماتا، وكما تعلم ليس بإمكاننا إنجابُ الأولاد، فلِمَ لا نتخذه ولدًا؟
• أمُّه لم تَمُت، ونقلت إلى المستشفى، ثم كيف تتخذينه ولدًا وهو مسلم؟
• أنا رأيتُ الأمَّ بعيني فموتُها محقَّق، ثُم مَن قال لك: إنَّه مسلم، بل هو يهودي، وأبواه يهودِيَّان، ألاَ ترى صِغَرَه، فكيفما نربيه يكون.
• أنا لستُ مرتاحًا لهذا، فما الذي يجبرنا؛ لنُربِّيَ ولدًا مسلمًا؟
• كن معي فقط وسترتاح، وما رأيك ببنيامين؟
• مَن بنيامين؟
• اسم هذا الولد وأمه إلين.
• يا إلهي! أسَمَّيتِه أيضًا بنيامين، وأمه إلين، إذًا أبوه أفخاي.
• نعم، الآن أصبحتَ تفهمني.
• ولكن ماذا لو بقيت أمُّه على قيدِ الحياة؟
• اذهب إن شئتَ إلى المستشفى مَساءً، واسأل عنها، ولكن ما يضرُّك إن بقيتْ على قيد الحياة، فلن تصلَ إلينا.
• لا، أنا لن أرتاحَ إلاَّ إن تأكدت من موتها، فسأسألُ عنها اليومَ، وعلى كلٍّ - يا إلين - فكِّري في الموضوع، فليس من مصلحتنا أنْ نُربِّي مسلمًا، ويعيش معنا في بيت واحد.
• لا عليكَ أنت، فسيُصبح يهوديًّا أكثر منك.
ذهب أفخاي في المساء؛ ليسألَ عن أمِّ الولد، وفعلاً كان ما يريد، فقد ماتت زينبُ، وهكذا ومن هذا اليوم أصبحَ محمدٌ هو بنيامين، وصار أفخاي وإلين أبويه اللذَيْنِ انتبها للقلادة، ولصبغتها العربية، فعزما على رَمْيِها، ولكنَّ إلين غيَّرت رأيها، وقرَّرت الإبقاءَ عليها؛ لما رأت أنَّها ثَمينة، ولكنَّ أفخاي لم يكن راضيًا بإبقائها؛ لأنَّها تدُلُّ على العرب، وقال: إنَّها سوف تسبِّب لهما المشاكل، إلاَّ أنَّ إلين أصرت على أن يكون تبريرها لبنيامين أنَّها اشترتْها له من عرب كانوا في أمريكا، وهذا ليس مستبعدًا، فيمكن ليهود أنْ يعجبوا بأشياءَ عربية، ويشتروها، ولكنَّ أفخاي لم يقتنع، ولكنه رضخ لزوجته في النهاية.
كانت مخاوفُ زينبَ في مَحلِّها، بل إنَّ ما حدث لابنها أعظمُ مِمَّا كانت تتصوَّر، فمن هذا اليوم أصبحَ محمدٌ المسلمُ هو بنيامين اليهوديَّ، فهو لم يَحِدْ عن طريقه بالمعاصي والشهوات، بل تغير دينه كُلُّه ولم يُفلح أبو خالد عم محمد، الذي جاء إلى أمريكا بعد الحادث؛ ليتسلمَ جُثَّةَ أخيه وزوجته بإيجاده رَغْمَ بَحْثِه طويلاً ومُحاوَلاتِه مع الشرطة لشهور، وفي النهاية وصل إلى قناعة أنَّ ابن أخيه مات مع أبويه، ولكن جثته فقدت لأيِّ سبب.
صار بنيامين الشغل الشاغل لإلين، والذي نسباه إليهما رَسْمِيًّا، فأصبح ابنهما قانونيًّا، ولا أحدَ له الحق فيه سواهما، وصار لا يسمع إلاَّ اللغة الإنجليزية بعد أنْ كان قد بدأ في الكلام، وصار ينطقُ بعضَ الكلمات العربية، وهو مع أبويه الحقيقِيَّيْنِ، ولكنَّ أبويه الجديدين هما أمريكيَّان، ومن الطبيعي أنْ يتعلمَ لغتَهما، وما هي إلا شهور، وأصبح بنيامين قادرًا على لفظِ كل كلمة ينطقها أبواه، ونَسِيَ أيَّ كلمةٍ عربية، وأصبحت لغتُه هي الإنجليزية، وكبر وهو يعلم أنَّ أفخاي وإلين هما أبواه وأنَّ اليهودية هي دينه.
