انطلق صوت أحد أولئك الشباب بأذان المغرب، يختلط مع صوت الأمواج الهادئة التي كانت قريبة من "الشاليه " الذي كانوا يفطرون به، وإذا بأحدهم يقدم لصاحبنا تمرة، فقال له: شكرا، ولكني لست بصائم.
قال له صاحبه: ما عليك!، مجرد مشاركة معنا.. أقيمت الصلاة فدخل معهم في الصلاة لأول مرة- منذ أن تركها- قبل فترة طويلة- وبعد الصلاة قام أحد الشباب بإلقاء خاطرة إيمانية دخلت كل كلمة فيها إلى أعماق قلبه، وبعد الإفطار استأذن من صاحبه ليعود إلى البيت، كان يفكر في هذا الجمع الطيب، وتلك الكلمات التي لم يسمع مثلها من قبل، أو ربما سمع مثلها كثيرا، ولكن لأول مرة يسمعها بقلب متفتح، فكان يحاسب نفسه أثناء قيادته سيارته إلى متى أظل على هذا الطريق؟
أما آن الأوان للاستقامة؟ ما المانع من ذلك؟
وصل إلى البيت مبكرا على غير عادته، تعجبت زوجته من قدومه المبكر، وعندما سألته قص عليها ما جرى لي.
وفرحت زوجته، واستبشرت بقدوم أيام الفرح، بعد أن أحال أيامها كلها منذ أن تزوجته حزنا يولد حزنا، بسبب ما يقترف من المعاصي وما يعاملها بها من القسوة.
صحا من النوم الساعة الثانية قبل الفجر بمدة طويلة، توضأ وأخذ يصلي مناجيا ربه، ويستغفر عن الأيام الخالية، يطيل في السجود والقيام حتى أذن الفجر.
استيقظت زوجته، فرأته ساجدا، فرحت كثيرا بهذا التغيير، واقتربت منه منتظرة انتهاءه من الصلاة، ولكنه لم يقم من سجدته، فوضعت يدها عليه مخاطبة: "بو فلان شفيك "؟
ولكنه بدل أن يجيبها سقط على جبنه، لقد وافته المنية وهو ساجد يناجي ربه.
توبة فتاة مستهترة
حياتي كلها كانت مختلطة متبرجة، عشتها كما أردتها لنفسي، وكنت أصرف دخلي الشهري على الملابس الضيقة والقصيرة وأصباغ المكياج التي ألطخ بها وجهي كلما أردت الخروج، ولا أشتري إلا أغلى العطور حتى أن الجميع يشم رائحتي من على بعد مسافة.. وكنت مغرمة بإتباع ما تجلبه الموضة من قصات الشعر وتسريحاته ولا أرضى بديلا..
وكنت أرتاد الرحلات ونقضيها في الغناء المحرم والمزاح والاختلاط وهذا والله- ما يريده أعداء الإسلام بشباب المسلمين، يريدون منهم أن يكونوا كالبهائم العجماوات لا هم لهم إلا البحث عن الشهوات، وأذكر مرة أثناء إحدى الرحلات كنا نغني ونطلق أنواع النكت والأهازيج هما جعل سائق الحافلة يتضجر وينزعج وينظر إلينا بسخرية..
وسألنا هل تجيدون جميع الأغاني، فأجبنا بثقة. نعم، ماذا تريد أن نغني لك؟ فلم يجب؟ ثم قال: هل تعرفون كل شيء؟-.. قلنا: نعم نعرف كل شيء..
فقال: كم عدد أولاد النبي !؟
فتلعثمنا جميعا ولم يستطع أحط منا الإجابة لجهلنا بها..
لقد كنت أسخر واستهزئ بالملتزمات والمحجبات ولملابسهن المحتشمة ثم التحقت بالعمل، فإذا بإحدى زميلاتي الملتزمات تأمرني بالحجاب الشرعي فكنت أسخر منها ولا أطيق كلامها ولا الجلوس معها، ولكنها لم تيأس من نصحي وتذكيري وإهدائي بعض الأشرطة والكتيبات النافعة حتى بدأت أميل لكلامها بعض الشيء..
ورزقني الله بزوج صالح، أخذ يرغبني في الله ويأمرني بالصلاة، فتأثرت بكلامه.. واستطاع بأسلوبه الطيب أن يجذبني إلى طريق الإيمان ويحببه إلى.. وإن كنت لم ألتزم التزاما كاملا.. إلى أن هز مشاعري غرق إحدى البواخر ومات من مات، ونجا من نجا.. فاستيقظت من غفلتي، وسألت نفسي سؤالا صريحا.. إلى متى الغفلة؟.. إلى متى أظل أسيرة الهوى والشيطان والنفس الأمارة بالسوء.. ودارت في مخيلتي أسئلة كثيرة.
وبعد لحظات من التفكير ومحاسبة النفس نهضت مسرعة إلى تلك الأخت الفاضلة التي كنت أكره الجلوس معها وبحوزتي جميع الأشرطة الغنائية التافهة، فأعطيتها إياها للتسجيل عليها محاضرات وندوات دينية، وأعلنت توبتي وعاهدت ربي أن يكون هدفي هو إرضاء الله، وحمدت الله على هدايتي قبل حلول أجلي.
توبة شاب مستهتر
يظل هذا الإنسان على مفترق طرق كفها في النهاية تعود إلى طريقين لا ثالث لهما: طريق الأخيار، وطريق الأشرار.. هذا الإنسان وإن عاش طويلا فإن الأعمار لمح بصر.
فرق بين شاب نشأ في طاعة الله، وشاب نشأ على المسلسلات والأفلام.. بين شاب إن حضر في مجلس أنصت إليه الناس لكي يسمعوا منه كلمة من قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وشاب إن حضر أو لم يحضر فزملاؤه قائمون على الاستهزاء به، والضحك منه.
كنت في الصف الثاني الثانوي، فبدأت حياتي تتغير إلى الأسوأ، وتنقلب رأسا على عقب.. بدأت لا أصفي، ولا أشهد الجماعة في المسجد.. أخذت حياتي تتغير حتى في مظهري الخارجي.. تلك قصة شعر فرنسية، وأخرى إيطالية.. وملابسي لم تعد ثوبا وغترة، بل أصبحت لباسا غربيا فاضحا.. وجهي أصبح كالحا مكفهرا.. وفارقت الابتسامة شفتاي.
مرت سنة وسنتان وأنا على تلك الحال، حتى جاء اليوم الموعود..
كنت جالسا مع "شلة" لا هم لهم إلا الدندنة والعزف على العود، ودق الطبول إلى آخر الليل.. شفة فاسدة لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا، بل تحث على المنكر، وتأمر به.
وبينما نحن في لهونا وغفلتنا، إذ أقبل علينا ثلاثة نفر من الشباب الصالح.. كنت وقتها أكره الملتزمين كرها شديدا لا يتصوره أحد.. أقبل أولئك النفر، فسلموا علينا، وجلسوا بيننا بعد أن رحبنا بهم مجاملة.. كنا عشرة، وكنت أنا أشد هؤلاء العشرة في الرد على أولئك الأخيار وتسفيههم كلما تكلموا، كنت أقول لهم: أنتم لا تعرفون أساليب الدعوة، ولا كيف تدعون.. الخ.
