س. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام
نَحْنُ الشَّعَارُ وَالأَصْحَابُ وَالخَزَنَةُ وَالأبواب. وَلا تُؤْتَى البيوتُ إلاَّ مِنْ أَبْوَابِهَا فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيرِ أَبْوَابِهَا عُدَّ سَارِقَاً..
نهج البلاغة/ الخطبة/ 152
كَيفَ تقولُ أَيُّهَا الكذَّابُ أنَّ عليَّاً لَمْ يَكُنْ يَرَى لنفسِهِ ولأَهْلِ بيتِهِ حَقَّاً في الإمامَةِ ولا أشارَ إلى الوَصِيَّةِ؟.
فَمَا مَعْنَى هَذا الكَلامِ؟
وكَيفَ تقولُ لا شيءَ في نَهْجِ البَلاغَةِ يُشيرُ إلى ذَلِكَ؟!!.
أَوَ لَيْسَ مَعْناهُ أنَّكَ تُريدُ الوصولَ إلى الدِّينِ مِنْ غَيرِ البابِ الَّذي وَضَعَهُ اللهُ (وَلَنْ تَصِلَ..)؟.
فَأَنْتَ إِذَنْ بِحَسَبِ هَذا النصِّ سارِقٌ!
فيا لبؤسِكَ: كذّابٌ وسارقٌ أَيْضَاً؟!.
لأنَّ قولَكَ هُوَ بِخِلافِ مَا قَال.
أقولُ: الألفاظُ الوارِدَةُ في النصِّ مَنْبَعُهَا قرآنيٌّ:
فالشَّعارُ النبويُّ (يا مَنْصورُ أَمِتْ) وَهْوَ عَلَى الرايَةِ ومواردُ النَّصْرِ كلُّها فيهِم عليهمُ السَّلام.
ومن ذَلِكَ قولُهُ تَعَالَى:
{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (13) سورة الصف
والآيةُ هِيَ في المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام.
وقولُهُ تَعَالَى:
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (51) سورة غافر
فالرُّسُلُ لَمْ يُنْصَروا بَلْ كُذَّبُوا كَمَا نصَّ عَلَيْهِ القرآنُ، ويَكونُ نَصْرُهُم يومَ المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام.
وَكَذَلِكَ بقيَّةُ الموارِدِ القرآنيَّةِ الكثيرَةِ وفيها نصوصٌ نبويّةٌ كثيرةٌ جِدَّاً (من الفريقين) حَسَبَ تعبيرِهِم.
وقولُهُ: (الأصحابُ) هُمْ أصحابُ الأعرافِ. وحالُهُم مَزبورٌ في سورَةِ الأعرافِ يَلعنونَ الحُكَّامَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ وأَتْباعَهم وأَشْياعَهُم ويدخلونَهُم النارَ ويشفَعونَ لشيعَةِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام وَلِمَنْ وَالاهُم وآمَنَ باللهِ وحدِهِ وَلَمْ يُشْرِكْ في حُكْمِهِ أحَداً سِوَاه.
وقولُهُ: (الخَزَنَةُ) خَزَنَةُ جهنَّمَ وخَزَنَةُ الجنَّةِ. ذَلِكَ أنَّ أميرَ هَؤُلاءِ يومَ القيامةِ هُوَ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام. كَذَلِكَ في الرجعَةِ بَعْدَ ظهورِ المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام، وفيه اتِّفَاقٌ دلاليٌّ نصيٌّ مَعَ القرآنِ والسنَّة كَمَا قَالَ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم):
عليٌّ قَسيمُ الجنَّةِ والنَّارِ
قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ احتجَاجِ الأتْبَاعِ عَلَى قَادَتِهِم في النارِ:
{وَقَالَ الَّذينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } (49 ـ 50) سورة غافر
هَذِهِ آيةٌ مِنَ الآياتِ العجيبَةِ جِدَّاً وَهْيَ تُثْبِتُ أنَّ العَذابَ كَانَ مِنْ أيدِيهِم وبأيديهِم بحَيثُ أنَّ العارِفَ بالحقائِقِ قادِرٌ عَلَى تغييرِ الحالِ بالدُّعاءِ. وَلِذَلِكَ قالوا لَهُم: (أدْعوا أَنْتُم فَنَحْنُ وإيَّاكُم سواء في مَعْرِفَةِ الحقائِقِ مَا دامَتْ رسلُكُم قَدْ جاءَتْكُم بالبيِّنَاتِ وتُقِرُّونَ أَنَّكُم تعرِفُونَهَا جيِّداً..).
وبالطَبْعِ يَدْعُون.. وَلكنَّ دعاءَهُم في ضَلالٍ وأوامِرَهُم إلى النارِ ومَصَادِرَ العذابِ لا تنفذُ لأنَّ نواياهُم خبيثةٌ لا لأنَّ عِلْمَهُم قاصِرٌ.. وهُمْ مِثْلُ هَذا الكاتبِ يَعْرِفُ الحَقَّ ويعرِضُ عَنْهُ.
هَذا الأمرُ يتحقَّقُ بَعْدَ انكِشَافِ الحُجَبِ بَيْنَ الفِعْلِ والواقِعِ عِنْدَ حُصولِ التغييرِ الطبيعيِّ أُبانَ ظهورِ المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام.
والحديثُ هُوَ عَنْ مرحلَةِ (النارِ)، وَلكنَّ الخِطَابَ لِخَزَنَةِ جهنَّمَ. والنارُ هِيَ إحْدَى مراحلِهَا الأولى.
وقَدْ سمَّى الرسولُ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) عليّاً قَسيمَ الجنَّةِ والنارِ وحامِلَ رايَةَ النبي (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) يومَ القيامَةِ وحامِلَ اللواءِ (وفيه دلالةٌ عَلَى الشَّعَارِ) وسمَّاه صاحِبَ الحوضِ وصاحِبَ الجَوَازِ. وفي كُلٍّ مِنْهَا نصوصٌ أَخْرَجَهَا أصحابُ الحديثِ قَبْلَ عَصْرِ الكلامِ والفِقْهِ، فمنها مثلاً:
الحديثُ الأوَّلُ: حديثُ حِمْلِ الرايَةِ:
عَنِ ابنِ سَمْرَةَ قَالَ قالوا لرسولِ اللهِ: (يا رسولَ اللهِ مَنْ يَحْمِلُ رايتَكَ يومَ القيامَةِ؟. قَالَ: (مَنْ عَسَى أنْ يحمِلَهَا يومَ القيامَةِ إلاَّ مَنْ كَانَ يَحْمِلُهَا في الدُّنْيَا عليٌّ ابنَ أَبي طالبٍ)
هَذا الحديث هُوَ المرقم 398/ ج6 من أحاديث الكنز.
قَالَ: وأَخْرَجَهُ الطبرانيُّ أَيْضَاً. وَهْوَ في الحلية ج1/66.
أقول: وبحَثْتُ عَنْهُ في مَا أُسْنِدَ إلى جابرَ بنَ سَمْرَةَ فوجَدْتُه فِعْلاً عِنْدَ الطبراني في ج2/ص247/ طبعة بغداد ـ وزارة الأوقاف وَهْوَ المرقم (2036) من الجزءِ الثاني. وَلكنَّ لفظَهُ مُخْتَلِفٌ، والاختلافُ هامٌّ. فَفِيهِ قَالَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم):
وَمَنْ يُحْسِنُ أْن يَحْمِلْهَا إلاَّ مَنْ حَمَلَهَا في الدُّنْيَا عليٌّ بنَ أَبي طالبٍ
والظاهِرُ أنَّ بَعْضَ عَبَدَةِ الطاغوتِ أَبْدَلَ مُفْرَدَةَ (يُحْسِنُ) بِلَفْظِةِ (عَسَى) للتخفيفِ مِنْ وطئَتِهَا عَلَى القومِ. وَرَوَاهُ الخَطيبُ أَيْضَاً في ج14/ص98.
الحديثُ الثاني: حديثُ حِمْلِ اللواءِ (لواءِ الحَمْدِ):
عَنِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) وَذَكَرَ خَمْسَةَ خِصَالٍ لعليٍّ عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: (وَأمَّا الرابِعَةُ فإنَّ لواءَهَا مَعَهُ يومَ القيامَةِ وَتَحْتَهُ آدمُ وَمَا وَلَدَ)
ذكره في الكنز ج6/403 عَن الحارثَ.