ولَمَّا بلغ الرابعةَ من عمره بدأت إلين تتكلم معه بالعِبْرية؛ ليتعلمَ اللغةَ الخاصَّةَ باليهود، فدخل أفخاي عليها يومًا، فوجدها تتكلم مع ابنها بالعبرية، فسألها عن سِرِّ ذلك، فرَدَّت بكل ثِقَة، حتى إذا عُدْنَا إلى الوطن يكون بنيامين مستعِدًّا للعيش هناك، فقال أفخاي مستغربًا: وأيَّ وطن تعنين؟! فأجابته باستغراب أكبر: وكيف أي وطن، هل نسيت أنَّ وطننا هو "إسرائيل"؟
• وهل تظنين أنَّك عائدة إلى الوطن.
• ولِمَ لا أعود؟
• هل تصدقين أنَّ العربَ سيتركوننا نعيشُ بأمانٍ في وطننا؟ وهل تؤمنين بأنَّ هذه الدولة ستبقى؟
• ما هذا الغباء يا أفخاي؟ ولِمَ لا أسألك أنا: هل تظن أنَّ العربَ قادرون على مواجهة "إسرائيل" وقُوتِها؟ وهل تشكُّ للحظةٍ أن "دولة إسرائيل" لن تبقى؟ ثم لِمَ لا تسأل نفسك: لماذا ترك العرب "إسرائيل" أربعَ سنوات، ولَمْ يسقطوها؟ ولذا فمن تركَها أربعَ سنين، سيتركها عشراتِ السنين، ورُبَّما مئات السنين؟
• أنا أشكُّ في ذلك، فالعربُ يُحاولون إسقاطَها وسيسقطونها.
• عندها أكون أنا وأنت في عدادِ الموتى، ولا يَهُمُّنا ما يَحدث وقتَها، سواء أسقطوها أم لا، والمهم الآن أنَّ من يعيش فيها، فسينعم أكبر النعيم، وهذا ما يهمني.
• إذًا فحب الوطن ليس هدفك، بل هدفك هو ما سينعمه عليك ذلك الوطن.
• ما هذا الذي أسمع! وهل أنت تهتم بهذا الوطن؟
• أنا لم أقل مثلك: إنِّي أريد الذَّهاب إلى الوطن.
• ولكن أنا أريد، ولكن ليس الآن، بل عندما يطمئن قلبي أنَّها أصبحت دولةً حقيقية.
استمرت إلين في تعليم ابنها اللغةَ العبرية حتى أتقنها، وصارت له لغة ثانية مع لغته الإنجليزية الأصلية؛ كونه أمريكيًّا، ثم وضعته في مدرسةٍ يهودية؛ ليتعلمَ العلومَ عامَّة، واليهودية خاصَّة، رغم عدم تديُّنها، ولكنَّها أرادت أن تَجعلَه يعرف الكثيرَ عن اليهودية؛ حَتَّى لا يفكر يومًا ما في دينه الأصلي؛ لأنَّ خوفَها من ذلك لم ينقطع، رغم تربيتِها له منذ صِغَره، وهذا الخوف عَزَّزه الكثير من الأحداث، التي كانت تَحدث معها، ومثال ذلك: لَمَّا خرجت هي وابنُها يومًا يتفسحان، فمرت بجانبِ مسجد، فتوقَّف بنيامين، ونَظَرَ مَلِيًّا، ثم سأل أمَّه: ما هذا الشيء العالي؟ فغضبت إلين بينَها وبين نفسِها من سؤاله، وتَمْتمت بصوتٍ مُنخفض: يا لك من ولدٍ، لم يُثِر انتباهَك إلاَّ هذا؟ ولكنه سرعان ما عاد؛ ليسألَها، فجذبها، وقال: أمي، أمي، ما هذا الشيء العالي؟ وما هذا البناء؟
• هذه مئذنة، وهذا مسجد.