دار النقاش بيننا وبينهم لمدة ساعة كاملة كنا خلالها نستهزئ بهم، وكانوا يقابلون ذلك بالابتسامة والكلام الطيب.. ولفا حان وقت الانصراف صافحني أحدهم وقال لي: إن لك شأنا عظيما.
مر أسبوع على هذه الحادثة وحالتي لم تتغير.. من معصية إلى أخرى، وفي ليلة من الليالي عدت إلى المنزل بعد منتصف الليل، بعد سهرة مع تلك الشفة الفاسدة.. كنت متعبا، فألقيت بنفسي على الفراش، ورحت أغط في سبات عميق، فرأيت فيما يرى النائم أنني أمام حفرة سوداء مظلمة قد ملئت قارا أو أسفلتا محرفا، فتخطيتها، فإذا أمامي حفرة بيضاء لم أر مثلها قط، فسجدت لله شكرا حيث نجاني من تلك الحفرة السوداء المظلمة، فقمت من نومي فزعا، فإذا بشريط حياتي الأسود يمر أمامي.. لا أدري ما الذي أصابني.. قلت في نفسي: لو أني مت في تلك اللحظة هل تشفع لي حسناتي في دخول الجنة؟.. هل تنفعني تلك الشفة الفاسدة التي لا هم لها إلا السهر إلى آخر الليل، والتفكه بأكل لحوم البشر.. فعاهدت الله على الالتزام بمنهج الله ومنهج رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى تطليق تلك الشلة الفاسدة، ومن ترك شيئاً لله، عوضه الله خيرا منه.
توبة فتاة أعرضت عن الإسلام بالكلية
الدموع لغة الكل يفهمها، وهي أصدق تعبير عن المشاعر، ولكن الذي يلفت النظر حينما تمتزج دموع الفرحة بالنجاة بدموع الحزن والحسرة على أيام لن تعود، ووقت ضاع في لهو بعيد عن الله، فالدين الإسلامي هو قوام الحياة، وهو الذي خلص البشرية من عنائها الطويل وهمها الأبدي، حررها من قيود العبودية والذل إلى عبادة رب العالمين، فأصبحنا مسلمين بالفطرة منذ ولادتنا.
ولكن هذه الحكاية تتسم بالغرابة في طريقتها ومضمونها، فهل فكرنا أنه سوف يجيء من أولادنا من يكفر بملتنا ويخرج من ديننا؟ هل دار بخلدك أيها الأب أنك قد تمسي أو تصبح فتجد أحد أبنائك وقد أصبح كافرا مرتدا عن الدين؟ إنه أمر شديد الخطورة شديد الألم. رأيتها وهي تدخل مصلى المدرسة دخول الخائفين، ظهر عليها التوتر وكأني بها لأول مرة تستمع للقرآن الكريم، تكلمت المحاضرة في المصلى فأجهشت بالبكاء، واستغربت المعلمة هذا الوضع فأرادت أن تعرف أصل الحكاية، فكان السؤال: ما لي أراك قلقة ومتوترة وتبدو عليك علامات الحزن الشديد؟ فأجابت: أتعرفين بأنني الآن يا معلمتي والآن فقط أسلمت ودخلت الدين الإسلامي!
سادت الدهشة المكان وبان عدم التصديق على محيا المعلمة، فخرجت ابتسامة باهتة باردة كبرودة الجو الذي تقفان فيه، ثم قالت المعلمة، قولي: الآن اهتديت وقررت ترك المعصية والعودة إلى الله، ولا تقولي أسلمت، فكلنا مسلمون يا صغيرتي، وأنت ابنة عائلة معروفة ولا ينبغي لك أن تتفوهي بهذا الكلام. فقالت: أعرف أنك قد لا تصدقينني لعظم ما أقوله ولكنها الحقيقة. قالت: كيف؟ فردت: حينما ترك أمر تربيتنا للخدم والمربيات والسائقين، وعندما كانت فطرتنا سليمة لم تزرع فينا الأم بذور الإيمان، وعندما كان للثراء دور وللإهمال أثر في حياتنا؛ انحرفت عقيدتنا، فالأم مشغولة بكل شيء إلا بنا. اعتقدت أن الخادمة والمربية والسائق والمدرسة يغنون عن وجودها، فتربيت دون أسمح كلمة حق ولم أوجه أي توجيه! وكما تعرفين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " الحديث. [متفق عليه].
وقد تحقق هذا الحديث، فأنا ولدت على الفطرة، ولكن أخذت المربية تعلمني دينها وتبعدني عن الدين الإسلامي، وأخذت المدرسة الأجنبية تغرس في نفسي الولاء والحب للغرب، وتثير في الأحقاد على الإسلام، وأنه دين التخلف، وتشوه الدين في نظري وباستمرار.
سألتها المعلمة: ولماذا لم تستفسري أو تشكي في صحة ما تقول؟ فأجابت: لقد كنت صغيرة وليس لدى أمي استعداد للإجابة عن أسئلتي! وكنت أتساءل فلم أجد من يجيبني فصدقتها ووثقت بهما.
وتواصل المسكينة: لقد كبرت وأنا أعيش في غفلة من الأم وإهمال من الأب وعدم رقابة من الأهل، سنوات طويلة مرت لم تأمرني أمي فيها بالصلاة، ولم توقظني لصلاة الفجر، هل تصدقين أنها لا تعرف هل أصوم رمضان أم لا؟ للفجوة الكبيرة التي بيننا؟ لقد كانت غفلة استمرت طويلا.. خسرت سنوات عمر عظيمة، وفي المدرسة الثانوية أخذت الطالبات يلاحظن علي بعض التصرفات، وتشك! الزميلات في أمري، فأنا لا أؤدي الصلاة معهن، ولا أستمع للمحاضرات، ولا أقرأ النشرات، ولا أذهب للمصلى!!
فما كان من زميلاتي إلا أن قمن بنقل هذا الأمر لإحدى المعلمات الداعيات التي أحست بأمانة التعليم وعظم شأن الدعوة إلى الله، فتحرت عني حتى عرفت مشكلتي وأبعادها وبعدي العظيم عن الله، وعتمة الضلالة التي أعيش بها، فأخذتي باللين وتوضيح الأمور وظلت تسير معي خطوة بخطوة حتى وصلت إلى بر الأمان، أخذتني للمحاضرات داخل المدرسة وخارجها، فيسر الله أمري وشرح صدري، وأعلنتها توبة صادقة وعودة إلى الله تعالى على يد هذه المربية الفاضلة.. وبقيت الآن يا معلمتي أذرف دموع الخدم والحسرة على ما مضى من عمري في الضياع.
وتقول: لم أسجد لله طوال هذه السنوات الماضية، وأنا الآن عمري 71 سنة، ضاع عمري وذهب شبابي وأنا بعيدة عن الله، انجرفت وراء اعتقادات واهمة وأفكار منحلة، ولم تعلم أمي عن إسلامي؛ لأنها لا تعرف أصلا بأني خرجت منه حتى أعود إليه!
توبة الفضيل بن عياض
كان الفضيل تقطع الطريق وحده. فخرج ذات ليلة ليقطع الطريق، فإذا هو بقافلة قد انتهت إليه ليلا، فقال بعضهم لبعض: اعدلوا بنا إلى هذه القرية فإن أمامنا رجلا يقطع الطريق، يقال له: الفضيل.