وَوَرَدَ حديثَ حِمْلِ اللواءِ في نصوصٍ أُخْرَى متفرِّقَةٍ في ذخائر العقبى/75 والرياض النضِرَة ج 2/201 والكنز ج 6/393 عَن ابن عباس.
الحديثُ الثالثُ: حديثُ سِقايَةِ حَوضِ الكَوثَرِ:
عَن أَبي سعيدٍ قَالْ: قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): يا عليٌّ مَعَكَ يومَ القيامَةِ عَصَاً مِنْ عَصِيِّ الجَنَّةِ تَذودُ بِهَا المُنافِقينَ عَن حَوضِي
تهذيب التهذيب/ج3/284 والمجمع ج9/135.
ومن الفاظِهِ الأُخْرَى:
عَنْ أَبي هريرَةَ وجابرَ بن عبد الله قَالا: قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) : عليٌّ بنَ أَبي طالبٍ حَوضي يَوْمَ القيامَةِ فِيهِ أكوابٌ كَعَدَدِ نُجومِ السماءِ، وسِعَةُ حَوضي مَا بَيْنَ الجابيَةَ إلى صَنْعَاءَ
المجمع ج10/.367 قَالْ: (وقَدْ رواه الطبراني في الأوسط).
والأحاديثُ في هَذا كثيرةٌ. فانظر: تاريخ بغداد ج14/98، والحلية/ج10/211، والكنز ج 6/402، والمستدرك للحاكِمَ ج3/138، وأَحاديثٌ أُخْرَى متفرِّقَةٌ في الكَنْزِ بِهَذا المضمونِ في ج 6/400، 403، 393.
الحديثُ الرابِعُ: حديثُ صاحِبِ الجَوَازِ:
عَنِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) قَالَ: (إنَّ عَلَى الصِّرَاطِ لَعَقَبَةً لا يَجُوزُهَا أَحَدٌ إلاَّ بِجَوَازٍ مِنْ عليٍّ بنَ أَبي طالبٍ..)
وفيهِ ألفاظٌ مختلِفَةٌ ومضامينٌ متعَدِّدَةٌ. ومِنْ مصادِرِهِ تاريخُ بغدادَ للخطيبَ ج10/356، والرياضُ النضِرَةُ ج2/172 و177.
الحديثُ الخامِسُ: حَديثُ قَسيمِ الجنَّةِ والنارِ:
وَرَدَ هَذا الحديثُ في المُنَاشدَةِ المذكورَةِ سابقاً حَيْثُ احتجَّ بِهِ عَلَيْهِ السَّلام عَلَى الإمامَةِ. وَذَكَرَ ابنُ حجر أنَّهُ قَالَهَ للستَّةِ أصحابِ شُورَى عُمَر في كلامٍ طويلٍ منه:
أَنْشِدُكُم اللهَ هَلْ فيكُم أَحَدٌ قَالَ لَهُ رسولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: يا عليٌّ أَنْتَ قَسيمُ الجنَّةِ والنارِ غَيري؟. قالوا: اللَّهُمَّ لا
مِنْ مصادِرِهِ: الصواعق/75. وَهْوَ مِنْ أحاديثِ الكنز ج6/402. وَذَكَرَهُ المناوي في كنوز الحقائق/92.
فإذا كَانَ أصحابُ الشُّورَى يَكْذِبونَ في روايَةِ هَذِهِ الأحاديثِ في مَنْ هُوَ خصمُهُم بالإمَامَةِ، فَهُمْ في الشُّورَى أَكْذَبُ.
فَهَلْ هَذا مِنْ كَلامِ المتكلِّمينَ أَيُّهَا الأفَّاكُ أَمْ هُوَ مِنْ كلامِ رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم)؟
عَوْدَةٌ لِشَرْحِ فَقَرَةٍ أُخْرَى من قولِهِ في (س):
قولُهُ عَلَيْهِ السَّلام في النصِّ:
(والأبوابُ): المُرَادُ أبوابُ رحمَتِهِ تَعَالَى وأبْوابُ العِلْمِ وأبوابُ الخَيرِ.. وَهْيَ إشارةٌ مُخْتَصَرَةٌ لِمَا وَرَدَ عَن النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) في كَونِهِ باب مدينَةِ العِلْمِ وباب بيتِ الحكمَةِ وسِواهَا مِنْ ألفاظٍ. وَمَا يَلي الأحاديثُ الوارِدَةُ:
الحديثُ الأوَّلُ:
قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): عَلِيٌّ بَابُ عَمَلي ومُبَيِّنٌ لأمَّتي مَا أُرْسِلْتُ بِهِ مِنْ بَعْدي
مصادِرُهُ: كنز العمال/6/156، فضائل عليٍّ للسيوطي/ح38.
الحديثُ الثاني:
قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أَنَا دَارُ الحِكمَةِ وعَليٌّ بَابُهَا
مصادِرُهُ: صحيحُ الترمذي 2/214/الحلية/1/64، مصابيح السنة/2/275.
الحديثُ الثالثُ:
قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أَنَا دَارُ العِلْمِ وعليٌّ بَابُهَا
مصادرُهُ: ذخائر الطبري/77 ـ البغوي في المصابيح.
الحديثُ الرابِعُ:
قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أَنَا مَدينَةُ العِلْمِ وعَليٌّ بابُهَا ولا تُؤْتَى البيوتُ إلاَّ مِنْ أَبْوابِهَا
مصادرُهُ: مستدركُ النيسابوري/3/126ـ128، مناقب ابن شهراشوب 1/261 الطبراني في الأوسط والكبير ـ بالرواة الحرث، عاصم، حذيفة، ابن عباس، سعيد ابن جبير. فابْحَثْ عَنْهُ في هَذِهِ الأسماءِ لأنَّ ترتيبَ معجمِهِ عَلَى الأسماءِ لا عَلَى مضمونِ الحديثِ، المناقب لابن حنبل/241، مسند البزار الكبير، مستدرك الحاكم عَلَى الصحيحين 3/127، جامع الترمذي/279/ الاستيعاب لابن عبد البر /2/461، أسد الغابة/4/22، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/28، العسقلاني في التهذيب 7/337.
هَذا وَهُنَاكَ ثَبْتٌ بمصادِرِ الحديثِ ورواتِهِ وَهْيَ تبلُغُ (143) مصدراً من كُتُبِ العامَّةِ عدا مئاتِ المواردِ الأُخْرَى لَهُ في كُتُبِ الأدَبِ واللغَةِ والدراساتِ. وقَدْ جَلَّى أكْثَرَهَا الحِبْرُ العَلَمُ المُجَاهِدُ عَبْدُ الحسين الأميني النجفي في كتابِهِ "الغدير" الَّذي هُوَ شوكةٌ في عيونِ الحاقِدين إلى يَوْمِ الدِّين، يَخافونَ الاقترابَ مِنْهُ لأنَّ فِيهِ فضائِحَهُم ومخازيَهُم، ولا قُدْرَةَ لَهُم عَلَى تزويرِ وإعادَةِ طَبْعِ مئاتِ المصادِرِ كَمَا فَعَلوا في بَعْضِها فغيَّروها وحرَّفوها.. ولا يقْدِرون عَلَى صَرْفِ الأموالِ الطائلةِ عَلَى هَذِهِ الغايَةِ وبطونُهُم نَهِمَةٌ لا تَشْبَعُ إلاَّ أنْ تُحْشَى ناراً في جهنَّمَ وَمَا ربُّكَ بظلامٍ للعبيد.
لَمْ يكتفوا بالمحنَةِ الَّتي وَقَعَتْ عَلَى عُلَمَاءِ السنَّةِ القُدَامى حَيْثُ أخْرَجوا هَذِهِ الأحاديثَ لإفهامِ الأجيالِ محنتَهُم مَعَ السُلُطات.ِ فإذا الزمانُ يأتي بِقومٍ يكذِّبونَ أَهلَ السنَّةِ والشيعَةِ فيما حدَّثوا بِهِ ونَقَلوهُ تَمهيداً للإجهَازِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ!!
وَهَذِهِ هِيَ حقيقَةُ أهدافِهِم.. ولا تَحْسب أنَّ عليَّ بنَ أَبي طالبٍ وخصومَهُ هُمْ الموضوعُ!
لا.. لا يا أخي القارئ لا تتوهَّم في هَذا. فالكلامُ كُلُّهُ والصِراعُ كُلُّهُ لا زالَ يَدورُ عَلَى.. (مُحَمَّد)!!.
وَمَا هَذِهِ الأسماءُ إلاَّ واجِهَاتٌ أُخْرَى لِهَذا الصراعِ لا غير!.