• وماذا تعني مئذنة؟ وماذا يعني مسجد؟
• هذا للمسلمين المجرمين يتعبَّدون فيه، هؤلاء الذين سرقوا وَطَنَنا "إسرائيل"، ويُقاتلوننا؛ لأَنَّنا نريد حَقَّنا، ولكن - يا بُنَيَّ - لا تَخفْ، سنعود إلى وطننا؛ لأَنَّنا استرجعناه من هؤلاء الخبثاء.
• يعني هم أناس غيرُ جيدين.
• نعم، بالطبع هم ليسوا جيدين ومجرمين أيضًا، أنا أكره المسلمين، وعليك أن تكرههم.
فبدأ يُردِّد وَراءَها دون أن يَعِي ما يقول ويقلدها: أنا أكره المسلمين، أنا أكره المسلمين، وهما على هذه الحال خرج رجلٌ من المسجد، فصاح الولد خائفًا: أمي، هل هذا مسلم؟ فرَدَّت الأم: أَنْ نعم، فبدأ بنيامين يصيحُ قائلاً: أنا أكرهك، أنا أكره المسلمين، فما لبثت الأمُّ أن أسكتتْه، وقالت: لا، يا بني، لا تقل ذلك، فنحن نكرههم، ولكن لا نُعْلِن ذلك؛ حتى لا يقول الناس: إنَّنا نكره غيرَنا، ونؤذيهم، فوافقها بنيامين دون اعتراض؛ لصِغَر سِنِّه.
ولكنَّ هذا الحادث لفت نظر إلين لِأَن تُدخل ابنَها الصغيرَ لمعبدٍ يهودي؛ حتى لا يسأل نفسَه لا شعوريًّا: إنَّ هذا المسجدَ للمسلمين، فأين ما نعبدُ فيه نَحن؟ ولولا هذا الحادثُ، لَمَا فكَّرَتْ في إدخاله مَعْبدًا، فهي وإن كانت تريد أنْ تعلمه اليهودية، فهي أيضًا لا تريده متدينًا، بل ترغب في أن يكونَ عَلْمَانِيًّا؛ حتى لا يتعبها في تدينه، فهي ككُلِّ يهودية تُحِب أن تكون حرة.
ولَمَّا دخلا بدأت تشرحُ له عن المعبد، وكيف هم يعبدون، فسألها: هل هذا مثل المسجد، فرَدَّت عليه بغضبٍ ظهر عليها، وانتبه له بنيامين: لا، بل هو أفضل من المسجد، ثُمَّ ما خَصَّك أنت بالمسجد، هو ليس لنا، فعليك نسيانه، وعدم التفكير فيه، فقال لها ببراءة الطفل: ولكنَّ المسجدَ أجملُ، فزاد ذلك من انزعاجِها، وقالت: وهل تُعجَب بشيء لأعدائنا، وترى أنَّه جميل، مع أنَّهم هم مَن يقتلوننا في "إسرائيل"، ويريدون أنْ نَخرُج من وطنِنا، فارتبك الولد، وقال: لا، لا يا أمي، أنا أحب المعبد، وأكره المسجدَ والمسلمين.
