بسم الله الرحمان الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
أقول(عالم سبيط النيلي ) : عَلامَ كتبَ كلُّ أُولَئِكَ العلماء تلكم الكتب والمؤلفاتِ؟، أليسَ لإثباتِ مَا أرادَ اللهُ إثباتهِ في كتابِهِ وسنَّةِ نبيِّهِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) بعْدَ إنْ تكاثرَ الشكُّ فِيهِ سواء داخل الشيعة أو خارجها؟، فَكَيفَ لمْ يسمعْ الكاتبُ في حياتِهِ بوجودِ من يشكُّ في المهدي؟ أَمْ أنَّه سمع بوجودِ من ينكر اللهَ فاعتبره مسألةً هيِّنةً قياساً إلى المهدي؟.
لكنَّنا تركنا الكثيرَ الكثيرَ جِدَّاً، فهناك ألوفُ الكُتبِ الَّتي ذُكِرَ فِيْهَا المهديُّ. وكلُّ ذلكَ إنَّما جرى للردِّ عَلَى الشُّكاكِ تَمَامَاًَ مثلما انبرى العلماءُ لإثباتِ النبوَّةِ والمعادِ وعمومِ الإمامةِ، بل وإثباتِ وجود الله بوجهِ أل الشكِّ. بل الشكُّ قرينٌ لذكرِ المهدي في أصولِ الأحاديثِ النبويَّةِ لأنَّه مسألةٌ يبتلي بها الخَلْقُ ويُمحَّصوا ويميَّزوا ويغربلوا حتى يحي من حي عن بيّنةٍ... بل التكذيبُ بالمهدي وَرَدَ في القرآنِ والسنَّةِ في عشراتِ المواضعِ، ولكنَّ العيونَ عماءٌ والآذانُ صمَّاءٌ والقلوبُ متحجِّرةٌ قاسيةٌ طال عَلَيْهَا الأمدُ فقستْ واحتذَت بالأممِ السالفةِ كَمَا ذكرَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) حذوَ القذّة بالقذّةِ والنعلِ بالنعلِ حتى لَو دخلوا جحر ضبٍّ لدخلَتهُ هذه الأمة. وَهْوَ واقعٌ مُعاينٌ بين أيدينا.
من أوَّلَِ سطورٍ قرأتها وأنا أدركُ كلَّ الكشوفاتِ اللاحقةِ للكاتبِ، وبدأتُ الردَّ ولمْ أقرأ سوى سبع صفحاتٍ.. لِماذَا؟!
لأنني أعلمُ إلى أيِّ موضعٍ يريدُ الوصولَ!!..
وأقسِمُ باللهِ وملائكته وكتبه ورسلِهِ أنّي علمتُ من أوَّلِ خمسةِ أسطرٍ أنَّه في الطريقِ لإنْكَارِ الوصيّةِ والإمامةِ، وأنَّ هذه كلَّها مقدِّماتٌ نفسيَّةٌ لهذا الهدفِ.. وَهَكذا تأتي مرحلةُ اكتشافِهِ الرابعةِ!!:
الرابعة: بعدما ادَّعى أنَّه اكتشفَ وجود من ينكر المهدي والذي لم يسمع به في حياتِهِ دَفَعَهُ هَذا إلى البحْثِ في أصلِ الموضوعِ وَهْوَ الإمامةِ حيثُ قَالَ: ( وَهَذا مَا دفعني إلى إجراءِ دراسةٍ جديدةٍ في نظريَّةِ الإمامةِ نفسِها فاكتشفتُ أنَّها من صُنعِ المتكلِّمينَ وبعيدةٌ ومتناقضةٌ مَعَ أقوالِ الأئمّةِ وأهلِ البيتِ وأحاديثهم الصحيحةِ الرافضةِ لاحتكارِ السلطةِ أو تداولِها بشكلٍ وراثيٍّ، وأحاديثهُم داعيةٌ إلى اختيارِ الإمامِ من قبلِ الأمَّةِ عبر الشُّورَى) .
أنتَ اكتشفتَ هَذا؟
قُلْ لي بربِّكَ أنتَ اكتشفتَ هَذا أَمْ كشَفَهُ من قبلِكَ عمرُ بن الخطَّابِ في مجلسِ الشُّورَى، وقامت من بعدِهِ نظريةٌ كاملةٌ مقابل نظريّة التعيين والوصيَّةِ انقسَمَت عَلَيْهَا الأمةُ إلى مذاهب ومشارب عديدةٍ؟!.
لقد نفَّذَ عُمَرُ بن الخطَّابَ نظريَّةَ الشُّورَى فأفضَت إلى فتنةِ عثمانَ والحروبِ الداخليَّةِ وانتهت دَوْمَاً بتعيينِ السلطانِ من قِبَلِ الأمةِ وعَدَمِ (احتكارِ السُّلْطَةِ وراثياً)!!.
لقد حدثَ هَذا أيُّها المغفَّلُ ولا زالَ يحدِثُ إلى اليومِ ولم يستلمْ أحد الأئمَّةِ بنظريَّةِ الوصيَّةِ السلطانَ باستثناءِ الإمام علي عَلَيْهِ السَّلام لا بناءً عَلَى الوصيّة، وَإنَّمَا بناءً عَلَى حصولِ فتنةٍ عظيمةٍ قُتِلَ فِيْهَا خليفةُ المسلمين، وتحتاجُ إلى رجُلٍ وَرِعٍ وشجاعٍ وهادٍ للأمَّةِ لينقذها من الضّلالِ المرتَقَبِ!.. وقُتِلَ عَلِيٌّ في محرابِهِ وعادَتِ الشُّورَى لينفِّذَها المغيرةُ بن شعبة في أخذِ البيعةِ ليزيدََ بن معاوية!.