فإذا شَكَكْتَ فانْظُرْ جَميعَ مؤلَّفَاتِ هَذِهِ الموجَةِ الجديدةِ!
فإنَّها مُنَظَّمَةٌ بدقَّةٍ مُتناهيَةٍ ومرسومةُ الخطوطِ، وَهَذِهِ بَعْضُ أسماءها:
صادق جلال العظم، مُحَمَّد شحرور، نصر أَبو زيد، سلمان رشدي، أحمد الكاتب ـ تَيَّارٌ واحِدٌ وهَدَفٌ مُشْتَرَكٌ يُديرُهُ مُحَمَّدٌ الجابري. رأسُ مالِهِ الكَذِبُ وسلاحُهُ اللغَةُ وجيوبُهُ عيونُ البترولِ العربيِّ ومَكْتَبُهُ طاوِلَةُ المفاوضَاتِ مَعَ إسرائيلَ…
وآخرون هَرَعوا خَلْفَهُم بلا وعيٍّ ولا هُدىً ولا كِتابٍ منيرٍ بِحُجَّةِ التجديدِ. وَمَا جاءوا بجديدٍ سِوَى جَديدِ الملأِ مِنْ قُرَيشٍ!
ألا تُلاحِظُ هَذا الأفَّاكَ يُدَافعُ عَن دَعاوَى قُرَيشٍ ضِدَّ الأنصارِ وآلِ الرسول؟.
وَكَذَلِكَ يفْعَلُ أَبو زيد ورشدي وشحرور فَإِنَّهُم يُفَسِّرونَ الدِّينَ تَفسيراً ماديَّاً مُتَهَلْهِلاً.. ومُشْكِلَةُ النصِّ والوصيَّةُ هما عقبةٌ كُبْرَى أمَامَهُم. فَهْيَ أَكْبَرُ مِنْ عقبةِ القرآنِ نفْسِهِ.
فَهَلْ فَهِمْتَ مَا أَقولُ؟.
إفْهَمْ يا أخي وشَغِّلْ عقْلَكَ.. فالقرآنُ عندَهُم أمْرُهُ هَيِّنٌ. وهَا هُمْ يَدْعُون لِفَهْمٍ آخرٍ للنصِّ بناءاً عَلَى طُرُقِ التحليلِ الجديدةِ الَّتي لا أَسوأَ مِنْهَا. وَلِذَلِكَ عَلَيْكَ أنْ تَقْرأَ أبحاثَ اللغَةِ كُلِّها الحديثَةَ والقَدِيمَةَ لِتَفْهَمَ المؤامرةَ!.
أَمَّا الوَصِيَّةُ فَهْيَ العَقَبَةُ الأَعْظَمُ عِنْدَهُم. ذَلِكَ لأنَّ مُحَمَّداً عِنْدَهُم لَيْسَ إلاَّ مُجَرَّدَ رَجُلٍ (عبقريٍّ) في أَحْسَنِ الأحوالِ، وَهْوَ صاحِبُ دَولَةٍ ومؤسِّسٌ لِمُجْتَمَعٍ، وقُرْآنُ السَّمَاءِ هُوَ مُجَرَّدُ ادِّعَاءٍ لإقنَاعِ الناسِ. وَلكنْ ظَهَرَ مِنْ سِيرَتِهِ وأَعمالِهِ أنَّهُ مُحِبٌّ للخَيرِ ورَجُلُ سياسَةٍ مُوَحِّدٍ لقومِهِ، فَهْوَ مُعَادٍ شديدَ العَداءَ للقبليَّةِ والعشائريَّةِ. ولذا كَانَ يُفْتَرَضُ أنْ يَضَعَ لَهُم نظاماً انتخابياً.
وَعَلَى تفسيرهم هَذا.. يَجِبُ ألاَّ يَكونَ في عَقيدتِهِ شيءٌ مِنْ مفاهيمِ الوراثَةِ والوَصيَّةِ والخلافَةِ العائليَّةِ، لأنَّهُ حَارَبَهَا أَصْلاً بِكُلِّ قُوَّةٍ.
ولا يمكنُ الجَمْعُ بَيْنَ محاربَتِهِ للعشائريَّةِ والقبليَّةِ وبَيْنَ تثبيتِهِ لوصيٍّ لَهُ مِنْ أَهْلِ بيتِهِ وجَعْلِهِ وَليَّاً لِعَهْدِهِ إلاَّ في حَالَةٍ واحِدَةٍ هِيَ أنَّهُ لا دَخَلَ لَهُ بِهَذا الأمْرِ، وأنَّهُ مأمورٌ بِهِ بالفِعْلِ مِنَ السَّمَاءِ. وَهَذا يُثْبِتُ عَكْسَ المطلوبِ.. إنَّهُ يُثْبِتُ أنَّهُ نبيٌّ بالفِعْلِ!. وإِذَنْ فالوصيَّةُ تُثْبِتُ النبوَّةَ!!.
الصراعُ كُلُّهُ هُوَ عَنْ نبوَّةِ مُحَمَّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم)!.
والإمامُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضَاً. فَقَدْ أَعَادَ كُلَّ أسبابِ البُغْضِ والحَرْبِ عَلَيْهِ إلى النبيِّ!
وَذَكَرَ أنَّ كُلَّ الَّذينَ لا يَقْدِرونَ عَلَى التصريحِ بتكذيبِ مُحَمَّدٍ أو مُحارَبَتِهِ سيسْلِكونَ سبيلاً آخرَ هُوَ محاربَةُ عليٍّ!.
وبِشَأنِ الوَصِيَّةِ فقَدْ ذَكَرَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) مَا يَشْبَهُ الاعتذارَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ بِشَأنِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام!.
فقَدْ ذَكَرَ لقُرَيشٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ أنَّهُ عَبْدٌ مأمورٌ ينفِّذُ مَا يُوحَى إليه، بَلْ اشْتَكَى وبَكَى لحُذَيفَةَ حَتَّى ابْتَلَتْ لحيَةُ حُذَيفَةَ لبكاءِ النبيِّ، إِذْ بَكَى مَعَهُ طويلاً وَهْوَ لا يَدْري مِمَّ يَبْكي!
وَكَانَ الَّذي أَبْكَاهُ هُوَ آيَةُ التبليغِ والولايَةِ.. فالإشاراتُ والنصوصُ الَّتي قَالَهَا في كُلِّ حياتِهِ لَمْ تَجْعَلِ القَومَ يُحبُّون عليّاً، بَلْ كانوا يحترِمونَهُ فَقَطْ لأَجْلِ إجلالِ النبيِّ لَهُ، ولِمواقفِهِ الَّتي لا مَغمَزَ فِيْهَا لأحَدٍ.
إنَّهُ إقرارٌ إجباريٌّ بالفضلِ!
وَلكنَّ النبيَّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) كَانَ يسعى للحُبِّ!
وأكَّدَ قضيَّةَ الحُبَّ في عشراتِ النصوصِ فراجِعْها في الكُتُبِ المخصَّصَةِ فإني لا أستطيعُ أنْ أذْكُرَ لك كُلَّ شيءٍ.
ولأَجلِ هَذا نَزَلَتْ آيَةُ (المودَّةِ) في القُرْبَى.
لكنَّ القومَ مَا أحبُّوا عليَّاً قط.. والذينَ أحَبُّوه ظَاهِرَاً وبَاطِنَاً كانوا نَفَراً معدودِينَ!!.
سَأكْشِفُ لَكَ الآنَ عَنْ هَذا السرِّ:
لقَدْ دَرَسْتُ حَيَاةَ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) في ثلاثينَ سَنَةٍ متواصِلَةٍ في علاقَتِهِ مَعَ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام وبقيَّةِ الأصْحَابِ وعُمومِ الناسِ والمُلَلِ.
لقَدْ اكْتَشَفْتُ أنَّ النبيَّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) كَانَ في مِحْنَةٍ كَبِيرَةٍ، وإنَّ اللهَ تَعَالَى استَمَرَّ في ابتلاءِهِ بِهَا.
وَهَذِهِ المحنَةُ هِيَ: عليٌّ بنَ أَبي طالبٍ.
صَحِيحٌ أنَّ عليَّاً ربيبُهُ وحبيبُهُ، فقَدْ كَانَ يَحبُّهُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الناسِ. ولكنِّي اكْتَشَفْتُ أنَُّه كَانَ يَتَمَنَّى لَو أنَّ هَذا الرَجُلَ الَّذي اسمُهُ عليٌّ بن أَبي طالبٍ لَيْسَ ابنَ عمِّهِ ولا يَمِتُ لَهُ بِصِلَةِ قُرْبَىً تُذْكَرُ!
