بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ك. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام
في كتابٍ لمعاويةَ حَيْثُ احتجَّ بشورى عُمَرَ لِفَصْلِ الشام عَن الدولَةِ الإسلاميَّةِ حَيْثُ اتَّفَقَ مَعَ الروم عَلَى ذَلِكَ مُنْذُ عَهْدِ عُمَر الَّذي ولاَّه عَلَيْهَا عشرين سَنَةً هُوَ وعثمان. قَالَ عَلَيْهِ السَّلام:
وَإنَّمَا الشُّورَى للمهاجِرينَ والأنْصَارِ فَإِنْ اجْتَمَعوا عَلَى رَجُلٍ وسمُّوه إمَامَاً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رضىً فإنْ خَرَجَ عَن أَمْرِهِم خَارِجٌ بِطَعْنٍ أو بِدْعَةٍ رَدُّوه إلى مَا خَرَجَ مِنْهُ فإِنْ أَبَى قَاتَلوه عَلَى إتِّبَاعِهِ غَيرِ سَبيلِ المؤمنين
النهج باب الكتب رقم/ 245
استَشْهَدَ الأفَّاكُ بِهَذا النصِّ للزَعْمِ بِأنَّ أميرَ المؤمنين يُؤْمِنُ بالشورى ولا يُؤْمِنُ بالوَصيَّةِ. وَلَمْ يُشِرْ إلى أنَّ هَذا الكلامَ هُوَ في كِتَابٍ مُوَجَّهٍ لمعاويَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أنَّ معاويَةَ أَنْكَرَ الوَصِيَّة والإمامَةَ واحتجَّ بالشورى!.
وَذَلِكَ لكي لا ينتَبِهَ القارئُ إلى أنَّ كلامَهُ عَلَيْهِ السَّلام هُوَ للمُحَاجَجَةِ مَعَ المُنْكِرينَ للوصيَّةِ، فَأَسقَطَ حجَّتَهم بالشورى أَيْضَاً!.
أيْ أنَّ أميرَ المؤمنينَ يقولُ لمعاويَةَ: (إذا كُنْتَ تؤمِنُ بالشورى ـ والكلامُ نَفْسُهُ موجَّهٌٌ للأفَّاكِ شقيقِ معاويَةَ البغي والعُدوانِ وإلى كُلِّ مَنْ هُوَ عَلَى شاكلتِهِما ـ فإنَّ الشُّورَى خاصَّةً بالمُهَاجرينَ والأنصارِ، فَأَنْتَ إِذَنْ خارجٌ عَنْهَا)!
فَقَولُهُ عَلَيْهِ السَّلام: (فَإِنْ اجْتَمَعوا عَلَى رَجُلٍ وسمُّوه إمَامَاً كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ رضىً) هُوَ كلامٌ حقٌّ يَحْمِلُ تكفيرَ عُمَرٍ واضِعِ الشُّورَى لا تبريرَ الشُّورَى!
ذَلِكَ لأنَّ عُمَرَ استَعْمَلَ المَعْنَى القرآنيَّ لآيَةِ الشُّورَى وطَبَّقَ من الواقِعِ خِلافَهُ وعكْسَهُ.
أولاً: إنَّ عُمَرَ أَخَذَ الخلافَةَ من الأوَّلِ بلا شُورَى. فإذا كَانَتْ الشُّورَى هِيَ نظامُ الحُكْمِ في القرآنِ فولايتُهُ إِذَنْ باطلَةٌ!
وثانياً: انظُرْ إلى شُورَى عُمَرَ.. فإنَّ شُورَى عُمَرَ فِيْهَا سِتَّةُ أشخاصٍ فقط، بَيْنَمَا المهاجرون والأنصارُ هم بالمئاتِ إنْ لَمْ يَكُونُوا إلوفاً.
فَمَنْ هُوَ الَّذي استَبَدَّ برأيِّ الأمَّةِ أولاً أيُّها الأحمَقُ؟
إِذْ لَمْ يجتَمِعْ المهاجرونَ والأنصارُ كلُّهُم عَلَى رَجُلٍ ويسمُّونَهُ إمَامَاً.. فَلَو فَعَلَوا لكانَ هَذا الإمامُ هُوَ رضا اللهِ بالطبعِ سواء أَكَانَ اسْمُهُ علياً أو زيداً أو غَيْرَ ذَلِكَ!
لكنَّ هَذا مُحالٌ!!
لأنَّ اجتماعَهُم عَلَى رَجُلٍ واحِدٍ هُوَ ضَرْبٌ مِنَ المُحَالِ قَطْعَاً.