قال: فسمع الفضيل، فأرعد، فقال: يا قوم! أنا الفضيل، جوزوا، والله لأجتهدن أن لا أعصي الله أبدا، فرجع عما كان عليه. وروي من طريق أخرى أنه أضافهم تلك الليلة؟ وقال: أنتم آمنون من الفُضيل. وخرج يرتاد لهم علفا؛ ثم رجع فسمع قارئا يقرأ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16].
قال: بلى والله قد آن. فكان هذا مبتدأ توبته.
وذكر الحافظ ابن حجر سببا آخر للتوبة، فقال: قال الفضل بن موسى: كان الفضيل بن عياض شاطرا يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليا يتلو: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} فلما سمع قال: بلى يا رب قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها قافلة، فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت، قلت: أنا أسعى بالنيل في المعاصي، وقوم من المسلمين يخافونني ههنا، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع؟ اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام.
وقال إبراهيم بن الأشعث: سمعت فضيلاً ليلة وهو يقرأ سورة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبكي ويردد هذه الآية {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:31].
وجعل يقول: ونبلوا أخباركم، ويردد ويقول: وتبلوا أخبارنا،إن بلوت أخبارنا فضحتنا، وهتكت أستارنا، إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا.
وسمعته يقول: تزينت للناس وتصنعت لهم وتهيأت لهم، ولم تزل ترائي حتى عرفوك، فقالوا: رجل صالح، فقضوا لك الحوائج، ووسعوا لك في المجلس، وعظموك، خيبة لك، ما أسوأ حالك إن كان هذا شأنك. وسمعته يقول: إن قدرت أن لا تعرف فافعل؛ وما عليك أن لا تُعرف، وما عليك إن لم يُثن عليك، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت عند الله محمودا.
توبة فتاة في رمضان
أنا شابة عمري الآن 22 سنة، لقد كنت في السابق بنتا تعرف الله من حيث الصلاة وصلة الرحم وكيفية التعامل مع الناس بالطريقة المثلى، لكن اسمحوا لي بأن أكون صريحة معكم، لقد كنت أعرف طريق المعاكسات منذ أن كان عمري 15 سنة: "نعم أعرف أنه شيء محزن ومخزي للغاية، وبعدها استمرت حالتي من شاب إلى آخر ومن فتى إلى فتى، وهم يلعبون بي كالدمية في أيديهم، لكن الشرف الجسدي موجود، أما بالنسبة للشرف النفسي، للأسف كان ملطخا باليا.
واستمرت حالتي هذه إلي أن صار عمري 20 سنة، في ذلك اليوم الذي اعتزمت فيه أن لا أكلم الشباب مرة أخرى، لأني عرفت أن غرضهم التسلية فقط، لا الزواج.
فقلت لنفسي من اليوم لا للمعاكسات.
وفي يوم من الأيام كنت خارجة مع صديقتي "علما بأني كنت فتاة غير محجبة"، وهذه صديقتي أيضا غير محجبة، المهم وأنا مع صديقتي بالسيارة قلت لها هل سمعت الأغنية الفلانية إنها رائعة، فقالت لي: أنا لا أسمع الأغاني.
فقلت لها: لماذا؟ فقالت: إن الأغاني حرام، وكنت أعرف أنها حرام فسكت.
رجعت إلى البيت فقمت بإبعاد جميع أشرطة الأغاني،، وقلت لنفسي أنا أعلم أنها حرام إذا لماذا أسمعها، وصديقتي ليست أحسن مني فقلت: بما أنها حرام فلا للأغاني من اليوم وصاعدا وأشكرها الآن؛ لأنها أرشدتني لهذا الشيء.
وبعدها خففت الخروج وصرت لا أخرج من البيت إلا للضرورة، وهكذا استمرت حالتي إلى أن جاء رمضان، وعندما أتى رمضان سبحان ربي أحسست بفرحة غير طبيعية؛ لأن ربي امتن علي بالعيش إلى أن أحضر رمضان.
وفي أيام رمضان الأولى كنت أحس بضيق غير طبيعي ولا أعرف سبب هذا الحزن أو الضيق وكنت أذهب لصلاة التراويح وكنت أبكي في الصلاة وتقول صديقتي: ما بك؟ أقول لها: لا أعرف سبب حزني وضيق صدري.
وظلت حالتي هذه طوال الأسبوعين الأولين لرمضان.
وفي يوم من أيام رمضان كانت ليلة ممطرة وكان صلاة التراويح، وكنا نصلي بالخارج أي خارج المسجد وكان المطر ينزل ونحن نصلي، وفي صلاة الوتر إذا الإمام يدعو بدعاء هز كياني واقشعر منه شعر جسدي، وعندما انتهت الصلاة التفت على صديقتي وقلت لها سوف أتحجب..
وكان هذا القرار نهائيا، وقالت لي صديقتي أيضا أنها سوف تتحجب معي.
وبعدها ولله الحمد أقلعت عن جميع الذنوب والمعاصي التي كنت أعملها بالسابق، والتحقت بالدروس الدينية والندوات، لكي يكون الدين والإيمان يجري في عروقي جري الدم.
وهذه كانت قصة توبتي.
أتمنى منكم... الدعاء لي بالثبات.
وآخر دعائي اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك.
توبة امرأة عن التعرض للرجال وفتنتهم
كانت امرأة جميلة.. يفتن بها كل من رآها.. إلا من عصم الله تعالى.. نظرت يوما إلى وجهها في المرآة وقالت لزوجها: أترى أحدا يرى هذا الوجه ولا يفتن؟!.. كان عليه أن ينصحها.. ويأمرها بالتقوى والعفاف.. وينهاها عن المعاصي والغرور.. ولكنه كان رجلا لا غيرة له.. فلما سألته هذا السؤال قال: نعم.. هناك من ينظر إلى هذا الوجه الجميل .. والثغر الباسم.. والجسد الناعم ولا يفتن به.. قالت: من يكون؟ قال: عبيد بن عمير.. ذلك الشيخ التقي النقي.. فجن جنونها.. وتعجبت.. وكانت جريئة.. فقالت لزوجها: ائذن لي فلأفتننه.. سوف أجعله كغيره من الرجال.. ينسى عبادته.. ويلهث وراء الجمال والحسن والدلال.. هكذا أنتم جميعا يا معشر الرجال.. فقال زوجها: أذنت لك!!.. كيف يأذن لها أن تتكشف لرجل أجنبي؟! كيف يأذن لها أن تتكسر وتتغنج وتتمايل لتفتن عبدا من عباد الله وإماما من أئمة الهدى والصلاح.. ذهبت المرأة إلى عبيد بن عمير.. وكان في المسجد الحرام.. فأتته كالمستفتية.. فوقف معها في ناحية المسجد.. فنزعت الغطاء عن وجهها.. فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر.. فهل تأثر عبيد بن عمير؟.. قال لها: يا أمة الله استتري.. قالت: إني قد فتنت بك.. وليتأمل كل منا نفسه في هذا الموقف.. ماذا سيكون تصرفه حينما تأتي امرأة من أجمل النساء.. وتسفر له عن وجهها.. وتبذل نفسها له.. وتقول له: إني قد فتنت بك..