ثمَّ قامَ يزيدُ بن معاوية بعَقْدِ الإمامةِ لابنه معاوية بن يزيد. وَأَيْضَاً بايعته الأمةُ عن طريقِ الشُّورَى فبقيَ أربعين يوماً. وخرج ابن الزبير فاستولى عَلَى الحجازَ، وعخد مروان لابنه عبد الملك واستولى مصعب أخو بن الزبير عَلَى العراق، وخرج الحجَّاجُ فأذَلَّ أهلَ المدينة. قَالَ السيوطي: ( وختمَ في أعناقهِم وأيديهم مثل أنس وجابر وسهل بن سعد وبقايا أصحاب رسول الله فإنَّا لِلَّهِ وإنَّا إليه راجعون) .
وتمَّ في هذه المُدَّةِ قتلُ أكثرِ من خمسين ألفٍ من الصحابةِ والتابعين في حروب الجمل وصفين والنهروان والمدينة واليمن وحرب ابن الزبير. وخرج عبد الملك فقضى عَلَى ابن الزبير ثمَّ أخذ البيعةَ لابنهِ الوليد وشاورَ الأمةَ فَقَالَ: (قد فكَّرتُ فيمن أولِّيهِ من العرب فلم أجدْ أحداً)!.
تصوَّرْ.. إنَّه لم يجِدْ أحداً يستحقُّ الخلافةَ إلاَّ نفسِهِ فإذا هَلَكَ فَلا يستحقُّها أحدٌ سواه!.
فقالوا لَهُ: (أَيْنَ أنتَ من الوليد؟). وكانَ الوليدُ لا يُحسِنُ الكلامَ. قَالَ السيوطي: (كانَ قد شبَّ بلا أدبٍ) . فأدخلهُ في دراسةِ النحوِ واللغةِ وجلسَ مَعَهُم ستةَ أشهرٍ. قَالَ السيوطي وابن الأثير: (فخرج وَهْوَ أجهلُ ممَّا كان..) فَقَالَ عبد الملك: (أما أنَّه قد أعذر)!!.. ثمَّ عقد له البيعةَ بالشورى!!..
أقولُ: واستمرَّت الشُّورَى هِيَ الفكرةَ المعمولَ بها إلى اليومِ حتّى ظهرت في صيغتِها الحديثةِ من ممثِّلين وبرلمان وانتخاباتٍ، ولا توجَدُ في أيَّةِ بُقعةٍ في العالمِ انتخاباتُ اتُّفِقَ عَلَى نزاهتها فضلاً عن الخطأ والمغالطةِ في نفسِ الفكرةِ. إِذْ الدِّينُ في جَوهَرِهِ هُوَ اختيارُ مَا اختارَ اللهُ لا اختيارُ مَا اختارَهُ الخَلْقُ.. عندئذٍ يسقط الطرحُ الدِّينيُّ بأكملِهِ.
فَمَا أكذبُ (الكاتب) إذن وَهْوَ يزعمُ أنَّه اكتشَفَ أنَّ نظريَّةَ الإمامةِ هِيَ من صُنعِ المتكلِّمين!.
لأنَّ المتكلِّمينَ هُمْ ألدُّ أعداءِ الإمامةِ كَمَا سترى أخي القاريء، بل الإمامةُ من صُنعِ اللهِ وحدِهِ وأكثرُ الخَلْقِ كَفَروا بها، وبها يدخلهم اللهُ إلى أتونِ جهنَّمِ. فَمَاذَا يقولُ (الكاتبُ) في مَنْ أَعْطَاهُ الإلهُ الإمامةَ فَقَالَ:
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُم عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} (26) سورة ص
فعلى منطقِ (الكاتبِ) أنَّ اللهَ قد قامَ بمصادرَةِ اختيارِ الناسِ وضَرَبَ باختيارِهِم عرضَ الحائطِ حِينَمَا قامَ بتعيينِ الخَليفةِ في الأرضِ!!.
لِماذَا يحتكِرُ داودَ السلطةَ ولا يعمل انتخاباتٍ وشورى ليدلي أمثالُ (الكاتبِ) بآرائهم؟!.
وَلِماذَا عابَ اللهُ عَلَى الملأ من بني إسرائيلَ وكفَّرَهُم حِينَمَا اختاروا مَلِكاً غَيْرَ الَّذي اختارَهُ اللهُ تَعَالَى فقالوا:
{وَقَالَ لَهُم نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُم وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (247) سورة البقرة
فَلَمَّا فصلَ طالوتُ بالجنودِ كَفَروا إلاَّ قليلاً مِنْهُم كَمَا قَصَّ القرآنُ.
وَلِماذَا يَرِثُ سليمانُ داودَ ويضرِبُ الوحيَ بالشُّورى عرضَ الحائِطِ فيقولُ:
{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}
(16) سورة النمل
أَوَليسَ هَذا احتكارٌ للسلطَةِ بصورةٍ وراثيةٍ؟
وَهَلْ هَذا من صًنعِ المتكلِّمين أَمْ هُوَ من صُنعِ الله؟
أجِبْ أيُّها الأفَّاكُ الكذوب!
بلى والله.. إنَّه من صُنعِ الله الَّذي يُخرِجُ به وحدَهُ أضغانَ قومٍ (كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) ـ (9) سورة محمد.