فإذا افْتَرَضْنَا أنَّهُم أَرادوا أنْ يجتمِعُوا عَلَى رَجُلٍ هُوَ غَيْرِ المنْصوصٍ عَلَيْهِ، فَلَنْ يَتَحَقَّقَ لَهُم هَذا الاجتماعُ، وَذَلِكَ لِبَقَاءِ المَنْصوصِ عَلَيْهِ خَارِجَ هَذا الاجتماعِ!، إِذْ يُحْتَمَلُ أنْ يِضِلَّ الخَلْقُ كلَّهُم وَلكنَّ المعصومَ لا يَضِلُّ قط.
وَلِذَلِكَ قَالَ النبيُّ (ص):
(لا تجتمِعُ أُمَّتي عَلَى ضَلالٍ)
وَذَلِكَ لوجودِ الحُجَّةِ ومَنْ تابَعَهُ.. وَمعْنَى ذَلِكَ لَو فَهِمْتَ: إنَّ الانحرافَ والضَّلالَ آتيانِ لا محالةَ. ورسولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) يُشيرُ إلى كُلِّ مُكَلَّفٍ لِيَبْحَثَ عَنِ الحَقِّ في هَذا الضَّلالِ لأنَّهُ لا بُـدَّ من بقاءٍ لنورِ الله في الأَرْضِ ولا بُـدَّ من وجودِ من لا يَضِلُّ من أمَّتِهِ.
وَهَذِهِ الكَلِمَةُ الجامِعَةُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلام هِيَ للمَنْعِ من الردَّةِ.
ألا تَرَاه في النصِّ يقولُ (إذا اجْتَمَعوا) ـ وَهَذا الشَّرْطُ مُحالٌ.. فَإِنَّهُم لَنْ يجتمِعُوا قط عَلَى غَيْرِ المعصومِ.
فإذا قُلْتَ: (فَإِنَّهُم أَيْضَاً لا يجتمعونَ عَلَى المعصومِ (صاحِبِ الوَصِيَّةِ) ومُحَالُهُ مِثْلُ مُحَالِ الأوَّلِ!
أقول: (إِذَنْ فَأَنْتَ لَمْ تَفْهَم إلى الآنَ لُغَةَ المعصومِ!. فالمعصومُ لا يَنْطِقُ عَن الهوى ولَفُظُهُ هُوَ لَفْظٌ مُنْتَزَعٌ من القرآنِ. إِذْ (المهاجرون والأنصارُ) هُمْ عَلَى المَعْنَى القرآنيِّ في النصِّ لا عَلَى المَعْنَى الذهنيِّ الَّذي عندك!، لأنَّ الَّذي عندك هُوَ أسماءٌ فِيْهَا مِنْ بَيْنِ مَا فِيْهَا المنافقون. وهؤلاءِ ليسوا عِنْدَ اللهِ من المهاجرينَ وإنْ هاجروا، وليسوا عِنْدَ الله من الأنصارِ وإنْ كانوا مَعَهُم).
فإن قلت: (وكَيفَ يُعرَفُ هَذا؟)
فالجوابُ: (هُنَا تَكْمِنُ المُحَاجَجَةُ. فالإمامُ عَلَيْهِ السَّلام يريدُ أَنْ يبيِّنَ أنَّ الشُّورَى هِيَ بِهَذا المَعْنَى المحصورِ بَيْنَ (المؤمنينَ) لا بَيْنَ (الَّذينَ آمنوا). إنَّهَا اختيارُ اللهِ لا اختيارُ الخَلْقِ. فالخَلْقُ لا يتَّفقونَ في كُلِّ الأحوالِ. والاجتماعُ ممكِنٌ ولَهُ مَعْنَى بِهَذا الحَدِّ. فإذا خَرَجَ عَنْ هَذا الحَدِّ أصبَحَ مُحالاً).
فَهْوَ عَلَيْهِ السَّلام يَحْتَجُّ بالمُحَالِ لإثباتِ الوَصِيَّةِ لا لتبريرِ الشُّورَى.
