بسم الله الرحمان الرحيم
اوقات منعت فيها الصلاة
الحِكمة من النهي عن الصلاة في هذه الأوقات:
الأصلُ أنَّ المسلِم يستسلم لأوامِر الله، ويجتنب نواهيَه تعبُّدًا لله، ولا يتوقَّف عن التعبُّد حتى يطَّلعَ على الحِكمة أو العِلَّة مِن الأمر بكذا، أو النهي عن ذلك، بل عليه أن ينقاد، وله أن يبحَث على الحُكم والعِلل أثناء العمل؛ ليزدادَ إيمانًا وثباتًا، وقد ذكر العلماء - رحمهم الله تعالى - أنَّ الشرع الحكيم نهى عن الصلاةِ في هذه الأوقات لحِكم عدَّة، علِمها مَن علِمها، وجهلها مَن جهلها، ومن هذه الحِكم التي عُلمت في هذه المسألة ما يأتي:
أولاً: أنَّ في وقت الظهيرة قُبيل الزوال يُوقد فيه على جهنم إيقادًا بليغًا؛ لحديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ثم صلِّ؛ فإن الصلاة مشهودةٌ محضورة حتى يستقلَّ الظل بالرمح، ثم أقْصِر عن الصلاة؛ فإنه حينئذٍ تُسجر جهنم))؛ رواه مسلم (832).
ثانيًا: وأمَّا الحِكمة من النهي عنِ الصلاة عندَ طلوع الشمس وعندَ غروبها، فهي مشابهة المشركين، فإنَّهم يسجدون للشمس عندَ طلوعها وعندَ غروبها؛ لحديث عمرو بن عبسة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((صلِّ الصبح، ثم أَقْصِرْ عن الصلاة حتى تطلُع الشمس حتى ترتفع؛ فإنها تطلع بين قرْني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفَّار))، ثم قال - عليه الصلاة والسلام -: ((حتى تصلِّي العصر، ثم أقصِرْ عن الصلاة حتى تغربَ الشمس؛ فإنَّها تغرب بين قرني شيطان، وحينئذٍ يسجد لها الكفار))؛ رواه مسلم (832).
ثالثًا: وأمَّا النهي عنِ الصلاة بعدَ صلاة الفجْر إلى طلوع الشمس، وبعدَ صلاة العصْر إلى غروب الشَّمس، فمِن باب سدِّ الذريعة؛ قال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في بيان حِكمة النهي عن الصلاة في هذه الأوقات: "الشيطانُ يقارن الشمس، وحينئذٍ يسجد لها الكفَّار، فالمصلِّي حينئذٍ يتشبه بهم في جِنس الصلاة، فالسُّجُودُ وإنْ لم يكونوا يعبدون معبودَهم، ولا يقصدون مقصودهم، لكن يشبههم في الصُّورة، فنهَى عن الصلاة في هذين الوقتين سدًّا للذريعة؛ حتى ينقطِع التشبُّهُ بالكفَّار، ولا يتشبه بهم المسلِم في شِرْكهم"؛ مجموع الفتاوى (23/186).
رابعًا: وهناك حِكمة أُخرى في النَّهي عن الصلاة في هذه الأوقات عمومًا، وهي إجمامُ النفوس، وتنشيطها حتى تُقبل بعد وقت المنْع بنشاط ورغْبة، كما أشار إلى ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - فقال: "في النهي عنه بعض الأوقات مصالِح أُخَر؛ من إجمام النفوس بعض الأوقات مِن ثقل العبادة، كما يجم بالنَّوْم وغيره... ومِن تشويقها وتحبيب الصلاة إليها إذا مُنعِت منها وقتًا، فإنَّه يكون أنشطَ وأرغب فيها؛ فإنَّ العبادة إذا خُصت ببعض الأوقات نشطتِ النفوس لها أعظمَ ممَّا تنشط للشيءِ الدائم، ومنها: أنَّ الشيء الدائم تسأم منه وتملُّ وتضجر، فإذا نهى عنه بعضَ الأوقات زال ذلك الملل"؛ "مجموع الفتاوى" (23/187).
صلوات تُصلَّى في أيِّ وقت:
كنَّا قد نبهت في بداية المقال السابق إلى أنَّ المقصود بالصلاة المنهي عنها في هذه الأوقات هي: صلاة التطوُّع المطلَق،
وهي التي لا سببَ لها،
وأما الصلوات التي تُركت نسيانًا،
أو بسبب نوم، أو الصلوات التي لها سبب،
فإنها تُصلَّى في أي وقت مِن ليل أو نهار،
ومِن هذه الصلوات التي تُصلَّى في أي وقت ما يلي:
أولاً: قضاء الفرائض الفائِتة؛ لحديثِ أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((مَن نسِي صلاةً أو نام عنها، فكفَّارتها أن يُصلِّيَها إذا ذكَرَها))؛ رواه البخاري (597)، ومسلم (684) واللفظ له.