كَانَ يتمنّى ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أنْ يُصَدِّقَ الناسَ أنَّهُ مَا أحَبَّهُ لأنَّهُ ابنُ عَمٍّ لَهُ.. فَمَا أَكْثَرَ أولاد العَمِّ!، بَيْدَ أنَّ عُقولَ الناسِ هِيَ عُقُولٌ عشائريَّةٌ وقَبَليَّةٌ، ولا زَالَتْ إلى اليومِ كَذَلِكَ. وقَدْ سَمِعْتُ إذاعَةً عربيَّةً يتحدَّثُ فِيْهَا رَجُلٌ عَن الانتخاباتِ المحليَّةِ وينقِدُها بالقَوْلِ:
(لا زالَ مجتمعنا غارقاً في العشائريَّةِ فَإِنَّهُم لا ينتخِبونَ لأيِّ سببٍ وجيهٍ سِوَى أنَّ هَذا ابن عمِّي وَهَذا مِنْ عشيرتي!!) ـ سَمِعْتُ هَذا بتاريخ 4/3/1999. فَكَيفَ كَانَتِ العشائريَّةُ قَبْلَ ألف وأربعمائة سنة؟.
إنَّ هُنَاكَ آياتٍ قرآنيَّةً تُشيرُ إلى هَذِهِ القضيَّةِ. وَهْيَ تؤكِّدُ لَهُ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) أنَّ مَا جَاءَهُ بِشأْنِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام هُوَ الحَقُّ، وأنَّ الحَقَّ لا يَتَجَزَّأُ!!.
إنَّ اللهَ يُريدُ أنْ يبتليَ الخَلْقَ بِهَذِهِ المسألةِ. فَمَنْ أحَبَّ مُحَمَّداً بِحَقٍّ لا بُـدَّ أنْ يُحِبَّ كُلَّ مَا يَأْتي بِهِ مُحَمَّدٌ حَتَّى لَو كَانَ يَخِصُّ أرحامَهُ!.
َذَلِكَ لأنِّي لَو قُلْتُ: (يُحَابي أرحامَهُ ويتحيَّزُ لَهُم)، فَهُنَاكَ عندي إِذَنْ شكٌّ أسْبَقٌ بنبوَّتِهِ!.
هَذا هُوَ مَكْرُ الله!
إنَّهُ يَسْتَخْرِجُ مكنونَ النفوسِ بأوامِرٍ غَريبَةٍ، ويبتلي بِهَا الخَلْقَ.
الدِّيْنُ هُوَ التسليمُ لأمْرِ اللهِ لا البَحْثُ في أمْرِ اللهِ!.
يَصِحُّ البَحْثُ حِينَمَا لا أَعْلَمُ بالأمْرِ والمُرَادِ الإلهيِّ، فأَبْحَثُ عَنِ المُرادِ!
وَبَعْدَ أنْ أعْرِفَ المُرادَ لا يِحِقُّ لي البَحْثَ، بَلْ أُسَلِّمُ وأَطِيْعُ..!
إنَّ هَذا الخَلْقَ أكثَرُهُ لا يَطيعُ.. إنَّهُ يُريدُ أنْ يُشَرِّعَ مَعَ اللهِ!
هَذِهِ هِيَ كُلُّ القَضِيَّةِ!
وفي النهايَةِ فليْسَتْ جَهَنَّمُ مَخْلوقَةً إلاَّ لِلْذينَ يريدونَ أنْ يُشَرِّعُوا مَعَ اللهِ.
فَهَلْ فَهِمْتَ الآنَ شيئاً مِنَ السِرِّ الإلهيِّ؟
هَلْ فَهِمْتَ لِماذَا يقولُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام:
(أَنَا الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ وَأَنَا السَّبِيلُ المُقِيمُ. أَنَا عَيْنُ المِيزانِ… الخ)
لأنَّ الأيمانَ بِصْدْقِ مُحَمَّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) إنَّمَا يُكْشَفُ ويُثْبَتُ بالإيمانِ بالأَمْرِ الأَصْعَبِ عَلَى النُّفوسِ. إنَّ مَرَضَ النُّفوسِ هُوَ حُبُّ الذَّاتِ.. إنَّهُ الشُّعورُ بالأَنَا.
كُلُّ المُسْتَكْبرِينَ يبدءونَ بِلَفْظِ (أَنَا) وأوَّلُهُم إبليسُ المَلْعُونُ حَيْثُ قَالَ:
{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } (76) سورة ص
وفِرْعونُ الخَبيثُ:
{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى} (24) سورة النازعات
ونَمْرودُ الكَافِرُ:
{..قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ..} (258) سورة البقرة
كُلُّ الَّذينَ يَبْدءونَ بالأنا يُلْقَونَ في أَتونِ جَهَنَّم!
وكُلُّ الَّذينَ يبدءون بـ (هُوَ) ـ هُوَ الَّذي ولا هُوَ سواه هُمُ الفائزون..
فَجَاءَكَ في هَذا أَمْرٌ وموعِظَةٌ وكَشْفٌ لِلسِرِّ.
فاقْرَأ الإخلاصَ فَلا خَلاصَ إلاَّ بالإخلاصِ:
قُلْ – هُوَ – اللهُ أَحَدٌ
يا هَذا لا تَقُلْ أنا.. إِذْ مَنْ أَنْت؟!
أَنْتَ جِيفَةٌ نَتِنَةٌ لَو مُتَّ فَلا يُبْقيكَ أحَبُّ الناسِ إليكَ أَكْثَرَ مِنْ ساعاتٍ قلائلٍ! لأنَّ جِيفَتَكَ ستُزْكِمُ أَنْفَهُ!
مِنْ أَنْتَ؟
أَنْتَ لا شيءَ!!
وإذا أَرَدْتَ أنْ تَكُونَ شيئاً فَلا سَبيلَ لَكَ إلاَّ الإقرار بأَنَّكَ لا شيء!
اللاشيء هُوَ الَّذي يَبْقَى..
الفَنَاءُ هُوَ الَّذي يكونُ فَقَط مَعَ المطلق!
لأنَّ اللهَ استحْوَذَ عَلَى الوجودِ كلِّهِ، وكلُّ مَا عَدَاهُ باطِلٌ…
أَتُريدُ أنْ تَفْهَمَ التوحيدَ؟
إِذَنْ فاقْرَأ أَدْعِيَةَ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام في مُسْتَدْرَكِ النَّهْجِ، وفي الصَحفيَةِ العَلويِّةِ الأولى والثانيةِ، إِذْ هُنَاكَ التوحيدُ!
أَمْ أنَّكَ تُريدُ أنْ تُسَجَّلَ مِنْ جُمْلَةِ الباحثينَ في الفْكْرِ والدِّينِ؟!
إنَّ سِجِلَّ المُوحِّدينَ مُخْتَلِفٌ يا صاحٍ عَنْ سِجِلّ ِالباحثين!
الباحثونَ هُمْ أَهْلُ الأَنَا.. وأَكْثَرُهُم مصيرُهُم إلى جَهَنَّمَ، لأنَّهُمْ يَفْتَرونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ..
والمُوحِّدونَ هُمْ (أَهْلُ اللَّيلِ ورُعَاةِ الشَّمْسِ والقَمَرِ والمَواقيتِ..)، قُدوَتُهُم سُليمانُ ومُحَمَّدٌ وعليٌّ وعليٌّ بن الحُسينِ، وكُلُّ بَكَّاءٍ في الليلِ مِنْ ذَنْبِهِ!
فَهَلْ بَكيتَ مِنْ ذَنْبِكَ حَتَّى تَكْتُبَ أَبْحَاثاً في دِينِ اللهِ!
عليٌّ يُعَلِّمُكَ البكاءَ في اللَّيلِ، عليٌّ يُعَلِّمُكَ التوحيدَ.
وَأمَّا الأَرْجاسُ فَيُعَلِّمونَكَ العَسَسَ في اللِّيلِ، والتَسَوُّرَ عَلَى الجُدْرانِ، والتَلَصُّصَ عَلَى الخَلْقِ، وتَجْريبَ (طلاءِ) الشامِ، وركوبَ الفَرَسِ بَدَلَ البَغْلِ خُطُواتٍ، وخَلْطَ الماءِ بالخَمْرِ حَتَّى يَحُلَّ في دِينِ مُحَمَّد!!
