العمل التطوعي و رمضان
يعد التطوع من السلوكيات والقيم الإيجابية التي حث عليها الشرع الحنيف وندب إليها, قال تعالى :(فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ )[البقرة/184] ؛ ذلك لما يترتب على العمل التطوعي من نفع الخلق وقضاء حوائجهم , ومع ذلك فإننا نجد نوعا من التقصير في هذا الباب من أبواب الخير على الرغم من أن التطوع يعد قيمة أصيلة في مجتمعاتنا الإسلامية وله من الآثار و الثمار الايجابية ما لا يحصى ليس على المستوى الفردي فحسب بل على المجتمع بأسره , في المقابل نجد أن العمل التطوعي في المجتمعات الغربية يعد جزءا من الممارسات اليومية للأفراد , وهذا بحق من المفارقات العجيبة , وإليكم هذين الخبرين :
الخبر الأول : (إن الناظر لحال الجمعيات الخيرية بالمملكة على سبيل المثال يرى العجز السنوي في ميزانيات التشغيل ولقد صرحت بذلك للصحف عدد من الجمعيات الخيرية في شهر رمضان لعام 1422هـ ، في حين انه من المعلوم أن رمضان يعتبر الشهر الذهبي للتبرعات ، إضافة إلى الحال الضعيف في قلة المتعاونين بها احتساباً مما يدل على تقاعس المجتمع وبعده عن التبرع بالوقت والمال والفكرة والجهد للجمعيات الخيرية).
الخبر الثاني : (هناك أكثر من 37600 موقعاً على الإنترنت لمنظمات يهودية تطوعية خيرية في أمريكا فقط . راجع محرك بحث جوجل Google بإدخال كلمة usa+ synagogue ).
قارن بين الخبرين : بدون تعليق .
تعريف التطوع :
ورد في لسان العرب : أن التطوع هو ما تبرع به من ذات نفسه مما لا يلزمه فرضه. وعلى هذا فيمكن تعريف العمل التطوعي بأنه : مبادرة ذاتية من المتطوع لتقديم عمل خيري أو خدمة للآخرين بما لا يلزم به شرعا , لوجه الله تعالى دون مقابل ؛ للإسهام في نفع الآخرين سواء أكانوا أفرادا أو مجتمعا .
التطوع في ميزان الشرع :
تضافرت النصوص الشرعية في الحث على البذل و الإنفاق في وجوه الخير المتنوعة و من هذه النصوص ما يلي :
أولا : من القران :
1. رغب الله تعالى عباده المؤمنين في البذل والإنفاق ووعدهم على ذلك أجراً عظيماً فقال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )البقرة:261.
2. قال تعالى: (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )البقرة:245. قال السعدي : (فيضاعفه له أضعافا كثيرة ) الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة بحسب حالة المنفق ونيته ونفع نفقته والحاجة إليها , ولما كان الإنسان ربما توهم أنه إذا أنفق افتقر دفع تعالى هذه الوهم بقوله :(والله يقبض ويبسط ) أي يوسع الرزق على من يشاء ويقبضه عمن يشاء فالتصرف كله بيديه ومدار الأمور راجع إليه فالإمساك لا يبسط الرزق والإنفاق لا يقبضه ومع ذلك فالإنفاق غير ضائع على أهله بل لهم يوم يجدون ما قدموه كاملا موفرا مضاعفا فلهذا قال : ( وإليه ترجعون) فيجازيكم بأعمالكم.
ثانيا من السنة :
1. قال صلى الله عليه وسلم : ( كل سلامي من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين أثنين صدقة ، تعين الرجل على دابته فتحمله عليها أو ترفع عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاه صدقة ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة )متفق عليه .
قال ابن حجر : المراد بالصدقة ما هو أعم من ذلك ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف .... ومقصود هذا الباب أن أعمال الخير تنزل منزلة الصدقات في الأجر ولاسيما في حق من لا يقدر عليها ويفهم منه أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل من الأعمال القاصرة ومحصل ما ذكر في حديث الباب أنه لا بد من الشفقة على خلق الله وهي إما بالمال أو غيره والمال إما حاصل أو مكتسب وغير المال إما فعل وهو الإغاثة وإما ترك وهو الإمساك .
وقال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : ترتيب هذا الحديث أنه ندب إلى الصدقة وعند العجز عنها ندب إلى ما يقرب منها أو يقوم مقامها وهو العمل والانتفاع وعند العجز عن ذلك ندب إلى ما يقوم مقامه وهو الإغاثة وعند عدم ذلك ندب إلى فعل المعروف أي من سوى ما تقدم كإماطة الأذى .