ثانيًا: قضاء سُنَّة الفجر؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((مَن لم يصلِّ ركعتي الفجر، فليصلِّهما بعدَما تطلع الشَّمْس))؛ رواه الترمذي (423)، والحاكم في المستدرك (1015)،
ثالثًا: ركعَتي الطواف؛ لحديث جُبَير بن مطعِم - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
((يا بني عبدِ مناف، لا تمنعوا أحدًا طافَ بهذا البيت وصلَّى، أيَّة ساعة شاءَ مِن ليل أو نهار))؛ رواه الترمذي (868)، والنسائي (585)، وابن ماجه (1254)، وأحمد (16294)، وصحَّحه الألبانيُّ في "مشكاة المصابيح" (1045).
رابعًا: الصلوات ذواتُ الأسباب؛
كصلاةِ الجنازة، وتحيَّة المسجد، وصلاة الكسوف، وركعتي الوضوء، وإعادة الجماعة، وصلاة الاستخارة لمَا يفوت، وغير ذلك؛ للأدلَّة الدالة على فِعل هذه الصلوات دون التقييد بزمَن، كما يشهد لذلك حديثُ أبي قتادة - رضي الله عنه - أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا دخَل أحدُكم المسجد، فلا يجلسْ حتى يصلِّيَ ركعتين))؛ رواه البخاري (1167) واللفظ له، ومسلم (714).
صلاة النافلة في وقت الزوال يوم الجمعة:
ذهَب بعضُ العلماء إلى استثناء يومِ الجُمُعة، فقالوا:
يوم الجُمُعة ليس فيه وقت نهْي عند منتصف النَّهار
حين يقوم قائِم الظهيرة؛
لحديث سلمانَ الفارسي -رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّ الله عليه وسلَّم -:
((لا يغتسل رجلٌ يومَ الجُمُعة، ويتطهَّر ما استطاع مِن طهر، ويدَّهن من دُهنه، أو يمس من طِيب بيته، ثم يخرُج فلا يفرِّق بين اثنين، ثم يصلِّي ما كُتِب له، ثم ينصت إذا تكلَّم الإمام، إلا غُفِر له ما بيْنه وبيْن الجُمُعة الأخرى))؛ رواه البخاري (883).
وممَّن ذهَب إلى هذا القول العلاَّمة ابنُ القيِّم - رحمه الله - فقال وهو يتحدَّث عن خصائصِ يوم الجُمُعة:
"لا يُكره فِعلُ الصلاة فيه وقت الزَّوال عند الشافعي - رحمه الله - ومَن وافقه، وهو اختيار شيخِنا أبي العباس ابن تيمية،
ولم يكن اعتمادُه على حديث ليث، عن مجاهد، عن أبي خليل، عن أبي قتادة - رضي الله عنه -
عنِ النبي - صلَّ الله عليه وسلَّم -
أنه كَرِه الصلاة نِصف النهار إلا يوم الجُمُعة، وقال:
((إنَّ جهنَّمَ تُسجر إلا يومَ الجُمُعة))؛ [رواه أبو داود (1083)، وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (200)]؛ أي: لم يكن اعتمادُه على هذا الحديث لضعْفه، وإنَّما كان اعتماده على أنَّ مَن جاء إلى يوم الجُمُعة يُستحبُّ له أن يُصلِّي حتى يخرُج الإمام، وفي الحديثِ الصحيح: ((لا يغتسلُ رجلٌ يوم الجُمُعة ويتطهَّر ما استطاع مِن طهر، ويدَّهن من دُهنه، أو يمسُّ مِن طِيب بيته، ثم يخرُج فلا يفرِّق بين اثنين، ثم يُصلِّي ما كُتب له، ثم ينصت إذا تَكلَّم الإمام إلا غُفِر له ما بينه وبيْن الجُمُعة الأخرى))؛ [رواه البخاري (883)]، فندَب إلى الصلاة ما كُتِب له، ولم يمنعْه عنها إلا في وقتِ خروج الإمام؛ ولهذا قال غيرُ واحد من السلف، منهم عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - وتبعه عليه الإمامُ أحمدُ بن حنبل: خروجُ الإمام يَمْنَع الصلاة، وخُطبته تمنَع الكلام، فجعَلوا المانِع من الصلاة خروجَ الإمام لا انتصاف النهار.
سبحان الله و بحمده سبحان الله العظيم