وَلِماذَا يجعلُ اللهُ النبوَّةَ والحُكْمَ والكتابَ في (آلِ) ذريةِ رجُلٍ واحدٍ مُحْتَكِراً السلطةَ فيقولُ:
{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} (54) سورة النساء
وَلِماذَا جعلَ في ذريتِهِ النبوَّةَ والإمامةَ فَقَالَ:
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} (124) سورة البقرة
فَمَنَعَ من هَذا العهدِ الظالمينَ من ذرِّيَتِهِ فَقَط وأَثْبَتَها فيهم وجعلَ بعضَهم مِنْ بعضٍ وجعلَ السُّلطةَ حُكراً عَلَى هذه الذريةِ حيثُ أعطاهُمُ الكتابَ، فعِلْمُ الكتابِ يدورُ مدارَ الحُكْمِ.. أَمْ يحسبُ (الكاتبُ) المغفَّلُ أنَّنا نؤمنُ بأنَّ عِلْمَ الكتاب في قومٍ والحُكْمَ في قومٍ آخرين. فَكَيفَ تُنفَّذُ الأطروحةُ الإلهيَّةُ إذن؟.
قَالَ تَعَالَى:
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} (84 ـ 86) سورة الأنعام
ثمَّ يعودُ فيذكِرُ الذريةَ ويقولُ:
{وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
(87) سورة الأنعام
وَقَالَ عن إبراهيم (ع):
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (27) سورة العنكبوت
وَقَالَ فيهم عليهم السَّلام:
{ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَا كَانُواْ يَعْمَلُون}
(88) سورة الأنعام
فانتبه أخي القاريء إلى قولِهِ تَعَالَى (يهدي بِهِ). فهؤلاءِ هُمْ هدى اللهِ ويهدي بِهِم مَنْ يشاءُ من عبادِهِ، ولو أشركَ مَعَهُم هَؤُلاءِ العبادُ بشيءٍ في حُكْمِ اللهِ لحبطَ عَنْهُم مَا كانوا يَعْمَلُون.
فَهْوَ تَعَالَى لا يقولُ أنَّ هَؤُلاءِ هداهم الله، بل هَؤُلاءِ هُمْ (هدى الله) نفسه الَّذي يهدي به العبادَ.
فَهَلْ يقيمُ (الكاتبُ) الصلاةَ فعلاً وَهْوَ يقرأ في فاتحةِ الكتابِ قولَهُ تَعَالَى:
{اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} (6) سورة الفاتحة
لا أحسبُهُ يُصَلِّي منذُ أربعين سنة!!
وَهَلْ يغفلُ المرءُ وَهْوَ يعيدُ هذه العبارةَ سبعةَ عشرَ مرَّةً في كلِّ يومٍ لمدَّةِ أربعينَ سنة فَلا يسألُ من هَؤُلاءِ الَّذينَ أنعمَ اللهُ عليهم والذين يجب أن يهتدي إلى صراطهم؟
ألا يرى هَذا الأبلهُ أنَّ الصراطَ هُوَ صراطُهم المستقيمُ؟
أَوَليسَ هَؤُلاءِ هُمْ المذكورين في القرآنِ أنَّهُم ذريَّةُ إبراهيمَ الَّذينَ جعلَ اللهُ فيهم الحُكْمَ والكتابَ؟
أَوَليسَ محمَّدٌ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) وذريته هُمْ آخر عنقود ذرية إبراهيم عَلَيْهِ السَّلام؟
فَمَا أشدُّ الحاقدينَ عَلَى محمَّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) وذريته دون سائرِ الذراري!!
لمْ يوجِّه (الكاتبُ) نقْدَهُ لأمَّةِ ذراري الفسادِ بالرغم من أنَّها حكمت تاريخَ الإسلامِ في كلِّ العهودِ، وبانَ مِنْهَا من المخزياتِ والآثامِ مَا جَعلَ الأممَ الأُخْرَى تتقزَّزُ من رائحةِ العفونةِ الآتيةِ من المشرِقِ بِكُلِّ مَا امتلأتْ به صحائِفِ التاريخِ من موبقاتِ وحِيَلٍ ومكرٍ وخداعٍ للجماهيرِ وقَتْلٍ وإكراهٍ وتزييفٍ للحقائقِ!!
تُرى.. مَاذَا سيفعلُ (أحمدُ الكاتبُ) لَو رأى بالفِعْلِ ذرية محمّدٍ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) الَّتي نصَّ عَلَيْهِ الكتابُ ـ لا المنتحلين والمدَّعينَ من بني هاشمٍ وعليٍّ وعقيلٍ وَمَا أكثرهم!! ـ مَاذَا سيقولُ لَو رأى أحدُهم بالفِعْلِ وقد استولى عَلَى الحُكْمِ؟
بالتَأكيدِ.. سيجنُّ جنونُهُ!!
وَمَا أدراكَ فقد يركبُ هُوَ الآخرُ جملاً أحمراً ويحاربَ ذلك الإمامَ اقتداءً بالمرأةِ وأتباع البهيمةِ الَّذينَ قَالَ فيهم الإمامُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام مخاطباً:
(رغا فأجبتم وعقرَ ففرَرْتم)
وَقَالَ لَهُم ابن عباسٍ حبر الأمَّة وفقيهها:
(إن كُنَّا مؤمنينَ فقد كَفَرتم بقتالكم لَنَا وإن كُنْتُم كافرين فقد كفرتم بفراركم منَّا حين الزحفِ)
فأثبتَ عليهم الكُفرَ في كلِّ الأحوالِ. وَهَذِهِ بمثابةِ فتوى لأنَّهم طلبوا أنْ يَكُونَ الأمرُ بالشُّورى فلَمْ تنفعْ الشُّورَى، بل بايعوا ثمَّ نكثوا مرَّتين.
فأينَ هِيَ الشُّورَى الَّتي لا تَحتَكِرُ السلطةَ في الورثةِ؟
إنَّما الشُّورَى وُضِعَتْ أَصْلاً لاحتكارِ السلطةِ في ورثةِ الخُلَفاء.. كلُّ مَا في الأمرِ أنَّ ذرية الشيطانِ حلَّت محلَّ ذرية عبادِ الرحمنِ!