قال لها عبيد بن عمير: إني سائلك عن شيء.. إن أنت صدقتني نظرت في أمرك.. قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك.. قال: أخبريني.. لو أن ملك الموت أتاني ليقبض روحك.. أكان يسرك أن أقضي لك هذه الحاجة وأتابعك على ما تريدين؟
قالت: اللهم لا.. قال: صدقت..
قال: فلو دخلت قبرك.. وأجلست للمساءلة.. أكان يسرك أني تابعتك على ما أردتِ؟
قالت: اللهم لا. قال: صدقت.
قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم.. ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك.. أكان يسرك أني تابعتك؟
قالت: اللهم لا. قال: صدقت.
قال: فلو أردتِ الممر على الصراط.. ولا تدرين هل تنجين أو لا تنجين.. أكان يسرك أني تابعتك؟
قالت: اللهم لا. قال: صدقت.
ثم قال لها: اتقي الله.. قد أنعم الله عليك.. وأحسن إليك.. ثم تركها وذهب..
رجعت المرأة إلى نفسها.. ولامست كلمات عبيد بن عمير شغاف قلبها.. فندمت على ما فعلت.. ورجعت إلى بيتها!ا!!ة دائبة باكية.. فلما رآها زوجها قال لها: ما صنعت؟ قالت له: أنت بطال.. ونحن بطالون.. ثم أقبلت على الصلاة والصوم والعبادة.
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها *** من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار
من مفتش رياضي إلى دكتوراه في الشريعة
توبة الشيخ سعيد بن مسفر
من منا لا يعرف شيخنا "سعيد بن مسفر" حفظه الله؟! صاحب المحاضرات الرائعة، والأسلوب المؤثر البليغ.. لطالما وقف أمام الجماهير الغفيرة داعيا إلى الله تعالى.. ولعلو همته فقد التحق بكلية الشريعة على الرغم من تقدمه في السن واستقراره في الوظيفة، بل لقد شق طريقه هذا نائلا بعده شهادة الماجستير.. فالدكتوراه.. قارنا علمه بالعمل والدعوة.
ولعلك تعلم- أخي القارئ- كما أعلم أن الشيخ سعيد كان مفتشا رياضيا في يوم من الأيام. ولكنه لم يكن كما ينبغي أن يكون عليه المفتش الرياضي المسلم من الالتزام بالإسلام. فما الذي غيره؟! حسنا.. فلقد تساءل الناس كما تساءلنا..
ففي لقاء مبارك ميمون معه- حفظه الله ورعاه- طلب منه بعض الحاضرين أن يتحدث عن بداية هدايته، فقال:
حقيقة.. لكل هداية بداية.. ثم قال: بفطرتي كنت أؤمن بالله، وحينما كنت في سن الصغر أمارس العبادات كان ينتابني شيء من الضعف والتسويف على أمل أن أكبر وأن أبلغ مبلغ الرجال، فكنت أتساهل في فترات معينة بالصلاة، فإذا حضرت جنازة أو مقبرة، أو سمعت موعظة في مسجد ازدادت عندي نسبة الإيمان؛ فأحافظ على الصلاة فترة معينة مع السنن، ثم بعد أسبوع أو أسبوعين أترك السنن.. وبعد أسبوعين أترك الفريضة، حتى تأتي مناسبة أخرى تدفعني إلى أن أصلي.
وبعد أن بلغت مبلغ الرجال وسن الحلم لم أستفد من ذلك المبلغ شيئا، وإنما بقيت على وضعي في التمرد وعدم المحافظة على الصلاة بدقة؛ لأن من شب على شيء شاب عليه.
وتزوجت.. فكنت أصلي أحيانا وأترك أحيانا على الرغم من إيماني الفطري بالله.
حتى شاء الله تبارك وتعالى في مناسبة من المناسبات كنت فيها مع أخ لي في الله وهو الشيخ "سليمان بن محمد بن فايع " بارك الله فيه، وهذا كان في سنة 1387 هـ- نزلت من مكتبي- وأنا مفتش في التربية الرياضية- وكنت ألبس الزي الرياضي، والتقيت به على باب إدارة التعليم وهو نازل من قسم الشؤون المالية، فحييته لأنه كان زميل الدراسة، وبعد التحية أردت أن أودعه، فقال لي: إلى أين؟- وكان هذا في رمضان- فقلت له: إلى البيت لأنام.
وكنت في العادة أخرج من العمل، ثم أنام إلى المغرب، ولا أصلي العصر إلا إذا استيقظت قبل المغرب وأنا صائم.
فقال لي: لم يبق على صلاة العصر إلا قليلا، فما رأيك لو نتمشى قليلاً؟.
فوافقته على ذلك.. ومشينا على أقدامنا، وصعدنا إلى السد (سد وادي أبها)- ولم يكن آنذاك سدا- وكان هناك غدير وأشجار ورياحين طيبة، فجلسنا هناك حتى دخل وقت صلاة العصر وتوضأنا وصلينا ثم رجعنا، وفي الطريق ونحن عائدون.. ويده بيدي قرأ على حديثا كأنما أسمعه لأول مرة- وأنا قد سمعته من قبل لأنه حديث مشهور-.. لكن حينما كان يقرأه كان قلبي ينفتح له حتى كأني أسمعه لأول مرة.
هذا الحديث هو حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، الذي رواه أحمد في مسنده وأبو داود في سننه، قال البراء رضي الله عنه: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير، وفي يده عود ينكت في الأرض، فرفع رأسه فقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر" قالها مرتين أو ثلاثا- ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه.. " الحديث، فذكر الحديث بطوله من أوله إلى آخره، وانتهى من الحديث حينما دخلنا أبها، وهناك سنفترق حيث سيذهب كل واحد منا إلى بيته.
فقلت له: يا أخي، من أين أتيت بهذا الحديث؟ قال: هذا الحديث في كتاب رياض الصاحين. فقلت له: وأنت أي كتاب تقرأ؟. قال: أقرأ كتاب الكبائر للذهبي.
فودعته.. وذهبت مباشرة إلى المكتبة- ولم يكن في أبها آنذاك إلا مكتبة واحدة وهي مكتبة التوفيق- فاشتريت كتاب الكبائر وكتاب رياض الصالحين، وهذان الكتابان أول كتابين اقتنيتهما.
وفي الطريق وأنا متوجه إلى البيت قلت لنفسي: أنا الآن على مفترق الطرف وأمامي الآن طريقان:
الطريق الأول: طريق الإيمان الموصل إلى الجنة.
والطريق الثاني: طريق الكفر والنفاق والمعاصي الموصل إلى النار.
وأنا الآن أقف بينهما، فأي الطريقين أختار؟ العقل يأمرني بإتباع الطريق الأول. والنفس الأمارة بالسوء تأمرني بإتباع الطريق- الثاني. وتمنيني وتقول لي: ما زلت في ريعان الشباب، وباب التوبة مفتوح إلى يوم القيامة، فبإمكانك التوبة فيما بعد. هذه الأفكار والوساوس كانت تدور في ذهني وأنا في طريقي إلى البيت.