الأَرْجَاسُ يُعَلِّمونَكَ: (إذا قَبَلَ ثَلاثَةٌ وأَبَى إثنانِ فاضْرِبْ عُنُقَيهِمَا بالسَّيفِ!، وإذا أَبَى ثَلاثَةٌ وقَبَلَ ثلاثةٌ فَكُنْ مَعَ الثلاثَةِ الَّذينَ فيهِم الوَلَدُ الَّذي يُقَالَ إنَّه ابنَ فُلانٍ!)!
والأوليَاءُ يعلِّمونَكَ: (كُنْ مَظلومَاً ولا تَكُنْ ظَالِمَاً إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بُـدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا فَوَرَاءُكَ حِسَابٌ شَديدٌ)!!
الأَرْجَاسُ يُريدونَ أنْ يَلْقوكَ في جَهَنَّمَ،
والأوليَاءُ يريدونَ لَكَ الخَيْرَ.. يُريدونَ إنقاذَكَ..
وَكَانَتْ تِلْكَ شَكْوى عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام حَيْثُ قَالَ مُخَاطِبَاً النَّاسَ:
(أَنَا أُريدُكُم لِلَّهِ وَأَنْتُم تُريدونَنَي لِدُنْيَاكُم …!! أو (أنفسكم) خطبة/134.
الناسُ هُمُ الناسُ في كُلِّ زمانٍ:
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ باللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} (106) سورة يوسف
فَهَلْ يَظِنٌّ هَذا الأَفَّاكُ الكَذوبُ أَنَّ أَهْلَ الشُّورَى هُمُ الناجونَ مِنَ النَّارِ دونَ أَهْلِ الوَصِيَّةِ؟.
إنَّ هَذا الكاتِبَ يَتَّهِمُ اللهُ بالجّورِ وقَوْلِ مَا لا يَفْعَلُ!
فَإنَّهُ تَعَالَى قَالَ بِنَجَاةِ الأَقَلّيَةِ وهَلاكِ الأكثريَّةِ. ففي سُورَةِ الواقِعَةِ قَسَّمَ الخَلْقَ ثلاثَةَ أَقسامٍ: أصحابُ المشئَمَةِ وأصْحَابُ المَيْمَنَةِ والسابِقونَ السابِقون.
وَحِينَمَا فَصَّلَ القَولَ فيهِم قَالَ في أَصْحَابِ المَيمَنَةِ: ثُلَّةٌ مِنَ الأوّلين وقليلٌ مِنَ الآخرين. وَقَالَ في السابِقين: ثُلَّةٌ مِنَ الأولين وثُلَّةٌ مِنَ الآخرين. وسَكَتَ عَنْ أصْحَابِ المَشْئَمَةِ، إِذْ الباقي مِنَ القليلِ لَيْسَ سِوَى الكثير. إنَّها أُمَمٌ كامِلَةٌ:
{... كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا..} (38) سورة الأعراف
أَمْ أَنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ لَيْسَتْ مِنَ الناسِ حَيْثُ يَقولُ تَعَالَى:
{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (103) سورة يوسف
بَلَى.. هَذِهِ الأُمَّةُ مِنَ الناسِ ويَصْدُقُ عَلَيْهَا المذكورُ.
بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
س. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام
نَحْنُ الشَّعَارُ وَالأَصْحَابُ وَالخَزَنَةُ وَالأبواب. وَلا تُؤْتَى البيوتُ إلاَّ مِنْ أَبْوَابِهَا فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيرِ أَبْوَابِهَا عُدَّ سَارِقَاً..
نهج البلاغة/ الخطبة/ 152
كَيفَ تقولُ أَيُّهَا الكذَّابُ أنَّ عليَّاً لَمْ يَكُنْ يَرَى لنفسِهِ ولأَهْلِ بيتِهِ حَقَّاً في الإمامَةِ ولا أشارَ إلى الوَصِيَّةِ؟.
فَمَا مَعْنَى هَذا الكَلامِ؟
وكَيفَ تقولُ لا شيءَ في نَهْجِ البَلاغَةِ يُشيرُ إلى ذَلِكَ؟!!.
أَوَ لَيْسَ مَعْناهُ أنَّكَ تُريدُ الوصولَ إلى الدِّينِ مِنْ غَيرِ البابِ الَّذي وَضَعَهُ اللهُ (وَلَنْ تَصِلَ..)؟.
فَأَنْتَ إِذَنْ بِحَسَبِ هَذا النصِّ سارِقٌ!
فيا لبؤسِكَ: كذّابٌ وسارقٌ أَيْضَاً؟!.
لأنَّ قولَكَ هُوَ بِخِلافِ مَا قَال.
أقولُ: الألفاظُ الوارِدَةُ في النصِّ مَنْبَعُهَا قرآنيٌّ:
فالشَّعارُ النبويُّ (يا مَنْصورُ أَمِتْ) وَهْوَ عَلَى الرايَةِ ومواردُ النَّصْرِ كلُّها فيهِم عليهمُ السَّلام.
ومن ذَلِكَ قولُهُ تَعَالَى:
{وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (13) سورة الصف
والآيةُ هِيَ في المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام.
وقولُهُ تَعَالَى:
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (51) سورة غافر
فالرُّسُلُ لَمْ يُنْصَروا بَلْ كُذَّبُوا كَمَا نصَّ عَلَيْهِ القرآنُ، ويَكونُ نَصْرُهُم يومَ المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام.
وَكَذَلِكَ بقيَّةُ الموارِدِ القرآنيَّةِ الكثيرَةِ وفيها نصوصٌ نبويّةٌ كثيرةٌ جِدَّاً (من الفريقين) حَسَبَ تعبيرِهِم.
وقولُهُ: (الأصحابُ) هُمْ أصحابُ الأعرافِ. وحالُهُم مَزبورٌ في سورَةِ الأعرافِ يَلعنونَ الحُكَّامَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ وأَتْباعَهم وأَشْياعَهُم ويدخلونَهُم النارَ ويشفَعونَ لشيعَةِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام وَلِمَنْ وَالاهُم وآمَنَ باللهِ وحدِهِ وَلَمْ يُشْرِكْ في حُكْمِهِ أحَداً سِوَاه.
وقولُهُ: (الخَزَنَةُ) خَزَنَةُ جهنَّمَ وخَزَنَةُ الجنَّةِ. ذَلِكَ أنَّ أميرَ هَؤُلاءِ يومَ القيامةِ هُوَ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام. كَذَلِكَ في الرجعَةِ بَعْدَ ظهورِ المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام، وفيه اتِّفَاقٌ دلاليٌّ نصيٌّ مَعَ القرآنِ والسنَّة كَمَا قَالَ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم):
عليٌّ قَسيمُ الجنَّةِ والنَّارِ
قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِ احتجَاجِ الأتْبَاعِ عَلَى قَادَتِهِم في النارِ:
{وَقَالَ الَّذينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } (49 ـ 50) سورة غافر
هَذِهِ آيةٌ مِنَ الآياتِ العجيبَةِ جِدَّاً وَهْيَ تُثْبِتُ أنَّ العَذابَ كَانَ مِنْ أيدِيهِم وبأيديهِم بحَيثُ أنَّ العارِفَ بالحقائِقِ قادِرٌ عَلَى تغييرِ الحالِ بالدُّعاءِ. وَلِذَلِكَ قالوا لَهُم: (أدْعوا أَنْتُم فَنَحْنُ وإيَّاكُم سواء في مَعْرِفَةِ الحقائِقِ مَا دامَتْ رسلُكُم قَدْ جاءَتْكُم بالبيِّنَاتِ وتُقِرُّونَ أَنَّكُم تعرِفُونَهَا جيِّداً..).
وبالطَبْعِ يَدْعُون.. وَلكنَّ دعاءَهُم في ضَلالٍ وأوامِرَهُم إلى النارِ ومَصَادِرَ العذابِ لا تنفذُ لأنَّ نواياهُم خبيثةٌ لا لأنَّ عِلْمَهُم قاصِرٌ.. وهُمْ مِثْلُ هَذا الكاتبِ يَعْرِفُ الحَقَّ ويعرِضُ عَنْهُ.
هَذا الأمرُ يتحقَّقُ بَعْدَ انكِشَافِ الحُجَبِ بَيْنَ الفِعْلِ والواقِعِ عِنْدَ حُصولِ التغييرِ الطبيعيِّ أُبانَ ظهورِ المهديِّ عَلَيْهِ السَّلام.
والحديثُ هُوَ عَنْ مرحلَةِ (النارِ)، وَلكنَّ الخِطَابَ لِخَزَنَةِ جهنَّمَ. والنارُ هِيَ إحْدَى مراحلِهَا الأولى.