2 . قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر- رضي الله عنهما - :( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ،من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربه من كرب الدنيا فرج الله عنه كر به من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما سترة الله يوم القيامة ) متفق عليه .
قال النووي في شرح صحيح مسلم : (ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) في هذا فضل إعانة المسلم وتفريج الكرب عنه وستر زلاته ويدخل في كشف الكربة وتفريجها من أزالها بماله أو جاهه أو مساعدته والظاهر أنه يدخل فيه من أزالها بإشارته ورأيه ودلالته .
أهمية العمل التطوعي وثماره:
إن للعمل التطوعي فوائد عديدة تعود على المتطوع نفسه وعلى المجتمع بأسره ، كما أن العمل التطوعي يساهم في استغلال طاقات أفراده في مجالات مثمرة وهادفة لمصلحة المجتمع ويعينهم على قضاء أوقاتهم بالمفيد و خاصة شريحة الشباب .
فالعمل التطوعي ركيزة أساسية في بناء المجتمع ونشر التماسك الاجتماعي بين أفراده ، و دليلٌ على حياة المجتمع وحيويته . كما أنه وسيلة لشعور المتطوع بالراحة النفسية و باعتزازه وثقته بنفسه ؛ لشعوره بأهميته ودوره في نفع المجتمع الذي يعيش فيه ؛ لأن العمل التطوعي ممارسة إنسانية ترتبط بمعاني الخير والعمل الصالح قال تعالى: (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ )[البقرة/184]فهذه الآية فيها إشارة إلى آثار التطوع المتنوعة على المتطوع ، ذلك أن لفظة (خير) نكرة فتعم كل أنواع الخيرية , ويمكن عرض بعض هذه الآثار التي ذكرها بعض الباحثين فيما يلي:
أولا:على المتطوع :
• فيه إشباع للرغبات وتحقيق للذات وشغل الفراغ برد الجميل للمجتمع .
• فيه فتح باب للتعود على الاحتساب والأجر من عند الله عز وجل .
• يجعل المتطوع يشعر بالسعادة لمشاركته من حوله وتخفيف معاناتهم في السراء والضراء .
• يتيح الفرصة لتبادل الخبرات الكثيرة والمفيدة .
• يساعد على حصول المتطوع على احترام وتقدير وقبول من قبل أفراد المجتمع .
• ينمي القدرات الذهنية لدى المتطوع ويعمل على إرساء قاعدة متينة من السلوكيات الحميدة في المجتمع.
• يعود على الثقة بالنفس وتحمل المسئوليات الاجتماعية ومواجهة المشكلات بشكل مباشر .
ثانياً : في حياة المجتمع :
• يدعم العمل الحكومي ويرفع مستوى الخدمة الاجتماعية .
• يعد ظاهرة اجتماعية حميدة للدلالة على حيوية المجتمع وإيجابيته وتقدمه .
• يعد مؤشر جيد للحكم على مدى تقدم الشعوب ورقيها .
• يشجع على الاستفادة من قدرات المتطوعين في أعمال تخدم الأنشطة والبرامج في المجتمع .
• يسهم في تقليل حجم المشكلات الاجتماعية من خلال دعوة أفراد المجتمع للمشاركة في تأدية الخدمات بأنفسهم لصالح مجتمعهم .
ثمار العمل الخيري :
1. تطهير للنفس و تزكية لها، قال تعالى :(خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) التوبة:103]
قال السعدي : إن النفقة من الطيب المحبوب للنفوس من أكبر الأدلة على سماحة النفس واتصافها بمكارم الأخلاق ورحمتها ورقتها ومن أول الدلائل على محبة الله وتقديم محبته على محبة الأموال التي جبلت النفوس على قوة التعلق بها فمن آثر محبة الله على محبة نفسه فقد بلغ الذروة العليا من الكمال وكذلك من أنفق الطيبات وأحسن إلى عباد الله أحسن الله إليه ووفقه أعمالا وأخلاقا لا تحصل بدون هذه الحالة وأيضا فمن قام بهذه النفقة على هذا الوجه كان قيامه ببقية الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة من طريق الأولى والأحرى ومع أن النفقة من الطيبات هي أكمل الحالات فمهما أنفق العبد من نفقة قليلة أو كثيرة من طيب أو غيره فإن الله به عليم وسيجزي كل منفق بحسب عمله سيجزيه في الدنيا بالخلف العاجل وفي الآخرة بالنعيم الآجل .