وصلت إلى البيت وأفطرت، وبعد صلاة المغرب صليت العشاء تلك الليلة وصلاة التراويح، ولم أذكر أني صليت التراويح كاملة إلا تلك الليلة.. وكنت قبلها أصلي ركعتين فقط ثم أنصرف، وأحيانا إذا رأيت أبي أصلي أربعا ثم أنصرف.. أما في تلك الليلة فقد صليت التراويح كاملة.
وانصرفت من الصلاة وتوجهت بعدها إلى الشيخ سليمان في بيته، فوجدته خارجا من المسجد، فذهبت معه إلى البيت، وقرأنا في تلك الليلة- في أول كتاب الكبائر- أربع كبائر: الكبيرة الأولى: الشرك بالله، والكبيرة الثانية: السحر، والكبيرة الثالثة: قتل النفس، والكبيرة الرابعة: كبيرة ترك الصلاة.
وانتهينا من القراءة قبل وقت السحور، فقلت لصاحبي: أين نحن من هذا الكلام؟
فقال: هذا موجود في كتب أهل العلم ونحن غافلون عنه.
فقلت: والناس أيضا في غفلة عنه، فلابد أن نقرأ عليهم هذا الكلام.
قال: ومن يقرأ؟ قلت له: أنت، قال: بل أنت.. واختلفنا من يقرأ، وأخيرا استقر الرأي علي أن أقر أنا.
فأتينا بدفتر وسجلنا فيه الكبيرة الرابعة: كبيرة ترك الصلاة. وفي الأسبوع نفسه، وفي يوم الجمعة وقفت في مسجد الخشع الأعلى الذي بجوار مركز الدعوة بأبها- ولم يكن في أبها غير هذا الجامع إلا الجامع الكبير- فوقفت فيه بعد صلاة الجمعة وقرأت على الناس هذه الموعظة المؤثرة التي كانت سببا- ولله الحمد- في هدايتي واستقامتي، وأسأل الله أن يثبتنا وإياكم على دينه إنه سميع مجيب.
توبة شاب مدمن
ولد عبد العزيز في مجتمع مسلم واكتحلت عيناه بنور الإسلام، ترعرع في بيت من بيوت المسلمين تسوده الألفة والمحبة.
انخرط في السلك الدراسي حتى تخرج في الجامعة والتحق بعدها بوظيفة محترمة ذات دخل جيد، وكان وقتها محل تقدير واحترام من الجميع.
عرض عليه ذات يوم السفر للفسحة والاستجمام، وشحن ذهنه وعقله بفوائد السفر والراحة والسعادة.. أخذ إجازة من عمله مدتها خمسة عشر يوما.
وما أن وضع رجله في تلك البلاد التي سافر إليها واستقر في أحد فنادقها حتى أتاه أحد شياطين الإنس قائلا له: إنك الآن متعب من عناء السفر.. إن الإجهاد والإرهاق واضح على محياك.. فقط كأس من هذا المشروب ينسيك جميع أتعابك وإجهادك.. سوف تمر بعدها بسعادة لم تمر عليك في حياتك قط.
ولما لهذا الكلام المعسول من تأثير.. ولحب الاستطلاع قال عبد العزيز هات الكأس.. احتسى عبد العزيز هذا الكأس.. وبعدها تبعه كؤوس.. وكؤوس.
نعم لقد تأثر أبلغ الأثر من هذا الكأس لقد ترك الصلاة وكان هو الإنسان المحافظ عليها.. وغفل عن ذكر الله.. ليته استفاد من ذلك الدرس.. وذلك الصداع والغثيان والقيء الذي باشره بعد أن استيقظ في منتصف النهار.. لقد كان الصداع يفجر رأسه.. وأصبح يلعن الخمرة ومن أحضرها.
لكن ذلك الشيطان. الذي استهواه بالأمس أتى ليهون عليه الأمر قائلا له لابد أن هذا الشراب لم يناسبك.. أجاب عبد العزيز: نعم إن رأسي يكاد ينفجر من شدة الألم والصداع.. فرد عليه.. هون عليه، هذه حبوب (السكنال) فيها الشفاء التام مما تجد.. لكنها ممنوعة لأنها!! ولأنها!! ما عليك إلا أن تدفع وأنا خادمك.. اطلب تجد.. اشتراها المسكين بعرق جبينه ولم يعلم ما سوف تجر عليه من المتاعب والمآسي والآلام.. والذل.. والعار.
لقد تعاطى عبد العزيز هذه السموم التي جلبت له الهم والشقاء.. وبعد فترة أحس أنه لا يستطيع أن يتخلى عنها مهما كلفه ذلك.. لقد قارب ذلك المبلغ الكبير الذي يملكه والذي جمعه في سنين.. قارب على الانتهاء في أيام قليلة.. الإجازة التي أخذها قد انتهت وقضى عليها بضعة عشر يوما.. ومع ذلك فهو يقابل كل هذه الأمور بلا مبالاة ولا إحساس. لقد أتاه ذلك الرجل (البياع) ذات يوم وقد طلب منه عبد العزيز كمية من المخدر مهما كان المبلغ المطلوب شريطة أدن ينتظر حتى تأتي الحوالة التي طلبها عبد العزيز من أهله.. ولكن ذلك المجرم كشر عن أنيابه.. قائلا له.. هل أنت مجنون.. تريد أن أعطيك بلا ثمن.. ونظر إلى عبد العزيز وكان في يده ساعة ثمينة فأخذها منه بنصف قيمتها مقابل كمية من المخدر وبينما هو على هذه الحالة في تلك البلاد إذا ببرقية من أهله تخبره بأنه قد فصل من العمل بسبب غيابه.
أفاق عبد العزيز من هول الصدمة.. التي كانت كالصاعقة عليه وأسرع بالرجوع إلى بلده وهو يجر أذيال الفقر والذل والضياع.
عاد إلى أهله وكادوا أن لا يعرفوه.. لقد غابت الابتسامة عن وجهه وتبدلت إلى هزال وشقاء واكتئاب.. بعدها انطوى عبد العزيز على نفسه.. ولم يعد ذلك الشاب الاجتماعي الذي يحب المرح؛ بل لقد ترك الصلاة منذ حين.
سياط النصائح تلهبه ولكن تأثير المخدرات أنهك جسده وحطم عقله.. وأمست هي كل شيء بالنسبة إليه. لقد أصبحت حياته جحيما لا يطاق ولم يعلم الكثير ممن حوله ماذا أصابه.. أحس بأنه عبء ثقيل على أهله.
عزم على أن يبحث عن عمل يسترزق منه.. فاستدان مبلغا من المال ورحل إلى مدينة أخرى ليغيب عن أنظار من يعرفه.. ومن يرثى لحاله ويترحم عليه.. وليغيب عمن يشمت به.. ويسخر منه.
سافر إلى مدينة أخرى من مدن بلده عله يصلح من حاله ولكنه لم يستطع أن يتغلب على تأثير المخدر في جسده وفي هذه المدينة التقى بمن قاده مرة أخرى إلى هذه السموم.. بينما هو على هذه الحال إذا به في أحد الأيام وقد تناول ما أفقده صوابه ولم يفق إلا وهو بين جدران أربعة.. قد. قبض عليه رجال مكافحة المخدرات.. بعدها اعتصره الألم وتخلى عنه القريب قبل البعيد.. وأصبح يجرجر الآلام والأحزان والقلق والحيرة والندم.. وكأنه يصارع سكرات الموت وشدته.. أحس بالاختناق وانفجر في أعماقه بركان هائل من الألم والأسى.. حكم عليه بالسجن لمدة سنتين.. كان كل يوم منها سنة كاملة.