هذه قائمةٌ أُخْرَى بايعَت لَهَا الأمةُ والمُعلَنُ هُوَ الشُّورَى. أحفادٌ وأخوةٌ يتناوبونَ المُلكَ بعدَ أبيهم في جزءٍ من العائلةِ المالكَةِ!:
1. عبد الملك بن مروان.
2. الوليد بن عبد الملك بن مروان.
3. سليمان عبد الملك بن مروان.
4. عمر بن عبد العزيز بن مروان.
5. هشام عبد الملك بن مروان.
6. الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان.
7. يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان.
8. إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان.
إنَّها شُورَى بالفِعْلِ (وأمرهم شُورَى بينهم)، لأنَّ الآيةَ حسب أهل الشُّورَى في أهلِ الحلِّ والعقدِ أي الزعماءِ أَصْلاً.. وبالطبعِ تختارُ العائلةُ المالكةُ بعد التشاورِ الشخصَ المناسِبَ لَهَا.
أَهذا هُوَ فَهمُكُم للقرآنِ؟
أمَّا شُورَى كلِّ الأمَّةِ فرداً فرداً فَمَا حَصَلَت وَلَن تحصِلَ حتَّى تقومُ الساعةُ!
لأنَّ الشُّورَى لا تبطِلُ باعتراضِ الأقليَّةِ أَصْلاً، بل ولا الأكثريَّةِ، بالرغمِ من أنَّ الأقليّةَ هِيَ دَوْمَاً صفة المؤمنين بالفِعْلِ، والأكثريةَ هِيَ الفاسقةُ بنصِّ القرآنِ.
وَهَذِهِ هِيَ الشُّورَى الَّتي يؤمنُ بها (الكاتبُ) وأمثالُهُ خلافاً لقولِ الله تَعَالَى:
{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (103) سورة يوسف
بل تطوَّرت فكرةُ الشُّورَى إلى نظريَّةٍ عجيبةٍ جِدَّاً!
حيثُ حكمَتْ بصحَّةِ وشرعيّةِ الحاكمِ ولو توصَّلَ إلى الحُكْمِ عن طريقِ أقليّةٍ، بل ولو توصَّلَ إليه عن طريقِ القهرِ والغلبةِ، بل ذهبَ (علماءٌ) منظِّرونَ للطاغوتِ إلى أنَّها تصِحُّ ولو بايعه شخصٌ واحدٌ أوَّل الأمر وتابعه الآخرون وإذا بايعوه قهراً فإنَّها تصحٌِّ أَيْضَاً!!
مَاذَا يعنون بـ (تصِحُّ)؟
تصِحُّ عِنْدَهُم بالطبعِ.. وألاَّ فَلا أحدَ يعلمُ قضيَّةً مثلَ هذه في الأديانِ ولا في الفلسفةِ.. وَهْيَ أن يقومَ المرءُ بقهرِ الخَلْقِ بقوَّةِ السلاحِ ثمَّ يكونُ عند اللهِ إمَامَاً وخليفةً شرعيَّاً مثل داود وإبراهيم!!
تصِحُّ في دينِهم لا في دينِ الله الَّذي نعرفه..
تَبَّاً لكَ يا كاتبُ هذه الترهاتِ.. أَيْنَ وجدتَ أهلَ البيتِ عليهم السَّلام يَدْعُونَ إلى الشُّورَى حتى تكون الوصيّة من صُنعِ المتكلِّمين؟!
وَهَلْ هُنَاكَ مَعْنَى لعبارَةِ (أهل البيت) نفسها سوى أنّه بيت فِيهِ ذرية تدعو لنفسِها فقط؟
وَلِماذَا يسمّون أنفسَهم أهلَ البيت؟
وَهَلْ دعوا إلى الشُّورَى وفي عَيْنِ الوقتِ وَضَعُوا سلسةً من النسبِ مرتبطةً ببعضِها وَاحِدَاً وَاحِدَاً لإثباتِ الشُّورَى أَمْ لإثباتِ الإمامةِ في الذريةِ؟
وكَيفَ تقول في صفحة (5) أنَّ الإمامةَ عند الشيعة جعلتهم أي الشيعةَ في حالةِ تبنِّي (فكرٍ يتَّسمُ بالانعزالِ السياسي والسلبية المطلقةِ)؟
فمن هُمْ إذن الَّذي قاموا بالثوراتِ المتواصلةِ ضدَّ المتآمرين عَلَى الخلافةِ الإلهيّةِ؟
أهُمْ أسيادكَ هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ أبناءِ ذرية السبطين الطاهرين الإمامين (إنْ قَامَا وإنْ قَعَدَا) الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنّة؟
أَمْ أنَّكَ ستفاجيء مرَّةً أُخْرَى بالثوراتِ الشيعيةِ عَلَى السلطانِ الأموي والعباسي والزبيري؟.. بدءً من ثورةِ أصحاب علي عَلَيْهِ السَّلام عَلَى أوَّلِ مؤسِّسٍ للطاغوتِ إلى قيامِهِ بحربِ الناكثين والمارقين أمثالِكَ والقاسطين وانتهاءً بثوراتِ يحيى وأدريس العلوي في المغرب ومروراً بمقتلِ سيّد الشهداءِ الحسين بن علي عليهما السَّلام وثورة زيد الشهيد في العراق وثورة أخيه إبراهيم المقتول في (أحجار الزيت) في الحجاز وثورة الحسين بن زيد إلى عشراتٍ غيرها في كلِّ أنحاءِ بلادِ الإسلامِ.
ومن هُمْ المنعزلون في المجالِ السياسي والفكري؟
أَهُمْ أجدادُكَ الخانعونَ في أبوابِ السلاطين ينتظرون فضلاتِ موائد الأكالين كالوليد وسليمان الهالك بِسَبَبِ كثرةِ الطعامِ.. أَمْ هُمْ شيعةُ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام المشرَّدينَ في كلِّ أصقاعِ الأرضِ بِسَبَبِ مواقفهِم السياسيةِ؟
تبّاً لك أيُّها الكاتبُ الغبيُّ الَّذي لم يحْسِن المداخلَ فأعيَت عَلَيْهِ المخارجُ..