وَلكنَّ معاويَةَ حَيْثُ لا يَزْعَمُ باستغراقِ الشُّورَى للأفرادِ فَرْداً فَرْداً، وَإنَّمَا هِيَ بنظَرِهِ مقصورةٌ عَلَى الزعاماتِ القبليَّةِ لعقليَّتِهِ الرجعيَّةِ وجاهليَّتِهِ المُسْتَحْكَمَةِ فِيهِ فإنَّ إسقاطَ حجَّتَهُ قَدْ تَمَّ بِهَذا، لأنَّ بيعَةَ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام لَمْ تَكُنْ من جانِبِ الزعاماتِ فقط، وَإنَّمَا من مجموعِ المهاجرين والأنصارِ وعامَّةِ الناسِ بِمَنْ فيهم النساء والصبيان. وَهْيَ البيعَةُ الوحيدَةُ الَّتي تَمَّتْ بِهَذِهِ الصورَةِ عَلَى مرِّ التاريخِ الإسلامي. وَهْوَ الوحيدُ الَّذي انْفَرَدَ بِهَذِهِ البيعَةِ دونَ سائِرِ الخَلْقِ الَّذينَ حَكَموا المُسلِمين.
وَحَتَّى الَّذينَ لا يرغبونَ فِيهِ ويَبْغضونَهُ بايعوه طَوعَاً ثُمَّ نكثوا وادَّعو أنَّهُم بايعوا باللسانِ دونَ القَلْبِ! فتأمّل!
وهؤلاءِ وأمثالُهُم قَدْ شَهِدوا عَلَى أنفسِهِم بالنفاقِ من غَيْرِ أنْ ينتبهوا، ذَلِكَ لأنَّ منادي عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام قَدْ نادى أنْ لا إكراهَ في البيعَةِ فَمَنْ شَاءَ أنْ لا يُبايعَ فَلا تثريبَ عَلَيْهِ. وقَدْ فَعَلَ هَذا أملاً بأنْ يُحاججَهم فيما بَعْدُ بالحُسنى.
فانظُرْ أخي القارئ كيف هُوَ صِدْقُ النبي ِّمُحَمَّدٍ الصادِقِ الأمين ِصلى الله عَلَيْهِ وآله وسلم حِينَمَا يقولُ:
(عليٌّ مَعَ الحَقِّ والحَقُّ مَعَ عليٍّ يَدورُ مَعَهُ حَيْثمَا دَار)
ل. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام
وَأَعْجَبَاهُ أَتَكونُ الخِلافَةُ بالصَّحَابَةِ وَالقَرَابَةِ؟
تصنيف النهج/ 84/ ص 260
هَكذا يَسْتَهْجِنُ الإمامُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام كافَّةَ القِيَمِ الجاهليَّةِ والرجعيَّةِ.
فَلا الصحبَةُ ولا القُرْبى تشكِّلُ عندَهُ مُسْتَنَداً للخِلافَةِ.. فَمَا أَكْثَرُ الأصحابِ؟، وَمَا أكْثَرُ الأقاربِ؟.. إنَّهُ لَيْسَ بِمُلكٍ كسرويٍّ وراثيٍّ حَتَّى يكونَ الأولى بِهِ هُوَ الأقْرَبَ بالرحمِ أو الأقْرَبَ لحمةً من صاحِبِ الرسالةِ!. فالمنافِقُ يسرعُ هُوَ الآخِرُ (حَيْثُ يَأْمَنُ المَكَارِهَ) في الطاعَةِ ويمثِّلُ دَوْرَ المطيعَ المُتَفَاني.
وَلَيْسَتْ الشُّورَى إلاَّ تكريساً لِهَذا المَعْنَى.. لأنَّ مَعْنَى الشُّورَى هُوَ أنْ يتشاوَرَ هَذا الجَمْعُ غَيْرُ المُتَجَانِسِ بِشَأْنِ الحكومَةِ ويَخْتَارَ الحَاكِمَ.
فالاختلافُ هُوَ في هَذا …
الشُّورَى هِيَ الاختلافُ نفْسُهُ وَلَيْسَتْ حَلاًّ للاختلافِ.
إن الاختلافَ والرَّغْبَةَ في السُّلطانِ قَدْ قَوِيَتْ بَعْدَ الشُّورَى حَتَّى صَارَ يَطْمَعُ فِيْهَا مَنْ كَانَ لا يُفَكِّرُ أَصْلاً بالخلافة!!
وَكَفَى بالشورى سُبَّةًً وفَضِيحَةً أَنْ يُدَافِعَ عَنْهَا رَأْسُ البَغي والجورِ معاويَةُ بن أَبي سفيان!!
م. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام
فَأَيْنَ تَذْهَبون؟ وَأَنَّى تُؤْفَكون؟ والأَعْلامُ قائِمَةٌ والآياتُ واضِحَةٌ، والمَنَارُ منصوبَةٌ. فَأَيْنَ يَُتَاهُ بِكُم وَكَيْفَ تَعْمَهون؟ وَبَيْنَكُمْ عتْرَةُ نَبِيِّكُمْ وَهُمْ أَزِمَّّةُ الحَقِّ وَأَعْلامُ الدِّينِ وَأَلْسِنَةُ الصِّدْقِ! فَانْزِلوهُم بِأَحسَنِ مَنَازِلِ القُرْآنِ وَرِدُوهُم وَرَدَ الهِيمِ العِطَاشِ..
أَيُّهَا النَّاسُ خُذُوْهَا عَنْ خَاتَمِ النَبِيينَ صّلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ، وَيُبْلَى مَنْ بَلِيَ وَلَيْسَ بِبَالٍ فَلا تَقُوْلُوا بِمَا لا تَعْرِفُوْنَ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الحَقِّ فِيْمَا تَنْكِرُوْنَ. أَلَمْ أَعْمَلْ فِيْكُمْ بِالْثِقْلِ الأَكْبَرِ وَأَتْرِكُ فِيْكُمْ الثِقْلَ الأَصْغَرَ؟
نهج البلاغة/ الخطبة 58
هَذا هُوَ حجَّّةُ الله، وَهَذا هُوَ مَعْنَى حُجَّّةِ الله..
لأنَّ بِهِ تكونُ الحُجَّةُ لِلَّهِ عَلَى الخَلْقِ. فَلا مَسوغَ للاختلافِ. فَمَنْ ضَلَّ بَعْدَ ذَلِكَ فإلى النارِ بحَقٍّ ومَنِ اهتدَى فإلى الجَنَّةِ بحَقٍّ.
وإذا غَابَ القَرينانِ أو أحدُهُمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ، وعندها فَلَهُمُ الحُجَّةُ في الاختلافِ.
ستقولون: ربَّنَا أَنْزَلْتَ كِتَابَاً لَمْ نقِدْرْ عَلَى تأويلِهِ، وَلَمْ تَضَعْ لَنَا مَنْ يقومُ بِهِ، وفينا من يَطْمَعُ بالسلْطَانِ فاخْتَلَفْنَا، وكلٌّ حَسَبَ اجتهادِهِ وَفَهْمِهِ وسُفِكَتْ دماءُنَا وعِشْنَا في الضَّنَكِ فَكَيْفَ تُعَذِّبْنَا بَعْدَ هَذا كلّه؟!
أجل.. سَتَكونُ الحُجَّةُ لَهُم عَلَى اللهِ.
وَلكنْ إذا كَانَ (المَنَارُ مَنْصوبَاً)، وإذا كَانَتِ (الأعلامُ قائِمَةً) و(الآياتُ واضحَةً) والعترَةُ موجودَةً حَتَّى الميِّتُ مِنْهَا لا يموتُ والبالي لا يُبلى لوجودِ كلامِهِ وسيرَتِهِ ووَرَثَتِهِ دَوْمَاً بلا انقطاعٍ..
إذا كانَ ذلكَ كذلكَ فَلا حُجَّةَ للخَلْقِ عندئذٍ في الاختلاف..
بَلْ لَو لَمْ يُنَصِّب اللهُ إمَامَاً فَلا مَعْنَى أَصْلاً لِكُلِّ مَا فَعَلَ مِنْ إرسالِ رسولٍ وإنزالِ كتابٍ.
وَلِذَلِكَ أَكَّدَ أهْلُ البيتِ في أَكْثَرِ مِنْ أربعينَ ألف نِصٍّ واضِحٍ وجَلِيٍّ كُفْرَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الإمامَةَ باختيارِ النَّاسِ.
أهلُ البيتِ عليهم السَّلام الَّذينَ يُحَاوِلُ الكاتبُ مُخَادَعَتَهُم والتقوُّلَ عليهم..
فَلِمَاذَا تَرَكَ الكاتبُ هَذِهِ الخُطَبَ والنصوصَ وَلَمْ يَذْكُرْها للقارئ؟
لأنَّهُ يُريدُ مُخادعَتَهم.
وَبَعْدَمَا أَوْضَحْتُ هَذا لِبَعْضِ القُرَّاءِ مَقَتُوهُ وَكَرَهوا سِمَاعَ اسمِهِ والتَفَوُّهَ بِذِكْرِهِ، وتلك هِيَ عاقِبَةُ الَّذينَ أساءوا السوأى أَنْ كَذَّبُوا بآياتِ اللهِ وكانوا بِهَا يَسْتَهْزِئون.