وقَدْ سمَّى الرسولُ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) عليّاً قَسيمَ الجنَّةِ والنارِ وحامِلَ رايَةَ النبي (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) يومَ القيامَةِ وحامِلَ اللواءِ (وفيه دلالةٌ عَلَى الشَّعَارِ) وسمَّاه صاحِبَ الحوضِ وصاحِبَ الجَوَازِ. وفي كُلٍّ مِنْهَا نصوصٌ أَخْرَجَهَا أصحابُ الحديثِ قَبْلَ عَصْرِ الكلامِ والفِقْهِ، فمنها مثلاً:
الحديثُ الأوَّلُ: حديثُ حِمْلِ الرايَةِ:
عَنِ ابنِ سَمْرَةَ قَالَ قالوا لرسولِ اللهِ: (يا رسولَ اللهِ مَنْ يَحْمِلُ رايتَكَ يومَ القيامَةِ؟. قَالَ: (مَنْ عَسَى أنْ يحمِلَهَا يومَ القيامَةِ إلاَّ مَنْ كَانَ يَحْمِلُهَا في الدُّنْيَا عليٌّ ابنَ أَبي طالبٍ)
هَذا الحديث هُوَ المرقم 398/ ج6 من أحاديث الكنز.
قَالَ: وأَخْرَجَهُ الطبرانيُّ أَيْضَاً. وَهْوَ في الحلية ج1/66.
أقول: وبحَثْتُ عَنْهُ في مَا أُسْنِدَ إلى جابرَ بنَ سَمْرَةَ فوجَدْتُه فِعْلاً عِنْدَ الطبراني في ج2/ص247/ طبعة بغداد ـ وزارة الأوقاف وَهْوَ المرقم (2036) من الجزءِ الثاني. وَلكنَّ لفظَهُ مُخْتَلِفٌ، والاختلافُ هامٌّ. فَفِيهِ قَالَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم):
وَمَنْ يُحْسِنُ أْن يَحْمِلْهَا إلاَّ مَنْ حَمَلَهَا في الدُّنْيَا عليٌّ بنَ أَبي طالبٍ
والظاهِرُ أنَّ بَعْضَ عَبَدَةِ الطاغوتِ أَبْدَلَ مُفْرَدَةَ (يُحْسِنُ) بِلَفْظِةِ (عَسَى) للتخفيفِ مِنْ وطئَتِهَا عَلَى القومِ. وَرَوَاهُ الخَطيبُ أَيْضَاً في ج14/ص98.
الحديثُ الثاني: حديثُ حِمْلِ اللواءِ (لواءِ الحَمْدِ):
عَنِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) وَذَكَرَ خَمْسَةَ خِصَالٍ لعليٍّ عَلَيْهِ السَّلام قَالَ: (وَأمَّا الرابِعَةُ فإنَّ لواءَهَا مَعَهُ يومَ القيامَةِ وَتَحْتَهُ آدمُ وَمَا وَلَدَ)
ذكره في الكنز ج6/403 عَن الحارثَ.
وَوَرَدَ حديثَ حِمْلِ اللواءِ في نصوصٍ أُخْرَى متفرِّقَةٍ في ذخائر العقبى/75 والرياض النضِرَة ج 2/201 والكنز ج 6/393 عَن ابن عباس.
الحديثُ الثالثُ: حديثُ سِقايَةِ حَوضِ الكَوثَرِ:
عَن أَبي سعيدٍ قَالْ: قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): يا عليٌّ مَعَكَ يومَ القيامَةِ عَصَاً مِنْ عَصِيِّ الجَنَّةِ تَذودُ بِهَا المُنافِقينَ عَن حَوضِي
تهذيب التهذيب/ج3/284 والمجمع ج9/135.
ومن الفاظِهِ الأُخْرَى:
عَنْ أَبي هريرَةَ وجابرَ بن عبد الله قَالا: قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) : عليٌّ بنَ أَبي طالبٍ حَوضي يَوْمَ القيامَةِ فِيهِ أكوابٌ كَعَدَدِ نُجومِ السماءِ، وسِعَةُ حَوضي مَا بَيْنَ الجابيَةَ إلى صَنْعَاءَ
المجمع ج10/.367 قَالْ: (وقَدْ رواه الطبراني في الأوسط).
والأحاديثُ في هَذا كثيرةٌ. فانظر: تاريخ بغداد ج14/98، والحلية/ج10/211، والكنز ج 6/402، والمستدرك للحاكِمَ ج3/138، وأَحاديثٌ أُخْرَى متفرِّقَةٌ في الكَنْزِ بِهَذا المضمونِ في ج 6/400، 403، 393.
الحديثُ الرابِعُ: حديثُ صاحِبِ الجَوَازِ:
عَنِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) قَالَ: (إنَّ عَلَى الصِّرَاطِ لَعَقَبَةً لا يَجُوزُهَا أَحَدٌ إلاَّ بِجَوَازٍ مِنْ عليٍّ بنَ أَبي طالبٍ..)
وفيهِ ألفاظٌ مختلِفَةٌ ومضامينٌ متعَدِّدَةٌ. ومِنْ مصادِرِهِ تاريخُ بغدادَ للخطيبَ ج10/356، والرياضُ النضِرَةُ ج2/172 و177.
الحديثُ الخامِسُ: حَديثُ قَسيمِ الجنَّةِ والنارِ:
وَرَدَ هَذا الحديثُ في المُنَاشدَةِ المذكورَةِ سابقاً حَيْثُ احتجَّ بِهِ عَلَيْهِ السَّلام عَلَى الإمامَةِ. وَذَكَرَ ابنُ حجر أنَّهُ قَالَهَ للستَّةِ أصحابِ شُورَى عُمَر في كلامٍ طويلٍ منه:
أَنْشِدُكُم اللهَ هَلْ فيكُم أَحَدٌ قَالَ لَهُ رسولُ الله صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ: يا عليٌّ أَنْتَ قَسيمُ الجنَّةِ والنارِ غَيري؟. قالوا: اللَّهُمَّ لا
مِنْ مصادِرِهِ: الصواعق/75. وَهْوَ مِنْ أحاديثِ الكنز ج6/402. وَذَكَرَهُ المناوي في كنوز الحقائق/92.
فإذا كَانَ أصحابُ الشُّورَى يَكْذِبونَ في روايَةِ هَذِهِ الأحاديثِ في مَنْ هُوَ خصمُهُم بالإمَامَةِ، فَهُمْ في الشُّورَى أَكْذَبُ.
فَهَلْ هَذا مِنْ كَلامِ المتكلِّمينَ أَيُّهَا الأفَّاكُ أَمْ هُوَ مِنْ كلامِ رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم)؟
عَوْدَةٌ لِشَرْحِ فَقَرَةٍ أُخْرَى من قولِهِ في (س):
قولُهُ عَلَيْهِ السَّلام في النصِّ:
(والأبوابُ): المُرَادُ أبوابُ رحمَتِهِ تَعَالَى وأبْوابُ العِلْمِ وأبوابُ الخَيرِ.. وَهْيَ إشارةٌ مُخْتَصَرَةٌ لِمَا وَرَدَ عَن النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) في كَونِهِ باب مدينَةِ العِلْمِ وباب بيتِ الحكمَةِ وسِواهَا مِنْ ألفاظٍ. وَمَا يَلي الأحاديثُ الوارِدَةُ:
الحديثُ الأوَّلُ:
قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): عَلِيٌّ بَابُ عَمَلي ومُبَيِّنٌ لأمَّتي مَا أُرْسِلْتُ بِهِ مِنْ بَعْدي
مصادِرُهُ: كنز العمال/6/156، فضائل عليٍّ للسيوطي/ح38.
الحديثُ الثاني:
قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أَنَا دَارُ الحِكمَةِ وعَليٌّ بَابُهَا
مصادِرُهُ: صحيحُ الترمذي 2/214/الحلية/1/64، مصابيح السنة/2/275.
الحديثُ الثالثُ:
قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أَنَا دَارُ العِلْمِ وعليٌّ بَابُهَا
مصادرُهُ: ذخائر الطبري/77 ـ البغوي في المصابيح.