أقسِمُ باللهِ العظيمِ لَولا الاقتداءُ بعليٍّ بن أَبي طالبٍ عَلَيْهِ السَّلام في عدمِ تكليمِ الجُّهالِ والمنافقين لكلّمتكَ بكلامٍ آخرٍ أجعلك فِيهِ عبرةً لكلِّ معتبر..
لكن هيهات يمرُّ ذلك بسلامٍ عَلَيْكَ.. فانتظر فادحةً تحلُّ بِكَ أو فاقرةً تقصمُ ظهرك تتبعها رادفةٌ تنقلكَ إلى النارِ قريباً وقريباً جِدَّاً!
فانتظر وتربّص فإنَّه وعدٌ حقٌّ عَلَى لسانِ الرسولِ المصدَّقِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم واللعنةُ عَلَى عدوِّهِ والرادِّ عَلَيْهِ والمختارِ غير مَا اختاره والمحبّ لمن أبغضه والمبغض لمن أحبّه والمكذّب عَلَيْهِ والمعادي لذريتِهِ والمفتري عَلَيْهِ.. آمين.
ويحكَ أيُّها الإنسانُ.. أَلَمْ يقرأ لكَ كتابكَ صديقٌ ناصحٌ قبل طباعته أو عدوٌّ حقودٌ أو حميمٌ ودودٌ حتى ضمَّنتَهُ فريةً واحدةً مستمرَّةً؟!
فإني بحثْتُ فِيهِ الآنَ بحثَ المجتهدِ المحقِّقِ عن شيءٍ يليقُ به الردُّ أو عن توهّمٍ يحتاجُ إلى تحقيقٍ أو عن دعوى حقٍّ تحتاجُ إلى إقرارٍ أو اعتذارٍ، فَلَمْ أجِدْ.
ولا تحسب أنِّي أردُّ عَلَيْكَ دفاعاً عن دينِ اللهِ، فَإِنَّكَ أهونُ من ذلك، ودينُ اللهِ أعظمُ م أن ينالهُ أحدٌ بسوءٍ لأنَّه الحقُّ الدامغُ. ولكن يحزُّ في نفسي تصديقَ بعض المساكين المُضلَّلين لافتراءاتكَ. فعسى أن ينتفعوا بِهَذا الردِّ وتنفتحَ بصيرتُهم وتنشرحَ صدورُهم للإيمان باللهِ ورسولِهِ. وَإنَّمَا أنتَ دليلٌ عَلَى وجود هَذا النمطِ من الخَلْقِ الَّذينَ لا رأيَ لَهُم أو لَهُم رأيٌّ مخالفٌ للحقِّ فأصبحوا وسطاً صالحاً لأضرابِكَ من المتحذلقين يدفعون لَهُم ثمنين باهظين: ثمن الدُّنْيَا وثمن الآخرة عدا الثمن المدفوع نقداً لكتابكَ. فهم كَمَا قَالَ الإمامُ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام: ( باعوا آخرتَهم بدنيا غيرِهم) ـ لا بدنياهم. وَهَذِهِ هِيَ علاماتُ آخر الزمان كَمَا ذكرها الأولياء عليهم السَّلام حيثُ تكونُ (مساجدُهم عامرةٌ من البنيانِ ونفوسِهم خرابٌ من الإيمان) كَمَا عبّروا عَنْهَا في فقرةٍ من الفقرات الَّتي كلّ مِنْهَا تعدُّ فاقرةُ الظهرِ في هَذا الزمانِ.
يضعُ (الكاتبُ) في ص12 عنواناً هُوَ: (شعور الإمام علي عَلَيْهِ السَّلام بالألوية) ليوحي للقاريء أنَّه مجرَّدُ شعورٍ بالأولويةِ.
ومن البديهي أنَّ عليَّاً عَلَيْهِ السَّلام سيكونُ من حقِّهِ أن يشعرَ بهذه الأولويةِ شأنه في ذلك شأنُ كلِّ مرشَّحٍ في أيَّةِ انتخاباتٍ، إِذْ يرى المرشَّحُ نفسَهُ دَوْمَاً الأولى بالفوزِ. وبالطبعِ سَتَكونُ الانتخاباتُ وعددُ الأصواتِ هِيَ الفيصلُ، وَهْيَ الَّتي ستقرَّرُ من هُوَ الخليفةَ.. وَعَلَى ذلك فإنَّ عليَّاً بن أَبي طالبٍ هُوَ من المدافعين عن حقِّ الانتخابِ!.
يا لَكَ من أحمَقٍ غريبِ الأطوارِ تجمعُ بين المتناقضاتِ!
فإنَّ عليَّاً بن أَبي طالبٍ هُوَ أعظمُ مدافعٍ عن حرِّيةِ الاختيارِ في تاريخِ البشريَّةِ من بعدِ النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) منذُ خلَقَ اللهُ آدمَ. ولكنَّهُ في عينِ الوقتِ لا يرى أنَّها أولويةً، وأنَّ الناسَ إذا لمْ ينتخبوه عملوا صالحاً، وإذا انتخبوا غيره عملوا صالحاً!
بل يرى أنَّ الناسَ لَنْ يعملوا صالحاً قط إذا انتخبوا غيره، وأنَّهم يذهبون إلى جهنَّم مهما كانَ عددُ أصواتِِهِم!!
ولذلكَ كانَ يحزُّ في نفسِهِ ويؤلمهُ جِدَّاً أن يرَ الخَلْقَ ذاهبين إلى جهنّم بإرادتهم!
