لم تأت التوسعة الكبرى في تاريخ الحرم المكي الشريف لمجرد التوسع، بل إنها أتت كخيار اقتصادي واستراتيجي مهم وقرار تاريخي سيكون له آثار اقتصادية واسعة، فأعداد القادمين للعمرة تتزايد من عام إلى عام، وتشير الإحصاءات إلى أن هناك زيادة بنحو 40 في المائة في أعداد الممنوحين تأشيرات العمرة هذا العام، وهي زيادة كبيرة جدا في عام واحد. هذا النمو يتطلب زيادة متوازية في خدمات الإيواء بجميع صورها، التي يقدمها القطاع الخاص، الذي ينمو عادة كردة فعل للنمو في الطلب وليس كفعل سابق له، فقطاع الأعمال العامل في منطقة الحرمين الشريفين عليه أن يتجاوب وبسرعة مع التوقعات الحقيقية للنمو في الطلب، وهذه لن تتحقق ما لم تقم الدولة من جانبها بالاستجابة الجادة والسريعة للنمو في عدد المعتمرين من خلال التوسعات في الطاقة الاستيعابية للحرمين والتجهيزات اللوجستية اللازمة من طرق وأنفاق وغيرها، فمثل هذه التوسعة ستضمن - بإذن الله - النمو المتوازن لأعداد المعتمرين، وهو هدف في حد ذاته، كما ستدعم اقتصاد الحج والعمرة، ما يجعل توقعات النمو حقيقية ويعزز الثقة التي تحتاج إليها استثمارات القطاع الخاص.
اقتصاد العمرة والحج يعتبر اقتصادا واعدا جدا، حيث قدرت إيرادات العمرة خلال هذا العام بـ 34 مليارا، وذلك بخلاف إيرادات الحج، التي يمكن أن تصل إلى أرقام قياسية، كما قدر مختصون أن معدل مصروفات المعتمر الواحد يبلغ نحو 3750 ريالا في الأسبوع الواحد، أي ما يعادل ألف دولار، ولهذا فإن من المتوقع أن تؤدي التوسعة الأضخم في تاريخ المسجد الحرام إلى دعم هذا النمو وتعزيزه خلال السنوات المقبلة.
وإذا كان الاقتصاد العالمي اليوم يعاني مخاطر متفاقمة نظرا للارتباكات السياسية والاقتصادية التي تعم العالم بأسره، فإن من شأن التوسعة الأضخم في تاريخ الحرم والنمو القياسي المتوقع في أعداد وإيرادات الحجيج أن يجعلا من الاقتصاد المكي والمدني ملاذا آمنا، خاصة أن القيمة المالية لنزع الملكيات العقارية ستبلغ أكثر من 40 مليار ريال، كما أن إزالة المجمعات السكنية لأغراض التوسعة ستتطلب استثمارات عقارية أكبر لتعويض النقص الناتج عن الإزالة ومسايرة النمو المطرد في أعداد المعتمرين، ما يدعم تدوير التعويضات العقارية في استثمارات عقارية جديدة وأكثر إنتاجية. ولهذا فإنه من المتوقع أن تجذب نتائج التوسعة المكية أكثر من 20 مليار ريال من الاستثمارات، وهذه بدورها ستسهم في دعم اقتصاد الحرمين الشريفين وستعمل على خلق فرص عمل كبيرة ومجزية. وإضافة إلى ما سبق فإن إزالة المجمعات التجارية والسكنية حول المنطقة المركزية للحرم ستدفع بقاطني مكة للتوجه إلى بناء أحياء جديدة، خاصة في المناطق الطرفية، وهو الأمر الذي سيخلق فرصا استثمارية جديدة خارج نطاق اقتصاديات الحج والعمرة، كما سيعزز انتعاش الحركة التجارية والعمرانية وفي مستويات الدخل والمعيشة لساكني تلك الأحياء.
ولا تقف الآثار الاقتصادية للتوسعة الأضخم عند حدود الاقتصاد المحلي، بل تتجاوز ذلك، فالمملكة التي وعدت العالم بأن تدعم الاقتصاد العالمي بإنفاق قياسي يصل إلى 400 مليار دولار قد اشترطت أيضا أن يكون هذا الدعم من خلال تنمية الاقتصاد السعودي، فالإنفاق على التوسعة الأضخم سيتطلب استيراد الكثير من الأجهزة والمعدات والتركيبات، وبذلك تفي المملكة بوعودها للعالم وتحقق النمو الاقتصادي المطلوب داخليا، وهي معادلة يصعب تحقيقها لولا فضل الله ثم الجهود الجبارة التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريف
ين.
ا