فابتسمت الأمُّ، وقالت: نعم، هكذا أريدُك، فشعر الطفلُ بالأمان لرضا أمِّه عليه، بعد أن كان قد خاف من انزعاجِها، وهكذا تشبَّع بنيامين باليهودية، وكَرِه المسلمين؛ لإرضاء أمِّه فقط، واجتناب رُؤيتها غاضبة، وفي سِنِّ العاشرة لبنيامين شاهد ولأولِ مرة في حياته امرأةً مُحَجَّبة، حين كانت تَجلِس على مِقْعَدٍ في حديقةٍ كان هو وأمُّه يَجلسان فيها عادةً، فجاء مسرعًا إلى أمه التي كانت تبعُد عن تلك المرأة، وناداها بلهفة: أمي تعالي، تعالي؛ لأُرِيَك ماذا رأيت؟ فجاءت إلين مُتلهفة؛ لترى ما الذي أثار انتباهَ ابنِها المُدلَّل؟ فإذا بامرأةٍ مُحجبة، فصُعِقَت لَمَّا سألَها عنها: ومَن هذه؟ ولماذا تَلْبَس هكذا؟ فلم ترد عليه، وبدأت تُفكِّر في نفسِها، أيُعْقَل أنَّه يتذكر أمَّه، ويتذكر حجابَها، ولكنها رأت أنَّ ذلك مستحيل، ولكنَّها سرعان ما انتبهت أنَّ عليها إجابتَه بشكل طبيعي، فقالت: وما الذي لفت نظرَك بهذه المرأة الحمقاء، فهي مسلمة وهم يَلْبَسون ذلك الغطاء على الرأس؛ بسب تَخلُّفهم؟ ثُم ألَم نتفقْ أنَّنا نكره المسلمين، وليس لنا علاقة بهم.
• مسلمة! طبعًا أكرهُهم، ولكني أول مَرَّة أرى هذا المنظر، فهذه المرأة تُشْبِه المرأةَ التي أراها في المنام، فهي تُغطِّي رأسَها، ولكن لا أرى وجْهَها جيدًا.
فدُهِشَتِ الأمُّ من كلامِه وقالت: تراها في المنام! آه، آه، هذه بالتأكيد المرأةُ المسلمة التي رعبتْكَ وأخافتك وأنت صغير، فرُبَّما أنت ما زِلْتَ تذكُرها، فهذا الذي تراه كابوسٌ، فلا تَهتم به.
• كابوس! ولكني أستيقظ مرتاحًا وسعيدًا عندما أراها.
• لا، لا، هذا بالتأكيد كابوس، وأنت يتهَيَّأ لك أنَّك مرتاح.
• نعم، نعم، رُبَّما يكون كابوسًا، فأنا لا أحب المسلمين.
ولكن هذا المنام شغَلَ بالَ إلين، وجاءت وقَصَّت الخبرَ على زوجِها أفخاي، فقال لها مُفَسِّرًا: هذه ربَّما أمه، فهو ما زال مُحتفظًا بصُورَتِها في عقله الباطن؛ ولذلك تأتيه في مَنامِه، ولكنَّ هذا الكلام أزعج إلين، وأخافها بزيادة، فقالت له: كلمتك لتُزيل خوفي، فقلت هذا التفسير؛ ليرعبَني أكثرَ، فأراد أفخاي أنْ يزيلَ ما سَبَّبه لإلين، فقال لها: ما هذه الخرافات؟ فأمُّه ماتت من سنين، ولم يَعُدْ لَها وجودٌ، وهو مجرد منام، فلا تضخمي الأمرَ، فردت: أتمنى ذلك، ثُمَّ نظر أفخاي إلى حديقة المنزل من النافذة التي كان يَجلس بجانبها، فوجد بنيامين يلعبُ مع البنات، ثم خاطب إلين مُحاولاً أنْ يلعبَ دَوْر الأب الذي لا يشعر به نهائيًّا تُجاه بنيامين، ولكنه وجد نفسَه مُضطرًّا لأن يلعبه، فقال: لِمَ تركزي على الإناث في صُحبة بنيامين؟
• لسببٍ واحد وهو أنَّ المسلمين أكثرُ ما يُبغضون هو عَلاقة الشابِّ بالفتاة، وأنا أريد لبنيامين أنْ يكونَ يهوديًّا خالصًا لا يَمُتُّ للإسلام بصلة.
• ولكنَّ هذا ربَّما يؤثر على شخصية بنيامين، وتصبح صفاتُه شبيهةً بصفات البنات.
• لستُ غبِيَّة حتى لا أعرف كيف أربي ابني، ولن أضيعَه؛ لأنه أغلى إنسان على قلبي، وانتبه لِمَا تقول جيدًا، فالأصحابُ الذُّكور هم في حياة بنيامين في كُلِّ نشاطاتِه: في النوادي، والمدرسة، وفي كُلِّ مكان، ولكني أريد أن تكونَ عَلاقته بالبنات أيضًا مميزة.