ولغِفلَتِهم وقعَ في مصيبةٍ أعظم، لأنَّه إذا دافعَ عن مستقبلِهم ظنَّوا أنَّهُ يريد خلافتَهم!!
ولذلك فإنَّ النصَّ الَّذي جاءَ به (الكاتبُ) مبتوراً لا يدِلُّ عَلَى أنَّ عليَّاً (ممتعضٌ) من بيعةِ أَبي بكرٍ كَمَا عبَّرَ الكاتبُ، وَإنَّمَا هِيَ (داهيةٌ) و(كارثةٌ) هِيَ الأعظمُ من كلِّ الكوارثِ، لأنَّها كانت لتوقِفَ المدَّ الرساليَّ وسوفَ تضلُّ بها كلُّ الأمَمِ. قَالَ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام:
(فَسَدَلْتُ دونَهَا ثَوبَاً، وطَويتُ عَنْهَا كَشْحَاً، وطفِقتُ أرتئي بينَ أنْ أصولَ بيدٍ جذَّاءٍ أو أصبرَ عَلَى داهيَةٍ "طخيةٍ" عمياء، يهرِمُ فِيْهَا الكبيرُ ويشيبُ فِيْهَا الصغيرُ، ويكدحُ فِيْهَا المؤمنُ حتى يلقي ربَّه..)
فلاحِظ هُنَا كيفَ أسدَلَ وطوى عَنْهَا وانتقلَ إلى خيارين كلّ منهما مقرفٌ مزعجٌ: أمَّا أن يصولَ بيدٍ جذّاءٍ وَهْيَ (المقطوعة عن بدنِها) وفيه دلالةٌ عَلَى قُدرتِهِ عَلَى الصولةِ منفرداً، وفيه إشارةٌ إلى أنَّه قادرٌ عَلَى إبادتِهم جميعاً وإهلاكهِم بالمرَّةِ. ولكن لمن سيأخذ الخلافةَ وَهَذِهِ اليدُ جذّاءٌ؟، إنّما يريدها للناسِ لا لِنفسِهِ. فإذا كفرَ بها الناسُ فَلا يستحقّونها.
ثمَّ انظر الإشارةَ إلى (يد الله فوق أيديهم) فَهْيَ فوق في كلِّ الأحوالِ. وَإنَّمَا الحِلمُ عَلَى الخَلْقِ وإرجاعُ الحقِّ المسلوب من قبل الطغاة ـ إرجاعُه لَهُم أحجى كَمَا سَوفَ يذكِرُ متابعاً.
من جهةٍ أُخْرَى لاحِظْ عظم الداهيةِ، فَهْيَ عمياءُ!
وَهْيَ إشارةٌ إلى الأحاديثِ النبويّةِ الَّتي ذكَرَتِ الفِتْنَةَ (العَمْيَاءَ) فراجِعْهَا في المَلاحِمِ.
وانظر إلى قولِهِ (يشيبُ فِيْهَا الصغيرُ) ـ إِذْ يدلُّ عَلَى كُفرِ المجتمعِ في هذه الفِتْنَةِ العمياءِ لِقَولِهِ تَعَالَى:
{فَكَيفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا} (17) سورة المزمل
وَهْيَ آيَةٌ تشيرُ كَمَا هُوَ واضحٌ إلى المستقبلِ وَمَا يحدثُ فِيهِ.
وقوله (يكدحُ فِيْهَا المؤمن حتى يلقي ربَّه) دليلٌ عَلَى أنَّ المُحرِّكَ للأحداثِ والموجِّهَ للسياسةِ فِيْهَا هُوَ عدوٌّ للمؤمنِ، إنَّه الشيطانُ نفسُهُ من خلالِ أعوانِهِ.
إذن.. فَهَذَا ليس شعوراً بالأولويةِ!
فبعد عبارةٍ واحدةٍ سَوفَ ينتهي النصُّ نفسُهُ بإلغاءِ المقايسةِ!
وَهْيَ العبارةُ الَّتي لم يأتِ بها (الكاتبُ) المفتري عامداً لأنَّها تنسِفُ كلَّ كتابِهِ المدفوعِ الأجرِ مقدَّماً.
وكَيفَ يُقاسُ اختيارُ اللهِ مَعَ اختيارِ الخَلْقِ؟، ولذلك قَالَ عَلَيْهِ السَّلام بعد هذه الفقرة مباشرةً:
(فيا لِلَّهِ وللشورى متى اعترَضَ الريبُ فيَّ مَعَ الأوَّلِ مِنْهُم حتّى صرتُ أقرنَ إلى هذه النظائر)
إنَّه يسمِّهيم (نظائرَ).. أنَّهُم نكراتٌ لا وزنَ لَهُم ولا قيمة!
ولكنَّها القوَّةُ والبطشُ وحبُّ الدُّنْيَا الَّذي جعلهم حُكَّاماً وملوكاً باسمِ الدِّين.
لقد كان المخطَّطُ يستهدِفُ قتلَهُ، وكانت بيعتُهُ لَهُم لَو علمتَ أيُّها الجاهلُ هِيَ الضربةَ الموجعةَ المدويَّة الباقية آثارها للآن!.. لأنَّ عليَّاً لَو قُتِلَ فَلا قرآنَ ولا كتابَ ولا سُنَّةَ.
ولذلكَ فبقاءُ عليٍّ عَلَيْهِ السَّلام لا زالَ يغيظُكَ ويغيظُ الحاقدين عَلَى الدِّينِ من أمثالِكَ.. وإذا كنتَ لا تفهم فراجِعْ تاريخَ كتابةِ القرآنِ!
لقد تأخَّرَ ظهور القرآنِ إلى عهدِ عثمان.. فأجبني لِماذَا؟
أجبني يا فيلسوفَ الشُّورَى ومنظِّرَ النكراتِ!