2.حفظ للمال وزيادة له قال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [ (سبأ:39] وقال تعالى :( وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ )[البقرة/272], وقال صلى الله عليه وسلم :"ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً "متفق عليه
قال السعدي - في شرح آية 39من سورة سبأ- : (وما أنفقتم من شيء ) نفقة واجبة أو مستحبة على قريب أو جار أو مسكين أو يتيم أو غير ذلك ( فهو ) تعالى (يخلفه ) فلا تتوهموا أن الإنفاق مما ينقص الرزق بل وعد بالخلف للمنفق الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ( وهو خير الرازقين ) فاطلبوا الرزق منه واسعوا في الأسباب التي أمركم بها.
3.الوقاية من مصارع السوء: قال صلى الله عليه وسلم :"صنائع المعروف تقي مصارع السوء"
4 . نيل محبة الله عز وجل : قال عليه الصلاة والسلام "أحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم،أو تكشف عنه كربة،أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولان أمشي مع أخي في حاجه أحب إلي من أن اعتكف في هذا المسجد شهر.... " الحديث.
5.حصول الرزق ونزول البركات: قال الله تعالى :( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) [البقرة/276]
6.تفتح له أبواب الرحمة :قال صلى الله عليه وسلم " الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" .
7. نيل البر والتقوى:قال الله تعالى :( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) [آل عمران/92]
8. ذهاب الخوف و الحزن , قال تعالى :( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [البقرة/274] .
وغير ذلك كثير جدا , ولا نعجب من كثرة تلك البركات التي ينالها المتطوع ؛ ذلك لما يترتب على عمل الخير من آثار ايجابية تعود على الفرد و المجتمع وهذا نموذج بسيط لأثر عمل خيري وهو تبسمك في وجه أخيك , فقد قام بعض العلماء بدراسة تأثير الابتسامة على الآخرين، فوجدوا أن الابتسامة تحمل معلومات قوية تستطيع التأثير على العقل الباطن للإنسان! لقد وجدوا أن لكل إنسان ابتسامته الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد، وأن كل ابتسامة تحمل تأثيرات مختلفة أيضاً، ومن النتائج المهمة لمثل هذه الأبحاث أن العلماء يتحدثون عن عطاء يمكن أن تقدمه للآخرين من خلال الابتسامة، فالابتسامة تفوق العطاء المادي لعدة أسباب:
أ- يمكنك من خلال الابتسامة أن تدخل السرور لقلب الآخرين، وهذا نوع من أنواع العطاء بل قد يكون أهمها. لأن الدراسات بينت أن حاجة الإنسان للسرور والفرح ربما تكون أهم من حاجته أحياناً للطعام والشراب، وأن السرور يعالج كثيراً من الأمراض على رأسها اضطرابات القلب.
ب- من خلال الابتسامة يمكنك أن توصل المعلومة بسهولة للآخرين، لأن الكلمات المحملة بابتسامة يكون لها تأثير أكبر على الدماغ حيث بينت أجهزة المسح بالرنين المغنطيسي الوظيفي أن تأثير العبارة يختلف كثيراً إذا كانت محملة بابتسامة. مع أن العبارة ذاتها إلا أن المناطق التي تثيرها في الدماغ تختلف حسب نوع الابتسامة التي ترافق هذه المعلومة أو هذه العبارة.
ت- بابتسامة لطيفة يمكنك أن تبعد جو التوتر الذي يخيم على موقف ما، وهذا ما لا يستطيع المال فعله، وهنا نجد أن الابتسامة أهم من المال، ولذلك فإن اقل ما تقدمه للآخرين هو صدقة الابتسامة.
ث- الابتسامة والشفاء: لاحظ كثير من الأطباء تأثير الابتسامة في الشفاء، وبالتالي بدأ بعض الباحثين بالتصريح بأن ابتسامة الطبيب تعتبر جزءاً من العلاج! إذن عندما تقدم ابتسامة لصديقك أو زوجتك أو جارك إنما تقدم له وصفة مجانية للشفاء من دون أن تشعر، وهذا نوع من أنواع العطاء.
من أجل هذه الأسباب وغيرها فإن الابتسامة هي نوع من أنواع العطاء والصدقة والكرم، و لهذا قال نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة) , فكيف بسائر الأعمال التطوعية التي وردت النصوص الشرعية بالحث عليها و الترغيب فيها ؟!.