الحديثُ الرابِعُ:
قَالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم): أَنَا مَدينَةُ العِلْمِ وعَليٌّ بابُهَا ولا تُؤْتَى البيوتُ إلاَّ مِنْ أَبْوابِهَا
مصادرُهُ: مستدركُ النيسابوري/3/126ـ128، مناقب ابن شهراشوب 1/261 الطبراني في الأوسط والكبير ـ بالرواة الحرث، عاصم، حذيفة، ابن عباس، سعيد ابن جبير. فابْحَثْ عَنْهُ في هَذِهِ الأسماءِ لأنَّ ترتيبَ معجمِهِ عَلَى الأسماءِ لا عَلَى مضمونِ الحديثِ، المناقب لابن حنبل/241، مسند البزار الكبير، مستدرك الحاكم عَلَى الصحيحين 3/127، جامع الترمذي/279/ الاستيعاب لابن عبد البر /2/461، أسد الغابة/4/22، تذكرة الحفاظ للذهبي 4/28، العسقلاني في التهذيب 7/337.
هَذا وَهُنَاكَ ثَبْتٌ بمصادِرِ الحديثِ ورواتِهِ وَهْيَ تبلُغُ (143) مصدراً من كُتُبِ العامَّةِ عدا مئاتِ المواردِ الأُخْرَى لَهُ في كُتُبِ الأدَبِ واللغَةِ والدراساتِ. وقَدْ جَلَّى أكْثَرَهَا الحِبْرُ العَلَمُ المُجَاهِدُ عَبْدُ الحسين الأميني النجفي في كتابِهِ "الغدير" الَّذي هُوَ شوكةٌ في عيونِ الحاقِدين إلى يَوْمِ الدِّين، يَخافونَ الاقترابَ مِنْهُ لأنَّ فِيهِ فضائِحَهُم ومخازيَهُم، ولا قُدْرَةَ لَهُم عَلَى تزويرِ وإعادَةِ طَبْعِ مئاتِ المصادِرِ كَمَا فَعَلوا في بَعْضِها فغيَّروها وحرَّفوها.. ولا يقْدِرون عَلَى صَرْفِ الأموالِ الطائلةِ عَلَى هَذِهِ الغايَةِ وبطونُهُم نَهِمَةٌ لا تَشْبَعُ إلاَّ أنْ تُحْشَى ناراً في جهنَّمَ وَمَا ربُّكَ بظلامٍ للعبيد.
لَمْ يكتفوا بالمحنَةِ الَّتي وَقَعَتْ عَلَى عُلَمَاءِ السنَّةِ القُدَامى حَيْثُ أخْرَجوا هَذِهِ الأحاديثَ لإفهامِ الأجيالِ محنتَهُم مَعَ السُلُطات.ِ فإذا الزمانُ يأتي بِقومٍ يكذِّبونَ أَهلَ السنَّةِ والشيعَةِ فيما حدَّثوا بِهِ ونَقَلوهُ تَمهيداً للإجهَازِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ!!
وَهَذِهِ هِيَ حقيقَةُ أهدافِهِم.. ولا تَحْسب أنَّ عليَّ بنَ أَبي طالبٍ وخصومَهُ هُمْ الموضوعُ!
لا.. لا يا أخي القارئ لا تتوهَّم في هَذا. فالكلامُ كُلُّهُ والصِراعُ كُلُّهُ لا زالَ يَدورُ عَلَى.. (مُحَمَّد)!!.
وَمَا هَذِهِ الأسماءُ إلاَّ واجِهَاتٌ أُخْرَى لِهَذا الصراعِ لا غير!.
فإذا شَكَكْتَ فانْظُرْ جَميعَ مؤلَّفَاتِ هَذِهِ الموجَةِ الجديدةِ!
فإنَّها مُنَظَّمَةٌ بدقَّةٍ مُتناهيَةٍ ومرسومةُ الخطوطِ، وَهَذِهِ بَعْضُ أسماءها:
صادق جلال العظم، مُحَمَّد شحرور، نصر أَبو زيد، سلمان رشدي، أحمد الكاتب ـ تَيَّارٌ واحِدٌ وهَدَفٌ مُشْتَرَكٌ يُديرُهُ مُحَمَّدٌ الجابري. رأسُ مالِهِ الكَذِبُ وسلاحُهُ اللغَةُ وجيوبُهُ عيونُ البترولِ العربيِّ ومَكْتَبُهُ طاوِلَةُ المفاوضَاتِ مَعَ إسرائيلَ…
وآخرون هَرَعوا خَلْفَهُم بلا وعيٍّ ولا هُدىً ولا كِتابٍ منيرٍ بِحُجَّةِ التجديدِ. وَمَا جاءوا بجديدٍ سِوَى جَديدِ الملأِ مِنْ قُرَيشٍ!
ألا تُلاحِظُ هَذا الأفَّاكَ يُدَافعُ عَن دَعاوَى قُرَيشٍ ضِدَّ الأنصارِ وآلِ الرسول؟.
وَكَذَلِكَ يفْعَلُ أَبو زيد ورشدي وشحرور فَإِنَّهُم يُفَسِّرونَ الدِّينَ تَفسيراً ماديَّاً مُتَهَلْهِلاً.. ومُشْكِلَةُ النصِّ والوصيَّةُ هما عقبةٌ كُبْرَى أمَامَهُم. فَهْيَ أَكْبَرُ مِنْ عقبةِ القرآنِ نفْسِهِ.
فَهَلْ فَهِمْتَ مَا أَقولُ؟.
إفْهَمْ يا أخي وشَغِّلْ عقْلَكَ.. فالقرآنُ عندَهُم أمْرُهُ هَيِّنٌ. وهَا هُمْ يَدْعُون لِفَهْمٍ آخرٍ للنصِّ بناءاً عَلَى طُرُقِ التحليلِ الجديدةِ الَّتي لا أَسوأَ مِنْهَا. وَلِذَلِكَ عَلَيْكَ أنْ تَقْرأَ أبحاثَ اللغَةِ كُلِّها الحديثَةَ والقَدِيمَةَ لِتَفْهَمَ المؤامرةَ!.
أَمَّا الوَصِيَّةُ فَهْيَ العَقَبَةُ الأَعْظَمُ عِنْدَهُم. ذَلِكَ لأنَّ مُحَمَّداً عِنْدَهُم لَيْسَ إلاَّ مُجَرَّدَ رَجُلٍ (عبقريٍّ) في أَحْسَنِ الأحوالِ، وَهْوَ صاحِبُ دَولَةٍ ومؤسِّسٌ لِمُجْتَمَعٍ، وقُرْآنُ السَّمَاءِ هُوَ مُجَرَّدُ ادِّعَاءٍ لإقنَاعِ الناسِ. وَلكنْ ظَهَرَ مِنْ سِيرَتِهِ وأَعمالِهِ أنَّهُ مُحِبٌّ للخَيرِ ورَجُلُ سياسَةٍ مُوَحِّدٍ لقومِهِ، فَهْوَ مُعَادٍ شديدَ العَداءَ للقبليَّةِ والعشائريَّةِ. ولذا كَانَ يُفْتَرَضُ أنْ يَضَعَ لَهُم نظاماً انتخابياً.
وَعَلَى تفسيرهم هَذا.. يَجِبُ ألاَّ يَكونَ في عَقيدتِهِ شيءٌ مِنْ مفاهيمِ الوراثَةِ والوَصيَّةِ والخلافَةِ العائليَّةِ، لأنَّهُ حَارَبَهَا أَصْلاً بِكُلِّ قُوَّةٍ.
ولا يمكنُ الجَمْعُ بَيْنَ محاربَتِهِ للعشائريَّةِ والقبليَّةِ وبَيْنَ تثبيتِهِ لوصيٍّ لَهُ مِنْ أَهْلِ بيتِهِ وجَعْلِهِ وَليَّاً لِعَهْدِهِ إلاَّ في حَالَةٍ واحِدَةٍ هِيَ أنَّهُ لا دَخَلَ لَهُ بِهَذا الأمْرِ، وأنَّهُ مأمورٌ بِهِ بالفِعْلِ مِنَ السَّمَاءِ. وَهَذا يُثْبِتُ عَكْسَ المطلوبِ.. إنَّهُ يُثْبِتُ أنَّهُ نبيٌّ بالفِعْلِ!. وإِذَنْ فالوصيَّةُ تُثْبِتُ النبوَّةَ!!.
الصراعُ كُلُّهُ هُوَ عَنْ نبوَّةِ مُحَمَّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم)!.
والإمامُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَيْضَاً. فَقَدْ أَعَادَ كُلَّ أسبابِ البُغْضِ والحَرْبِ عَلَيْهِ إلى النبيِّ!