أجبْ: لِماذَا تأخَّرَ ظهورُ دستورهِم ربعَ قَرنٍ مَعَ أنَّه مكتوبٌ أَصْلاً كاملاً من قبلِ أربعين من كُتَّابِ الوحي؟!
لقد أجبَرَهم عَلَى إظهارِ كتابِ اللهِ رغم أنوفهم!
ألا تفهم؟!
إذا كنتَ لا تفهم للآن فادرُسْ القرآنَ حتّى تفهم!
لكني أعتقدُ أنَّه سيلعنُكَ حَيْثمَا تقرأ! لأنَّك عدوٌّ لدودٌ لقرينِ القرآنِ!!
إذا لمْ يكنْ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام يتحدَّثُ عن الخلافةِ الإلهيّةِ في هذه الخُطبةِ فَهْوَ إذن يتحدَّثُ عن الحُكْمِ الشخصيِّ لا غير!
ومثلُهُ إذن مثلُ أيِّ مرشَّحٍ للحكومةِ وله منافسون!
هَذا الَّذي تتحدَّثُ عَنْهُ ليس عليَّاً بن أَبي طالبٍ أيُّها النكِرَةُ!
إنَّه شخصٌ آخرٌ لا نعرفه!
وَهَذا الَّذي تتحدَّثُ عَنْهُ ليس صاحبَ هذه الخطبةِ الَّذي نعرِفهُ جيِّداً محاطاً بهالةٍ من أحاديثِ صاحب الرسالةِ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم) أخرجها المبغضون!
وكلُّ واحدٍ مِنْهَا يحكمُ له بالخلافةِ الإلهيَّةِ..
ولذلكَ فكلامُكَ لا يدخِلُ أُذنَ أحدٍ إلاَّ النكِراتِ أمثالِكَ!
والشيعةُ يحفظون عن ظهرِ قلبٍ هَذا المقطع بالذاتِ من الخطبةِ. وهم يلاحظون كلَّ مفرداتِ النصِّ وكلَّ ألفاظِهِ وكلَّ لفظٍ فِيهِ يفتحُ لَهُم باباً من المعرفةِ بحقيقةِ مَا جرى وراء الكواليس!.
لأنَّ عليَّاً عَلَيْهِ السَّلام يخاطبُ فِيهِ شيعتَهُ الَّذينَ يعرفهم جيِّداً ويعرفونه، تعرَّفَ عليهم في عالمِ الأرواحِ قبلَ عالمِ الأجسادِ والأبدانِ، يخاطبهم بالجفرة وهم يفهمون جيِّداً مَا يقول!
يخاطبُهم كَمَا قَالَ هُوَ عبر الزمانِ وهم في الأصلابِ!
يعرفُ أسمائهم ونعوتهم وألقابهم قبل أنْ يَكُونَوا..
ولذلكَ كان يخطبُ يوماً فَقَالَ له رجُلٌ: أنا أحبُّكَ يا أمير المؤمنين. فَقَالَ له: صدَقتَ يرحمكَ الله!.. فَقَالَ أحد المنافقين لصاحبِهِ: انظر هَذا الرجُلَ مَا أكذبه يقولُ له رجُلٌ احبُّكَ فيقولُ له صدقتَ! والله أنت تعلمُ أني أبغضه وسأريكَ كذبه فإني سأقولُ له أحبّك يا أمير المؤمنين وسيقولُ لي صدقتَ يرحمكَ الله! فإنَّه لم يرني قبل اليوم. فدنا من المنبرِ وَقَالَ منادياً كَمَا فعلَ الأوَّلُ: أنا أحبُّكَ يا أميرَ المؤمنين!. فَقَالَ له عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام: كذبتَ لعنةُ الله عَلَيْكَ!. فَقَالَ: لِماذَا تلعنني؟ أَوَليسَ قد قام رجلٌ فَقَالَ مثل قولي فصدَّقتَهُ وترحَّمتَ علي. فبأيِّّ حقٍّ تخزيني دون صاحبي؟. فَقَالَ عليٌّ عَلَيْهِ السَّلام: كذبتَ أيُّها الخبيثُ!.. إنَّ اللهَ خلقَ الأرواح قبلَ الأجساد بألفي عامٍ.. ووالله مَا رأيتُ روحَكَ في أرواحِ من أحبَّني!.
فأبشِرْ أيُّها المنافقُ بفاقرةِ الظهرِ بعد إن حاربتَ عليَّاً وليَّ اللهِ المبرَّءَ من الدَّنسِ وبعتَ نفسَكَ للشيطانِ بثمنٍ بخسٍ.
عذراً أيُّها القاريءُ فقد تركتُكَ وخاطبتُ هَذا الأفَّاكَ وَهْوَ لا يستحقُّ الخطابَ لأني أريدُ أن أخبركَ بِأَقْوَالِ أمير المؤمنين الَّتي نبذها هَذا الكذوبُ عامداً والتي سَتَكونُ هِيَ محورَ هَذا الكتابِ حيثُ تراها كلَّها ترِدُّ عَلَى أكاذيب الكاتبِ عَلَى هَذا الإمامِ العظيمِ. وسنجعلُ من كلِّ قولٍ له عَلَيْهِ السَّلام عنواناً مستقلاًّ ثمَّ نشرحُ مضمونه بالبينة المرتبطةِ بكتابِ الله وسنَّةِ رسولِهِ وبالتاريخِ المحقّقِ منه وبالواقعِ المُعاينِ لك الآنَ.