وفي أحد الأيام التعيسة على عبد العزيز داخل أسوار الوحدة والغربة دخل أحد المرشدين إلى الجناح الذي يقضي فيه عبد العزيز مدة حكمه فأخذ يذكر النزلاء بالله تعالى وبضرورة التوبة والرجوع إلى الله وأن الله تعالى قد فتح بابه للتائبين في جميع الأوقات.. وأن السعادة والراحة والطمأنينة في الرجوع إلى الله.. وفي أثناء هذا الكلام كان عبد العزيز أذنا صاغية لكل ما يقال وبدأت تنفتح أسارير وجهه بعدها أخذ المرشد يتلو شيئا من سورة الفرقان { تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً.......}إلى آخر السورة ثم أخذ يوضح شيئا من تفسيرها. ففتح الله قلب عبد العزيز لهذه الكلمات وقام بعدها وهو يقول: الحمد لله الذي أبقاني على قيد الحياة حتى أتوب.. بعد ذلك تطهر ولبس ثيابا طاهرة وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ودعا للمرشد بخير.. وحافظ بعدها على الصلوات الخمس مع الجماعة في أوقاتها في السجن.. وتحسنت حاله..
يقول عبد العزيز: لقد فكرت فيما بعد بالموت فأشفقت من النهاية وخفت من سوء المصير فلجأت إلى الله أطرق أبوابه في ذل وندم أطلب منه الصفح والعفو والغفران.. أسأله التوبة النصوح.. أغسل الذنوب بالدموع.. أبحث عن هدوء النفس وراحة الضمير لهذا لجأت إلى الله.
لقد التحق عبد العزيز بدروس حفظ القرآن الكريم في السجن واستطاع أن يحفظ أحد عشر جزءا في سنة. نسأل الله له الثبات.
يقول عبد العزيز: إنني أشعر بالسعادة والطمأنينة وراحة الضمير بعد رجوعي إلى الله رغم أني في السجن.. لقد أيقنت أن الحياة جحيم لا يطاق بدون منهج الله مهما ملك الإنسان من منصب وجاه ومال وسلطان. إن الحياة السعيدة هي التي تكون على منهج الله ولو كانت في السجن ولو كانت خلف القضبان.
إني أحذر من الوقوع فيما حرم الله وخصوصا تعاطي المخدرات.. فكم من الويلات فيها.
أنصح كل صاحب معصية أو مصيبة أو مشكلة بالرجوع إلى الله، كما أنصح بمصاحبة أهل الخير والجلوس معهم والابتعاد عن أهل السوء والفسق والمعاصي.
أسأل الله التوفيق والسداد وصلى الله على نبينا محمد .
توبة فتاة عن العقوق والعصيان
كان الشيطان يزين لي سوء عملي.. حبَّبَ إليَّ المعاصي.. جعلي أعشق الغناء ولا شيء سواه.. زين لي العقوق والعصيان..
لقد أصبح في أذني حاجز منيع من سماع النصائح، وعلى قلبي قفل محكم الغلق فلا أتدبر ولا أتفكر في آيات الله وخلقه..
ونفخ الشيطان في رأسي، فأصبح غروري وكبريائي يمنحاني من الاختلاط مع الأخريات إلا بمن على شاكلتي من شياطين الإنس، تركت الدراسة لعامين متتاليين بعد أن أخفقت فيهما..
لقد كان هدفي من المدرسة هدفا تافها لا يرضى الله سبحانه وتعالى، فلم تكن المدرسة سوى سوق لتبادل الأشرطة والصور، ولأعرض ما بحوزتي من الأزياء والموديلات..
كانت هذه حياتي.. ولكن الله الرحيم بعباده أنجاني حيث أصرت إحدى الأخوات الملتزمات على الاتصال بي، واستطاعت بحول الله التأثير علي بعد عدة محاولات..
خرجت من حياة الضياع والضلال إلى حياة جدية، جعلت رضا الله تعالى ثم والدتي هدفي الأسمى الذي أسعى لتحقيقه، وعدت لمقاعد الدراسة أنهل من بحور المعرفة والعلم، وأنا أتمسك بالحجاب والفضيلة. وأعيش حلاوة الإيمان والتوبة بعد نبذ التبرج والأغاني.. لقد عشت في ظل السعادة الحقيقية بمسح دموع اليتامى والثكالى، وأحاول أن أرسم ابتسامة على شفاه المحزونين.. إنهما حلاوة الرحمة والحنان والحق.
توبة زاذان الكندي
روِي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه مر ذات يوم في موضع من نواحي الكوفة، فإذا فتيان فشاق قد اجتمعوا يشربون، وفيهم مغن، يقال له: زاذان، يضرب ويغني، وكان له صوت حسن.
فلما سمع ذلك عبد الله، قال: ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله. وجعل الرداء على رأسه ومضى.
فسمع زاذان قوله، فقال: من كان هذا؟ قالوا: عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وأي شيء قال؟ قالوا: إنه قال: ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله تعالى.
فقام وضرب بالعودة على الأرض فكسره، ثم أسرع فأدركه، وجعل المنديل في عنق نفسه، وجعل يبكي بين يدي عبد الله بن مسعود، فاعتنقه عبد الله بن مسعود، وجعل يبكي كل واحد منهما.
ثم قال عبد الله: كيف لا أحبّ من قد أحبه الله- عز وجل-، فتاب إلى الله- عز وجل- من ذنوبه.
ولازم عبد الله بن مسعود حتى تعلم القرآن، وأخذ حظا من العلم حتى صار إماما في العلم، وروى عن عبد الله بن مسعود وسلمان وغيرهما.
توبة أخوين عن التدخين
يقول أحمد بادويلان:
بدأت رحلتي المؤسفة مع التدخين قبل عشرين سنة حينما كنت طالبا في المرحلة المتوسطة وفي أيام الامتحانات، حيث كنت أجتمع أنا وبعض زملائي في سطح منزلنا، لمذاكرة الدروس، فانضم إلينا أحد أصدقاء السوء ممن ابتلوا بالتدخين، وحتى يستطيع أن يدخن دون أن نوبخه ونلومه سعى إلى جرنا معه إلى شرب الدخان، فقال لنا: إن التدخين يساعد على التركيز والفهم، وإنه جرب ذلك، وطلب منا أن نخوض التجربة، وإذا لم تحقق نتيجة نترك التدخين، فخضنا التجربة، وأشعلت مع زملائي السيجارة الأولى، فشعرت أن رأسي أصبح أثقل من جسدي، وأن الأشياء حولي تدور، وبدأ الفتور يدب في جسدي، فقلت لصديق السوء: ما الذي أشعر به؟ فقال لي: هذه أول سيجارة، وطبيعي ما حصل لك، اشرب الثانية، وسيذهب منك الفتور والدوار، وشربت الثانية والثالثة والرابعة، وذهبت لأول مرة إلى البقالة واشتريت أول علبة دخان من أردأ الأنواع وأكثرها ضررا؛ لأنها رخيصة الثمن.