• أرجو أن لا تضيعي الولدَ؛ بسبب بُغضِك لأصلِه ودينه.
• دينه! دينه هو اليهوديَّة، ولا دينَ له سواه.
بقيت القلادةُ مع بنيامين كُلَّ هذه السنين، ولم تفارقْه قطُّ، ولَمَّا كان يسأل عن هذه القلادة، وقِصَّتِها كانت الأمُّ ترد عليه بأنَّها هي مَنِ اشترتْها؛ لِحُبِّها له، وكان بنيامين يُحِبُّ هذه القلادةَ، ولا يرضى أن يفارِقَها؛ لأنَّها تُمثل له الأمان والطمأنينة دون أن يدري سببَ ذلك.
لَمَّا صار بنيامين في سن السابعةَ عَشْرَةَ قَرَّرت العائلةُ أن تذهبَ إلى وطنها المزعوم "إسرائيل"، ونقل أفخاي أعمالَه إلى القدس الغربِية بعد رَفْضِه الذَّهاب، وتأجيله لهذا السفر سنينَ عِدَّة، ولَمَّا كانت إلين تسألُه عن السببِ يقدم لها أعذارًا لا تقنعُها، وكانت موافقته بشكل مفاجئ، الأمرُ الذي أثار استغرابَ إلين، ولكنَّها لَم تعرفِ السرَّ، رغم إصرارها على معرفته، وكان اختيارهم للقدس الغربية غَيْرَ مُرْضٍ لإلين؛ لأنَّها كانت تَحلُم بأن تسكن تل أبيب، ولكنَّ أفخاي بَرَّر ذلك بأنَّه لم يستطِعْ أن ينتقلَ إلى تل أبيب، ولكن هذا التبرير لم يكن يقنع إلين، ولكنَّها رَضِيَت في النهاية، فبالنسبة لها مُجرد موافقته على الذَّهاب إلى "إسرائيل" كان كافيًا لها، خاصَّة أنه وَعَدها أنَّه سيعمل ما في جهده؛ للانتقال إلى تل أبيب.
انتقلت العائلةُ إلى القدس عام 1965، ولكنَّ بنيامين لم يكن سعيدًا كثيرًا؛ لأنَّه سيترك بلدَه الأصلي "أمريكا"، الذي تربَّى فيه 17 سنة، ولكنه في النهاية رَضِيَ أن يدفعَ الثمن مُقابلَ أن يعودَ إلى وطنه، الذي كانت تحدثه عنه أمُّه إلين، ولكن ما أثار استغرابَ بنيامين، حتى أمه وأبيه - هو أنَّه أحَبَّ القدسَ، وشَعَر فيها باطمئنانٍ غريب، الأمر الذي فسَّرته له أمُّه بأنَّه لم يشعُر بهذا الاطمئنان إلاَّ لأنَّ القدسَ هي وطنه الأصلي، وكأنَّها تُحاول أن تكذبَ على نفسِها وتنسى أن بنيامين هو من أصلٍ مسلمٍ، والقدس هي وطنه لا وطنها.
جاء الوقت الذي وصل فيه بنيامين إلى الجامعة، وأراد أن يدرسَ الصحافة، الأمر الذي أزعجَ والديه اللذين لم يكونا يُحِبَّانِ هذا الفرع، فقد كانت أمه تتمنى أنْ يُصبِحَ طبيبًا جَرَّاحًا؛ لأنها كانت تعتقد أن هذا العمل هو أرقى الأعمال، ولذلك كانت تُفضِّله لابنها عن غيره، ولكن هذا الفرع كان آخرَ ما يُفكِّر فيه بنيامين، فأدَّى هذا الاختلاف إلى وُقوع مُشاجرات بين الابن وأهله.