وَذَكَرَ أنَّ كُلَّ الَّذينَ لا يَقْدِرونَ عَلَى التصريحِ بتكذيبِ مُحَمَّدٍ أو مُحارَبَتِهِ سيسْلِكونَ سبيلاً آخرَ هُوَ محاربَةُ عليٍّ!.
وبِشَأنِ الوَصِيَّةِ فقَدْ ذَكَرَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) مَا يَشْبَهُ الاعتذارَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ بِشَأنِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام!.
فقَدْ ذَكَرَ لقُرَيشٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ أنَّهُ عَبْدٌ مأمورٌ ينفِّذُ مَا يُوحَى إليه، بَلْ اشْتَكَى وبَكَى لحُذَيفَةَ حَتَّى ابْتَلَتْ لحيَةُ حُذَيفَةَ لبكاءِ النبيِّ، إِذْ بَكَى مَعَهُ طويلاً وَهْوَ لا يَدْري مِمَّ يَبْكي!
وَكَانَ الَّذي أَبْكَاهُ هُوَ آيَةُ التبليغِ والولايَةِ.. فالإشاراتُ والنصوصُ الَّتي قَالَهَا في كُلِّ حياتِهِ لَمْ تَجْعَلِ القَومَ يُحبُّون عليّاً، بَلْ كانوا يحترِمونَهُ فَقَطْ لأَجْلِ إجلالِ النبيِّ لَهُ، ولِمواقفِهِ الَّتي لا مَغمَزَ فِيْهَا لأحَدٍ.
إنَّهُ إقرارٌ إجباريٌّ بالفضلِ!
وَلكنَّ النبيَّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) كَانَ يسعى للحُبِّ!
وأكَّدَ قضيَّةَ الحُبَّ في عشراتِ النصوصِ فراجِعْها في الكُتُبِ المخصَّصَةِ فإني لا أستطيعُ أنْ أذْكُرَ لك كُلَّ شيءٍ.
ولأَجلِ هَذا نَزَلَتْ آيَةُ (المودَّةِ) في القُرْبَى.
لكنَّ القومَ مَا أحبُّوا عليَّاً قط.. والذينَ أحَبُّوه ظَاهِرَاً وبَاطِنَاً كانوا نَفَراً معدودِينَ!!.
سَأكْشِفُ لَكَ الآنَ عَنْ هَذا السرِّ:
لقَدْ دَرَسْتُ حَيَاةَ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) في ثلاثينَ سَنَةٍ متواصِلَةٍ في علاقَتِهِ مَعَ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام وبقيَّةِ الأصْحَابِ وعُمومِ الناسِ والمُلَلِ.
لقَدْ اكْتَشَفْتُ أنَّ النبيَّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) كَانَ في مِحْنَةٍ كَبِيرَةٍ، وإنَّ اللهَ تَعَالَى استَمَرَّ في ابتلاءِهِ بِهَا.
وَهَذِهِ المحنَةُ هِيَ: عليٌّ بنَ أَبي طالبٍ.
صَحِيحٌ أنَّ عليَّاً ربيبُهُ وحبيبُهُ، فقَدْ كَانَ يَحبُّهُ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الناسِ. ولكنِّي اكْتَشَفْتُ أنَُّه كَانَ يَتَمَنَّى لَو أنَّ هَذا الرَجُلَ الَّذي اسمُهُ عليٌّ بن أَبي طالبٍ لَيْسَ ابنَ عمِّهِ ولا يَمِتُ لَهُ بِصِلَةِ قُرْبَىً تُذْكَرُ!
كَانَ يتمنّى ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أنْ يُصَدِّقَ الناسَ أنَّهُ مَا أحَبَّهُ لأنَّهُ ابنُ عَمٍّ لَهُ.. فَمَا أَكْثَرَ أولاد العَمِّ!، بَيْدَ أنَّ عُقولَ الناسِ هِيَ عُقُولٌ عشائريَّةٌ وقَبَليَّةٌ، ولا زَالَتْ إلى اليومِ كَذَلِكَ. وقَدْ سَمِعْتُ إذاعَةً عربيَّةً يتحدَّثُ فِيْهَا رَجُلٌ عَن الانتخاباتِ المحليَّةِ وينقِدُها بالقَوْلِ:
(لا زالَ مجتمعنا غارقاً في العشائريَّةِ فَإِنَّهُم لا ينتخِبونَ لأيِّ سببٍ وجيهٍ سِوَى أنَّ هَذا ابن عمِّي وَهَذا مِنْ عشيرتي!!) ـ سَمِعْتُ هَذا بتاريخ 4/3/1999. فَكَيفَ كَانَتِ العشائريَّةُ قَبْلَ ألف وأربعمائة سنة؟.
إنَّ هُنَاكَ آياتٍ قرآنيَّةً تُشيرُ إلى هَذِهِ القضيَّةِ. وَهْيَ تؤكِّدُ لَهُ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) أنَّ مَا جَاءَهُ بِشأْنِ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام هُوَ الحَقُّ، وأنَّ الحَقَّ لا يَتَجَزَّأُ!!.
إنَّ اللهَ يُريدُ أنْ يبتليَ الخَلْقَ بِهَذِهِ المسألةِ. فَمَنْ أحَبَّ مُحَمَّداً بِحَقٍّ لا بُـدَّ أنْ يُحِبَّ كُلَّ مَا يَأْتي بِهِ مُحَمَّدٌ حَتَّى لَو كَانَ يَخِصُّ أرحامَهُ!.
َذَلِكَ لأنِّي لَو قُلْتُ: (يُحَابي أرحامَهُ ويتحيَّزُ لَهُم)، فَهُنَاكَ عندي إِذَنْ شكٌّ أسْبَقٌ بنبوَّتِهِ!.
هَذا هُوَ مَكْرُ الله!
إنَّهُ يَسْتَخْرِجُ مكنونَ النفوسِ بأوامِرٍ غَريبَةٍ، ويبتلي بِهَا الخَلْقَ.
الدِّيْنُ هُوَ التسليمُ لأمْرِ اللهِ لا البَحْثُ في أمْرِ اللهِ!.
يَصِحُّ البَحْثُ حِينَمَا لا أَعْلَمُ بالأمْرِ والمُرَادِ الإلهيِّ، فأَبْحَثُ عَنِ المُرادِ!
وَبَعْدَ أنْ أعْرِفَ المُرادَ لا يِحِقُّ لي البَحْثَ، بَلْ أُسَلِّمُ وأَطِيْعُ..!
إنَّ هَذا الخَلْقَ أكثَرُهُ لا يَطيعُ.. إنَّهُ يُريدُ أنْ يُشَرِّعَ مَعَ اللهِ!
هَذِهِ هِيَ كُلُّ القَضِيَّةِ!
وفي النهايَةِ فليْسَتْ جَهَنَّمُ مَخْلوقَةً إلاَّ لِلْذينَ يريدونَ أنْ يُشَرِّعُوا مَعَ اللهِ.
فَهَلْ فَهِمْتَ الآنَ شيئاً مِنَ السِرِّ الإلهيِّ؟
هَلْ فَهِمْتَ لِماذَا يقولُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام:
(أَنَا الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ وَأَنَا السَّبِيلُ المُقِيمُ. أَنَا عَيْنُ المِيزانِ… الخ)
لأنَّ الأيمانَ بِصْدْقِ مُحَمَّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) إنَّمَا يُكْشَفُ ويُثْبَتُ بالإيمانِ بالأَمْرِ الأَصْعَبِ عَلَى النُّفوسِ. إنَّ مَرَضَ النُّفوسِ هُوَ حُبُّ الذَّاتِ.. إنَّهُ الشُّعورُ بالأَنَا.
كُلُّ المُسْتَكْبرِينَ يبدءونَ بِلَفْظِ (أَنَا) وأوَّلُهُم إبليسُ المَلْعُونُ حَيْثُ قَالَ:
{قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } (76) سورة ص
وفِرْعونُ الخَبيثُ:
{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلَى} (24) سورة النازعات
ونَمْرودُ الكَافِرُ:
{..قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ..} (258) سورة البقرة
كُلُّ الَّذينَ يَبْدءونَ بالأنا يُلْقَونَ في أَتونِ جَهَنَّم!
وكُلُّ الَّذينَ يبدءون بـ (هُوَ) ـ هُوَ الَّذي ولا هُوَ سواه هُمُ الفائزون..
فَجَاءَكَ في هَذا أَمْرٌ وموعِظَةٌ وكَشْفٌ لِلسِرِّ.
فاقْرَأ الإخلاصَ فَلا خَلاصَ إلاَّ بالإخلاصِ:
قُلْ – هُوَ – اللهُ أ