وهكذا أصبحت أخصص كل ريال أحصل عليه لأشتري الدخان
حتى غدوت أشرب عشرين سيجارة في اليوم الواحد، ولا أخفيكم سرا إذا قلت: إن عدم التوفيق في تركه سببه أنني كلما فكرت في تركه كون الدوافع لتركه إما من أجل نظرة المجتمع للمدخن، وإما من أجل صحتي وإما من أجل توفير المال.. ولم أفكر في تجاربي الفاشلة أن أتركه لله، مستعينا به، ومتوكلا عليه كما حدث في تجربتي الناجحة التي سأوردها لاحقا.
قبل الهداية:
قبل أن يهديني الله ذو الفضل والمنة إلى ترك التدخين تحولت إلى مدخنة بشرية متحركة، أشرب الدخان بشراهة حتى أصبحت أدخن أربع علب يوميا، أي ثمانين سيجارة، وحتى أصبح الجمر متقدا في فمي منذ الاستيقاظ صباحا وحتى أنام، بل أحيانا أقوم من نومي لأشعل سيجارة، وأعود إلى النوم مرة أخرى.
أما الغرفة التي أجلس فيها سواء في العمل أو البيت أو عند الأصدقاء فيغلفها ضباب كثيف من الدخان عندما أكون موجودا بها يعتريني فتور دائم، وكسل، بلغم أسود، وكحة مستمرة، لا ينفع معها العلاج.. وشفتان سوداوان، وعينان حمراوان، ووجه عبوس.. المكان الذي لا أستطيع أن أدخن فيه لأي سبب أغادره فورا، وأتعجل في أداء الصلوات حتى أعود للسيجارة.
في رمضان يكون الفطور على التبغ قبل التمر أحيانا.. خطوات ثقيلة عند السير، وريق ناشف.. أشرب الشاي والماء بكثرة ولهفة.. حالة يرثى لها لا تفرح عدوَّا ولا صديقا، سدَّت أمام وجهي كل الطرق لتركه بعد المحاولات العديدة التي فشلت فيها حتى وصلت إلى قناعة بألا أحاول مرة أخرى تركه، فقد بلغ اليأس والقنوط مبلغهما مني، حتى إنني أصبحت أتخيل أنني سأموت وفي فمي سيجارة.
اللحظة الحاسمة:
قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]. وقال تعالى:{مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً} [الكهف: 17].
ففي إحدى الليالي المباركة من العشر الأخيرة من شهر رمضان عام 1412 هـ كنت أصلي القيام أنا وأخي- الذي يدخن مثلي- في أحد مساجد حي الناصرية بالرياض، وبعد التسليمة الثانية يستريح عادة القائمون قليلا، لشرب الماء أو القهوة والشاي قبل مواصلة قيامهم، فسولت لي نفسي أن أخرج من المسجد لأشرب سيجارة، ثم أعود لمواصلة الصلاة، وأوحيت لأخي بما سولت به نفسي الأمارة بالسوء لي، فما كان منه إلا أن قال لي: ما رأيك بدلا من الذهاب إلى شرب سيجارة أن ندعو الله أن يعيننا على تركه، وأن نترك الدخان لله، وخوفا من عقابه، وطمعا في رحمته، وأن نجتهد في الدعاء حتى نهاية القيام سائلين الله ألا يردنا خائبين هذه الليلة، وأن يكرمنا بالهداية..
فوقعت كلماته من نفسي موقعا حسنا ووجدت أذنا صاغية، وواصلنا القيام، وبعد نهايته أخرجت أنا وأخي ما تبقى من سجائر من جيوبنا وحطمناها أمام المسجد، وتعاهدنا ألا نشرب الدخان من تلك الليلة المباركة، وأن يعين كل منا الآخر على تركه كلما ضعف وسولت له نفسه العودة إليه.
والحمد لله كانت لحظة حاسمة في حياتنا لم نعد بعدها إلى التدخين بحمد الله وتوفيقه، والآن أصبح لي أنا وأخي أكثر من سنتين لم نشعل فيهما سيجارة واحدة، وعاد الصفاء إلى وجهينا، ودعنا أمراض الصدر والبلغم والكحة، وانتهت- بالنسبة لي- رحلة عذاب عمرها عشرون سنة، وفرح الأهل والأصدقاء بما صنعناه.. والحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات.
توبة فتاة في السكن الجامعي
ما أتعس الإنسان حينما يعيش في هذه الحياة بلا هدف!! وما أشقاه حين يكون كالبهيمة لا هم له إلا أن يأكل ويشرب وينام دون أن يدرك سر وجوده في هذه الحياة، لقد كان هذا هو حالي قبل أن يمن الله علي بالهداية. لقد عشت منذ نعومة أظفاري في بيت متدين وبين أبوين ملتزمين كانا هما الوحيدين الملتزمين من سائر الأقارب والمعارف، وكان بعض الأقارب يلومون والدي- رحمه الله- لأنه لا يدخل بيته المجلات الهابطة وآلات اللهو والفساد وينعتونه بالمتزمت والمعقد، ولكنه لم يكن يبالي بأقوالهم.
أما أنا فكنت بخلاف ذلك كنت مسلمة بالوراثة فقط، بل كنت أكره الدين وأهله، وأكره الصلاة، وطوال أيام حياتي في المرحلة المتوسطة والثانوية لم أكن أركع لله ركعة واحدة وإذا سألني والدي هل صليت أقول نعم كذبا ونفاقا، ولقد كان لرفيقات السوء دور كبير في فسادي وانحرافي حيث كن يوفرن لي كل ما أطلبه من مجلات هابطة وأغاني ماجنة وأشرطة خليعة دون علم والدي.
أما اللباس فكنت لا ألبس إلا القصير أو الضيق وكنت أتساهل بالحجاب وأتضايق منه؛ لأنني لم أكن أدرك الحكمة من مشروعيته.
ومضت الأيام وأنا على هذه الحال إلى أن تخرجت في المرحلة الثانوية واضطررت بعد السفر إلى مغادرة القرية التي كنا نسكن فيها لإكمال الدراسة الجامعية، وفي السكن الجامعي تعرفت على صديقات أخريات فكن يشجعنني على ما كنت عليه من المعاصي، ومن جهة أخرى كان هناك بعض الأخوات الملتزمات كن دائما يقدمن لي النصيحة إلا أنهم لم يوفقن في نصحي بالحكمة والموعظة الحسنة فكنت أزداد عنادا وإصرارا وبعدا.
ولما أراد الله لي الهداية وفقني في الانتقال إلى غرفة أخرى في السكن، ومن توفيق الله سبحانه أن رفيقاتي هذه المرة كن من الأخوات المؤمنات الطيبات، وكن على خلق عظيم وأدب جم وأسلوب حسن في النصيحة والدعوة، فكن يقدمن لي النصيحة بطريقة جذابة وأسلوب مرح، وطوال إقامتي معهن لم أسمع منهن تافها أو كلاماً قبيحا بل كن يتبسمن لي ويقدمن لي كل ما أحتاجه من مساعدة وإذا رأينني أستمع إلى الموسيقى والغناء كن يظهرن لي انزعاجهن من ذلك ويخرجن من الغرفة دون أن يقلن لي شيئا فأشعر بالإحراج والخجل مما فعلت، وإذا عدن من الصلاة في مصلى السكن كن يتفقدنني في الغرفة ويبدين قلقهن لعدم حضوري الصلاة فأشعر في قرارة نفسي أيضا بالخجل والندم، فأنا لا أحافظ على الصلاة أصلا حتى أصليها جماعة.