ودام ذلك أيامًا فلا الابن يقتنع برأيِ أهله، ولا الأهلُ مقتنعين برغبةِ بنيامين، فشعر بنيامين بضيقٍ كبير؛ بسبب هذا الخلاف، فمَعَ أنَّه لا يُحِب أن يفرضَ أحدٌ عليه رأيَه، إلا أنه لم يكن يحب أن يزعجَ والديه، فأَنْ يُصْبِحَ مراسلاً كان ذلك من أكبرِ أحلامه، فهو يُحِبُّ الانتقالَ من مكان إلى آخر، وينقل الأخبار ويشاهدها بعينه، ويُعطي رأيَه بها؛ لأنَّه لا يُحِب أن تنقلَ الأخبار له فقط دون أن يكونَ شاهدًا عليها، فكان مغرمًا بمعرفة الحقيقة، والصَّحافة والعمل التلفزيوني هو أقربُ طريق للوصول إلى هدفه.
وبعد كل هذا الضيق، وبعد تفكير كبير بهذا الأمر، وخوف من أنْ ينتصرَ رأيُ والديه بأيِّ طريقة - نام فرأى في منامِه تلك المرأةَ، التي تأتيه دومًا، فاقتربت منه وهي تبتسمُ فمسحت على رأسِه وهنا فتح بنيامين عينيه، وإذا هو مُبتسم مُنشرح الصدر، وكأنَّ هذه المرأة جاءت تُبشِّره، وتقول له: لا تَحزن، ستدرس ما ترغب في دراسته، وبعد زمنٍ مِنَ الصَّمْتِ وهو يفكر في هذا المنام، كَلَّم نفسَه متسائلاً: يا من ترى، مَن هذه المرأة؟ ولِمَ يُسَرُّ قلبي كلما أراها؟ ولِمَ تَلْبَسُ لِباسَ المسلمين؟ ولكنَّه لَمْ يَجِد لأسئلته جوابًا؛ لذلك تَرَك هذه التساؤلات مُكتفيًا بما شعر به من انشراح الصدر.
دخل بنيامين في هذا اليوم على أُمِّه وأبيه، وأخبرهما بقَرارِه النهائي، وعَزْمِه على دراسة الصَّحافة، وأنَّه من المستحيل عليه دراسة الطب؛ لأنَّه أبعد ما يكون عن رغبته، فردَّت أمُّه والانزعاجُ بادٍ على وجهها: ولكن - يا بني - ما تفيدُك الصَّحافة، ألاَ تعلم أنَّ الجراحة هي أرقى العلوم، ويُمكن أن تذهبَ إلى أمريكا، وتدرس هناك وتُصبح من كبارِ الجَرَّاحين، وهنا تكلم أفخاي قائلاً: ولكن ما يُعجبك في الصَّحافة، فنهايتها إمَّا كاتب في جريدة مَغمورة، أو مذيع في برنامج غنائي فاشل، فرد بنيامين وقد غَضِبَ من سُخرية أبيه: ومَن قال لك: إنَّ هذا هو مصيري؟ ولِمَ لا أصبح صحفيًّا كبيرًا ومُراسلاً تلفزيونِيًّا ناجحًا؟ وما الذي يمنعني؟
أفخاي: نحن نريدُك أن تدرسَ عِلْمًا ينفعك ماديًّا، ويرفعك اجتماعيًّا.

بنيامين: ولكن سعادتي في الصَّحافة، وفي الصَّحافة فقط، ولن أغيِّر رأيي، فقالت إلين مستسلمةً: إذًا افعل ما تريد، وتَحَمَّلْ نتائجَ اختيارك، فرَدَّ بنيامين عليها بكل ثقة: نعم، سأفعل ما أريد، وسأتحمل نتائجَ اختياري.
دخل بنيامين الجامعةَ، وبدأ بدراسةِ الصَّحافة، وفي أولِ يوم مِن أيَّامه الدراسيَّة؛ حيث كان يستعدُّ للذهاب إلى جامعته، اغتسلَ ولبس ثيابه، وجَهَّز كتبَه، ولَمَّا طلب قلادتَه المرافقة له باستمرار، التي لم يكن يَخلعها إلاَّ عند الاغتسال؛ لخوفِه عليها، لكنَّه لَم يَجدها، فبحث عنها وبحث، ولكن دون فائدة، وقلب السريرَ، والخزانة، والثِّياب رأسًا على عَقِب، ولكن دون نتيجة، فجُنَّ جنونه، فبدأ يصرخ ويعلو صوتُه، فدخلت إلين عليه فزعةً، وسألته عما دهاه.