أنماط وأشكال العمل التطوعي :
تتنوع أنماط وأشكال العمل التطوعي لعدة اعتبارات ؛ لذا يمكن تصنيف العمل التطوعي كما يلي :
باعتبار المتطوع نفسه هل هو متطوع فردي أو مؤسسي :
1- العمل التطوعي الفردي: وهو عمل أو سلوك اجتماعي يمارسه الفرد من تلقاء نفسه وبرغبة منه وإرادة ذاتية ولا يبتغي منه أي مردود مادي.
2- العمل التطوعي المؤسسي: وهو أكثر تنظيماً من العمل التطوعي الفردي وأوسع تأثيراً في المجتمع , فالعمل المؤسسي يسهم في جمع الجهود والطاقات الاجتماعية المبعثرة ، فقد لا يستطيع الفرد أن يقدم عملاً محدداً في مجال ما ، ولكنه يتبرع بالمال أو الجهد أو الوقت ؛ فتستطيع المؤسسات الخيرية أن تجعل من الجهود المبعثرة جهودا متآزرة ذات أثر كبير وفعال إذا ما اجتمعت وتم التنسيق بينها.
ويمكن تصنيفه باعتبار العمل التطوعي نفسه : فقد يكون جهداً يدوياً وعضلياً أو مهنياً أو تبرعاً بالمال أو غير ذلك،
ويمكن تصنيفه باعتبار الاتجاه أو المجال فقد يكون موجه في أنشطة و مجالات اجتماعية أو تعليمية أو اغاثية أو طبية و غيرها .
أفكار للعمل التطوعي في رمضان :
قال تعالى :( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) [آل عمران/92] قال السعدي في تفسير معنى ( البر ) : الذي هو اسم جامع للخيرات وهو الطريق الموصل إلى الجنة .
وعليه فباب فالتطوع واسع جدا فقد يكون بتقديم المال كالغذاء والدواء والكساء وقد يكون ببذل الجهد في التعليم ونشر الثقافة والمعرفة وتجميل البيئة وقد يكون بتقديم الوقت وغيرها من المجالات التي يحتاج أن تمتد إليه أيادي التطوع ؛ فكل ما لم تطله يد الجهود الرسمية يمكن أن يكون ميدانا خصبا للعمل التطوعي ؛كإطعام الجائع وكسوة العريان وإغاثة الملهوف والفقير وغيرها من الأعمال الخيرة المتعددة .
وهذه الأفكار التي جمعتها لكم في هذه الباقة هي غيض من فيض في هذا الباب :
1. المساهمة في إعداد موائد الرحمن التي تنتشر خلال الشهر لإفطار الصائمين.
2. زيارة مريض وإتباع جنازة كل يوم من أيام هذا الشهر. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر رضي الله عنه أنا. قال فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر رضي الله عنه أنا. قال فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه أنا. قال فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر رضي الله عنه أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة.
3. تنظيم زيارات للمرضى ودور المسنين ودور الأيتام والتواصل معهم .
4. جمع الملابس القديمة والأدوية والكتب الدراسية والألعاب والمجلات والكتب القيمة لتوزيعها للمحتاجين .
5. تنظيف مسجد الحي و تفقد الإنارة والفرش وتوفير مياه الشرب و المناديل ونحوها .
6. الاهتمام بدورات المياه والقيام على تجهيزها وتنظيفها .
7. إعداد برامج للجاليات من مطويات وأشرطة .
8. تقديم برامج للشباب و الفتيات تكون بدائل ومزاحمات إعلامية .
9. إعداد سلة الخير الغذائية ، تشتمل على الأغذية الأساسية مثل ( تمر – شربة – دقيق – سكر - أرز – مكرونة – ملح– صلصة – زيت – عصائر-حليب ونحوها) لتوزيعها على الفقراء، لإدخال السرور عليهم مع بداية شهر رمضان.
10.المساهمة في توزيع وجبات الإفطار على الصائمين أو وجبات السحور من خلال توزيعها عن طريق الإشارات المرورية وقت الإفطار أو السحور .
وهناك الكثير والعديد من الأفكار في هذا المضمار ولكن نبدأ بالخطوة الأولى والحسنة تجر الحسنة ولقد أعجبتني عبارة تقول :ممارسة العمل التطوعي ومزاولته تلهم المتطوع الكثير من الأفكار الإبداعية.
مقومات العمل التطوعي الناجح :
1. إخلاص النية لله تعالى في العمل التطوعي قال تعالى في مدح المتطوعين :) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا )[الإنسان/8، 9].
2. الكفاءة والخبرة والقوة والأمانة وهذه مهمة في نجاح العمل التطوعي المؤسسي .