وفي أحد الأيام أخذت دوري في الإشراف على الوحدة السكنية وبينما أنا جالسة على مكتبي أستمع إلى أغنية في التلفاز وقد ارتفع صوت الغناء جاءتني إحدى رفيقاتي في الغرفة وقالت: ما هذا؟ لما لا تخفضي الصوت إنك الآن في موقع المسؤولية فينبغي أن تكوني قدوة لغيرك. فصارحتها بأني أستمع إلى الأغاني وأحبها فنظرت إلى تلك الأخت وقالت: لا يا أختي هذا خطأ وعليك أن تختاري إما طريق الخير وأهله أو طريق الشر وأهله، ولا يمكنك أن تسيري في طريقين في آن واحد.
عندما أفقت من غفلتي وراجعت نفسي وبدأت أستعرض في مخيلتي تلك النماذج الحية المخلصة التي تطبق الإسلام وتسعى جاهدة إلى نشره بوسائل وأساليب محببة، تبت إلى الله وأعلنت توبتي وعدت إلى رشدي، وأنا الآن ولله الحمد من الداعيات إلى الله ألقى الدروس والمحاضرات، وأؤكد على وجوب الدعوة وأهمية سلوك الداعية في مواجهة الناس، كما أحذر جميع أخواتي من قرينات السوء والله الموفق.
توبة فتى عن التخنث
عن رجاء بن ميسور المجاشعي، قال:
كنا في مجلس صالح المزي وهو يتكلم. فقال لفتى بين يديه:
اقرأ يا فتى، فقرأ الفتى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18]، فقطع صالح عليه القراءة، وقال: كيف يكون لظالم حميم أو شفيع، والمطالب له رب العالمين؟ إنك والله لو رأيت الظالمين وأهل المعاصي يساقون في السلاسل والأنكال إلى الجحيم، حفاة عراة، مسودة وجوههم، مزرقة عيونهم، ذائبة أجسادهم، ينادون: يا ويلنا. يا ثبورنا، ماذا نزل بنا؟ ماذا حل بنا؟ أين يذهب بنا؟ ماذا يزاد متا؟ والملائكة تسوقهم بمقامع النيران، فمرة يجزون على وجوههم ويسحبون عليهما منكبين، ومرة يقادون إليها مقرنين، من بين باك دما بعد انقطاع الدموع، ومن بين صارخ طائر القلب مبهوت، إنك والله لو رأيتهم على ذلك لرأيت منظرا لا يقوم له بصرك، ولا يثبت له قلبك، ولا تستقر لفظاعة هول على قرار قدمك.
ثم نحب، وصاح: يا سوء منظراه، يا سوء منقلباه، وبكى وبكى الناس.
فقام فتى من الأزد كان به تأنيث، فقال: أكل هذا في القيامة يا أبا بشر؟
قال: نعم والله يا ابن أخي، وما هو أكثر؛ لقد بلغني أنهم يصرخون في النار حتى تنقطع أصواتهم، فما يبقى منهم إلا كهيئة الأنين من المدنِف.
فصاح الفتى: إنا لله! واغفلتاه عن نفسي أيام الحياة، واأسفا على تفريطي في طاعتك يا سيداه، واأسفا على تضييعي عمري في دار الدنيا، ثم بكى؛ واستقبل القبلة، فقال: اللهم إني أستقبلك في يومي هذا بتوبة لا يخالطها رياء لغيرك؛ اللهم! فاقبلني على ما كان في، واعف عما تقدم من فعلي، وأقلني عثرتي، وارحمني ومن حضرني، وتفضل علينا بجودك وكرمك، يا أرحم الراحمين، لذ ألقيت معاقد الآثام من عنقي، وإليك أنبت بجميع جوارحي، صادقا لذلك قلبي، فالويل لي إن لم تقبلني.
ثم غلب فسقط مغشيا عليه، فحمل من بين القوم صريعا، فمكث صالح وإخوته يعودونه أياما، ثم مات- والحمد لله- فحضره خلق كثير يبكون عليه، ويدعون له.
فكان صالح كثيرا ما يذكره في مجلسه فيقول: بأبي قتيل القرآن، وبأبي قتيل المواعظ والأحزان.
قال: فرآه رجل في منامه، قال: ما صنعت؟ قال: عمتني بركة مجلس صالح، فدخلت في سعة رحمة الله التي وسعت كل شيء.
توبة فتاة من استماع الغناء
كتبت التائبة:
كنت شديدة الحب والإعجاب بأحد الفنانين المغنين وكنت دائمة السماع لأغانيه، لا أستطيع القيام بأي مهمة إلا على نغمات صوته، حتى حال ذلك بيني وبين القيام بالأعمال المنزلية العادية، كالطبخ والغسيل وغيرهما.
وكثيرا ما أسهر الليالي من أجل استماع أغانيه من خلال الإذاعات المختلفة، وزيادة على ذلك أقوم بجمع صوره من كل جريدة أو مجلة وأكتب اسمه على كل كتاب أو دفتر أو جدار من شدة شغفي به، ومن غفلتي أنني إذا رأيته في المنام قمت بتسجيل ذلك الحلم السخيف في ورقة واحتفظت بها لئلا أنسى ذلك الحلم!!
وكم مرة أجهشت في البكاء عندما يتعرض ذلك الفنان لإهانة أو تحقير من أحد من الناس، أما حرمة الله فلا يهمني انتهاكها!!
وكنت في غفلتي لاهية، ولعذاب ربي ناسية!! حتى جاءت اللحظة الحاسمة في حياتي، وذلك عندما ألقت إحدى المعلمات الفاضلات في مدرستنا محاضرة عن عذاب المغنين والمغنيات، ومن يستمع للغناء!
فأصابت جسمي قشعريرة، وخفت خوفا شديدا، ولم أتمالك نفسي حين عودتي إلى منزلي، فقمت بتحطيم أشرطة الغناء دون إصغاء لداعي الشيطان، وكانت تلك المحاضرة سببا في العودة إلى الله وتطهيرا لقلبي من رجس الغناء.
وأحمد ربي أن خلصني من ذلك الذنب الأثيم، وأدعو الله أن يهدي الفنانين وغيرهم أجمعين.
توبة شاب على يد رجل من أهل الحسبة
قال راوي القصة:
أمام تلك المرآة القابعة في الزاوية الشرقية من غرفتي كنت أسرح شعري في أصيل يوم قائظ.. وكانت نغمات الموسيقى تملأ الجو صخبا وضجيجا.. وفجأة خفق قلبي خفقانا شديدا لم أعرف سببه. اتجهت إلى المسجل وأسكت تلك الموسيقى الغربية وذلك الضجيج الذي لا أفهم منه شيئا.. وزاد قلبي خفقانا.. اتجهت إلى النافذة لأستنشق الهواء، إلا أنني أحسست بشعور غريب لا أعلم كنهه ولا أدرك سببه! فما هي أول مرة أستعد هذا الاستعداد..، ث