• القلادة، القلادة، أين اختفت؟ أمي أرجوك ابحثي عنها.
• القلادة! ولكن أين ذهبت؟
• لا أدري، وضعتها هنا على الطاولة، ودخلت؛ لأغتسل، ولَمَّا عُدت لم أجدها.
• بالتأكيد هنا أو هناك، أين ستذهب لأحاول معك؛ لعلي أجدها.
بَحثَا كثيرًا، ولكن لا فائدة، فنظرت إلين لابنها، فذُعِرَت من منظره، وهو يصول ويَجول في الغرفة، وكأنَّه أمٌّ أضاعت ابنَها، فخافت عليه من هذا المنظر، فقالت مُحاولة أن تُهدئه: الآن اذهبْ إلى جامعتك، وسأبحث لك عنها، وأحتفظُ بها حتى ترجِعَ، فنظر لها متعجِّبًا، وكأنَّها قالت كلامًا تسبه فيه أو تُهينه، فرد عليها قائلاً: ماذا تقولين يا أُمَّاه، أذهبُ إلى الجامعة من غير قلادتي؟ أيُعْقَل هذا؟! ألاَ تعلمين - يا أمي - أنَّ هذا من المستحيل أنْ يَحدُث، ولو فقدت حياتي.
هنا استشاطت إلين غضبًا، وثارت وصرخت في وجهه: أتفقدُ حياتَك من أجل هذه القلادة التَّعيسة؟! وما هذه القلادة حتى تضحي بنفسِك من أجلها؟ ألستَ يَهودِيًّا، واليهوديُّ لا يضحي بحياته من أجل أيِّ شيء، فكيف بهذه القلادة التي لا تساوي شيئًا؟! فنزل هذا الكلام على قلب بنيامين مثل الصَّاعقة، وكيف تصفُ هذه القلادة، وهي مَنِ اشترتْها له بهذه الصِّفات، فقال معلقًا على كلامها: كيف تتحدثين عن قلادتي بهذه الصُّورة، وأنت مَن جَلَبَها لي، وأنا أحبها؛ لأنَّها منك؟
فشعرت الأم بأنَّها أخطأت، ووقعت في فخٍّ عظيم؛ بسبب غَضَبِها غير العقلي، وعدم حكمتها فأرادت أنْ تُصحِّحَ ما أفسدته، فقالت بارتباك: صحيح أنني اشتريتُها، وأشعر بسعادة؛ لأنَّك تُحبها، ولكنها ليست أغلى منك، فأنا غضبت من كلامك، وأنك ستضحي بنفسك من أجل قلادة عادية، فقاطعها قائلاً: ليست قلادة عادية، فهي رَفيقتي منذ أنْ أدركت الحياة، إن لم أجدْها لن أخرجَ من البيت.
لما اسْتَيْئَسَ بنيامين من إيجادِ القلادة، جلس في غُرفته حزينًا مُستسلمًا، وعزف عن الذَّهاب إلى الجامعة، وبدأ يُسلِّي نفسه بأمورٍ مُختلفة، ففتح حقيبته التي يَضع فيها كتبه الجامعية؛ ليخرج كتابًا ليطلعَ على منهاج جامعته الجديدة؛ لعله ينسى حزنه على قلادته، فإذا بالقلادةِ قد وضعَها في الحقيبة؛ خشيةَ نسيانِها، ولكنَّه نَسِيَ ذلك، فصرخ بأعلى صوتِه وكأنَّه طفل وجد لعبته الضائعة: وجدتُ القلادة، وجدتها، فكانت سعادته كبيرة؛ لأنه وجدَها، ولكنه في الوقت نفسه حزن؛ لأنه علم أنَّ القلادةَ لا تُمثل عند أمه أيَّ قيمة، وأنه وحدَه من يُحبها.