3. الإتقان فهو ضمان لحصول الجودة ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله كتب الإحسان على كل شيء " .
4. التخطيط السليم يوفر الجهد والوقت ويضمن جودة العمل .
5. الأقربون أولى بالمعروف فيبدأ المتطوع بقرابته نسبا وجوار او بلدا...الخ
6. الحرص على أن يكون العمل ضمن جماعة , فكلما كان العمل التطوعي جماعي كلما كان أدعى بإذن للنجاح لتوافر الطاقات والمواهب المختلفة و تلاقح الأفكاروالأهم أن العمل الذي تكثر فيه النيات الصالحة يكون أكثر بركة بل إن الله قد يصلح النية الفاسدة بالنية الصالحة .
العوائق التي تعيق العمل الخيري :
1. غياب التخطيط السليم الذي يخدم العمل الخيري ويشمل طاقات المتطوعين .
2. التسويف وعدم المبادرة .
3. احتقار تقديم القليل والتقليل من شأنه على الرغم من دينار سبق ألف درهم كما ورد في الخبر.
بعض المقترحات لتطوير العمل التطوعي:
ذكر بعض الباحثين أن العمل التطوعي حتى يتطور و يرتقي لابد من العناية بما يلي :
1- تنشئة أفراد المجتمع تنشئة اجتماعية سليمة وذلك من خلال قيام وسائط التنشئة المختلفة كالأسرة والمدرسة والإعلام بدور منسق ومتكامل الجوانب في غرس قيم التضحية والإيثار وروح العمل الجماعي في النفوس .
2- أن تضم البرامج الدراسية للمؤسسات التعليمية المختلفة بعض المقررات الدراسية التي تركز على مفاهيم العمل الاجتماعي التطوعي وأهميته وحث الشرع عليه ودوره الحيوي ويقترن ذلك ببعض البرامج التطبيقية؛ مما يثبت هذه القيمة في نفوس الشباب مثل حملات تنظيف محيط المدرسة أو العناية بأشجار المدرسة أو خدمة البيئة.
3- دعم المؤسسات والهيئات التي تعمل في مجال العمل التطوعي مادياً ومعنوياً بما يمكنها من تأدية رسالتها وزيادة خدماتها.
4- إقامة دورات تدريبية للعاملين في هذه الهيئات والمؤسسات التطوعية مما يؤدي إلى إكسابهم الخبرات والمهارات المناسبة، ويساعد على زيادة كفاءتهم في هذا النوع من العمل، وكذلك الاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال.
5- التركيز في الأنشطة التطوعية على البرامج والمشروعات التي ترتبط بإشباع الاحتياجات الأساسية للمواطنين؛ الأمر الذي يساهم في زيادة الإقبال على المشاركة في هذه البرامج.
6- مطالبة وسائل الإعلام المختلفة بدور أكثر تأثيراً في تعريف أفراد المجتمع بماهية العمل التطوعي ومدى حاجة المجتمع إليه وتبصيرهم بأهميته ودوره في عملية التنمية، وكذلك إبراز دور العاملين في هذا المجال بطريقة تكسبهم الاحترام الذاتي واحترام الآخرين.
7- تدعيم جهود الباحثين لإجراء المزيد من الدراسات والبحوث العلمية حول العمل الاجتماعي التطوعي؛ مما يسهم في تحسين واقع العمل الاجتماعي بشكل عام، والعمل التطوعي بشكل خاص.
8- استخدام العمل التطوعي في المعالجة النفسية والصحية والسلوكية لبعض المتعاطين للمخدرات والمدمنين أو العاطلين أو المنحرفين اجتماعياً.
9- استخدام التكنولوجيا الحديثة لتنسيق العمل التطوعي بين الجهات الحكومية والأهلية لتقديم الخدمات الاجتماعية وإعطاء بيانات دقيقة عن حجم واتجاهات وحاجات العمل التطوعي الأهم للمجتمع.
إضاءة أخيرة :
يكفينا أن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عد العمل التطوعي في صورة إماطة الأذى شعبة من شعب الإيمان , كما جعله سببا من أسباب دخول الجنة في صورة قطع الشجرة التي كانت تؤذي المسلمين في الطريق , قال عليه الصلاة والسلام ( الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها أماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ) متفق عليه . وقال صلى الله عليه وسلم ( لقد رأيت رجلأً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي المسلمين ) رواه مسلم – يكفينا ذلك حتى يكون حافزا لنا في أن نسجل أنفسنا في سجلات المتطوعين والباذلين في سبيل الله .