ظلَّت إلين غاضبةً من هذا الموقف طوالَ اليوم، حتى إنَّها قصت الحكايةَ على أفخاي، وقالت له: إنَّها أصبحت تكره هذه القلادةَ، وتشعر أنَّها شؤم على العائلة من فرط مَحبَّة بنيامين لها، ثم قالت: إنِّي بدأتُ أفكر مثل النساء الجاهلات أنَّه رُبَّما هناك أشباح يسيطرون على هذه القلادة، فضَحِكَ أفخاي من كلامها، وقال لها: ما هذا الهراء، الذي تتحدثين عنه؟! هي مُجرد قلادة، وتَعَوَّد عليها، وكما قلتِ: إنَّه يُحِبُّها لأنَّها منك، فهذا يدفعك لأَنْ تسعدي، وليس لأن تخافي، وعلى كُلٍّ أتذكُرين ماذا كان رأيي عندما وجدناه؟ فكم قلتُ لك: لِنَرْمِها! ولكن طمعت فيها، وبثمنها، وفي النِّهاية بقيت مع بنيامين، فردت إلين بِأَسًى: يا ليتني رميتها وارتحت.
كلُّ هذه الأحداث أثَّرت في بنيامين، وبلورت شخصيته، ورَسَمَتْها بحسب تأثُّره بها، فكانت شخصيته تَتَّسِم بالحذر، وعدم الثقة بمن حوله، فكلُّهم يعيشون، ويتعاملون مع بعضِهم في إطار مَصلحةٍ مُشتركة، وهذا كان واضحًا أكثرَ في علاقاته في صُحبة الجامعة، فقد اختار أصحابَه بحيث يستفيد من كلِّ واحد منهم، ويبتعد عن أي علاقة لا تُقدِّم له منفعة، وهكذا بدأ بالتعرُّف على أصحابٍ جُدُد شباب وبنات، وعاش كأيِّ يهودي لا يَمنعه دينٌ ولا عُرْف في علاقاتِه مع الشباب والبنات، مثل: الخمر، والسهر، والرحلات.
ولكنَّه كان يتميَّز عن أقرانه اليهود بشيء واحد، وهو أنَّه كان لا يُمارس العلاقاتِ غير الشرعية مع البنات، وهذا ما كان يُدْهِش كلَّ من حوله، ولا يعرفون سببَ ذلك، حتى بنيامين لم يكن يدري لماذا هو يُبغِض هذه العلاقات، رغم شرعيتها في بيئته اليهودية، بل ضرورتها أيضًا بالنسبة لهم، وكان هذا يُزعِج أبويه، فهُما يريدان كسرَ التشابُه بينه وبين أبناء المسلمين، الذين ينتمي إليهم أصلاً قبل أن يأخُذاه ويُهوِّداه.
فكانا يسألانِه عن سِرِّ ذلك، ويَطلبان منه أنْ يكونَ كباقي الشباب، حتى لا يتهمونه أنَّه مُختلٌّ عَقليًّا، أو يصبح منبوذًا من أقرانه، ولكنه كان في كلِّ مرة يرد الردَّ نفسه، وهو أنه لم يقتنع إلى الآن بهذا الأمر، وقناعته تفرضُ عليه أن لا يكونَ هذا الأمرُ إلا بعد الزَّواج؛ لأنه وبحسب قناعته يرى ذلك فعلاً حيوانِيًّا، ما دام بلا قيدٍ، ولكن ذلك لم يكُن يُرضي الأبوين؛ لأنَّهما يرغبان في أنْ يكون يهوديًّا بجميع أفعالِه.
فكانا يُصِرَّان عليه بأنْ يُغيِّر رأيه، ولو بصديقة واحدة، فيرد عليهما: أَنْ لا أحدَ له الحقُّ بتسييره، وهو حُرٌّ بأفعاله، ولا يعمل إلاَّ ما يقتنع به، وبَقِيَ على قناعته رغم م
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://jana.canadaboard.net
 
القلادة.!!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» القلادة.!! (1)
» القلادة .!!(2)
» القلادة.!!3
» القلادة.!!4
» القلادة.!!5

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الأسرة العربية لصيد الفوائد :: قصص :: ركن القصص لأخد العبرة والإستفاذة-
انتقل الى:  
مواقع صديقة
الأسرة الشامل | صور و خلفيات – قنوات فضائية