فمن هذه الأقوالِ لعليٍّ بن أَبي طالبٍ عَلَيْهِ السَّلام:
أ. فمنها قوله عَلَيْهِ السَّلام
وقَدْ قَالَ قائلٌ أنَّكَ عَلَى هَذا الأمرِ يا بن أَبي طالب لحريصٌ. فقلت بَلْ أَنْتُم والله لأحرصُ وأبْعَدُ وأنا أخَصُّ وأقْرَبُ وَإنَّمَا طلبتُ حَقَّاً لي وَأَنْتُم تحولون بيني وبينه وتضربون وجهي دونَه فَلَمَّا قَرَعْتَهُ بالحُجَّةِ في الملأ الحاضرين هبَّ كأنَّه بهت لا يدري مَا يجيئني بِهِ.
نهج البلاغة/ الخطبة 170
فانظر أخي القارئ فَإنَّهُ لا يقولُ هَذا حقٌّ عامٌّ، بَلْ حقٌّ خاصٌّ بِهِ وحدِهِ حالوا دونه وضربوا وجهَهُ دونه. وَلَكِنَّهُم حَيْثُ منعوه من هَذا الحَقِّ احتجُّوا بالقُربى، فاحتجّ عليهم بِهَا لأنَّهُ بالقربى أقربُ لإسقاطِ حجَّتهم الَّتي ادّعوها حَتَّى لا تبقى لَهُم حُجَّةٌ واحدةٌ، وألاَّ فَكَيفَ يحاجِجُ المرءُ قوماً أنكروا مَا أنزلَ اللهُ، وأنكروا البيعةَ والعهدَ والوصيَّةَ. فَإِنَّهُم قالوا: لا تجتمِعُ العَرَبُ إلاَّ عَلَى رَجُلٍ من أوسطِهِم أقربهم إلى رسول الله من كُلِّ الوجوه.
ب. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام
اللَّهُمَّ أنَّكَ تعْلَمُ أنَّهُ لَمْ يكنْ الَّذي كَانَ منّا منافسةً في سلطانٍ ولا التماسَ شيءٍ من فضولِ الحطامِ وَلكنْ لنرُدَّ المعالِمَ من دينِكَ، ونُظْهِرَ الإصلاحَ في بلادِكَ فيأمنُ المظلومون من عبادِكَ وتُقامُ المُعطَّلَةُ من حدودِكَ..
نهج البلاغة/ الخطبة 129
فَمَاذَا يقولُ صنائعُ الطغاةِ في هَذا الكلام؟ أهـو منافسةُ رجلٍ يرى في نفسِهِ الأولويةَ أسوةً بِغَيْرِهِ أَمْ أنَّهُ تضمَّنَ الإشارةَ الواضحةَ إلى كُفْرِ من سَبَقَهُ حَيْثُ:
1. تنافسوا في السلطانِ.
2. التمسوا فضولَ الحطامِ.
3. غيّروا معالمَ الدِّينِ وَهْوَ يريدُ رَدَّ تِلْكَ المعالمِ.
4. أظهروا الفسادَ وَهْوَ يريدُ الإصلاحَ.
5. عطّلوا الحدودَ وَهْوَ يريدُ إقامةَ مَا عطّلوا من حدودِ اللهِ.
6. ظلموا الخَلْقَ وأرهبوهم وَهْوَ يريدُ إعادةَ الأمنِ إلى المظلومين.
7. إنه لَمْ يكنْ ينافسُ في الترشيح للحكومة!. ولو كَانَ كَذَلِكَ لأعرض عَن الترشيح لأنَّ الدُّنْيَا لا تساوي عنده بِمَا في ذَلِكَ هَذا الكاتب الدعيّ.. لا تساوي عفطة عنزٍ! كَمَا قَالَ هُوَ عَلَيْهِ السَّلام. ولا يحتاجُ عليٌّ الَّذي اكتفى بـ (طمرية وقرصية) حسب تعبيره إلى دست الحُكْمِ لِهَذِهِ الغايَةِ الدنيئةِ الوضيعةِ الَّتي يحتاجها دَوْمَاً من يشعرُ بالنقصِ ويرغب بالتسلُّطِ عَلَى العبادِ.
أليسـت هَذِهِ الفقراتُ كلُّها مزبورةً في هَذا الخطابِ عَلَى قصرِهِ أَمْ أنت لا ترى ولا تبصر. بلى أنت لا ترى قط حَتَّى تدخل قعرَ جهنَّم، لأنَّك مثلُ أسلافك وأشياعك الَّذينَ أخبر الله تَعَالَى عَنْهُم حَيْثُ يحسبون وهم عَلَى شفير جهنَّم أنَّ أبصارَهم سُحِرَت فيقول المنادي:
{أَفَسِحْرٌ هَذا أَمْ أَنْتُم لَا تُبْصِرُونَ} (15) سورة الطور
ج. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام
اللَّهُمَّ إني أستعديكَ عَلَى قُريشٍ ومن أعانَهُم فَإِنَّهُم قَطَعوا رَحْمي وصغَّروا عظيمَ منزلَتي وأجْمَعوا عَلَى منازعَتي أمراً هُوَ لي
نهج البلاغة/ الخطبة 215
فَكَيفَ تقولُ أيها الأفَّاكُ الكذوبُ أنَّ علياً كَانَ يؤمنُ بالشورى ويرى صحَّةَ خلافةِ الكفرةِ المارقين قبله وَلِذَلِكَ بايعهم1وأنه لا يؤمن بالوَصيَّةِ؟.
ألا تراه ضمَّنَ هَذا النصَّ:
1. أنَّهُم عدوٌ لَهُ وَهْوَ عدوٌ لَهُم وَهْوَ يشتكي إلى اللهِ، ويطلب منه أنْ يَكُونَ عدواً لَهُم فيقولُ: (إني أستعديكَ عَلَى قُريشٍ ومن أعانَهم)!
2. ألا ترى أنَّه يقول: (أنَّهُم قطعوا رحمي)، ورحمُهُ هِيَ رَحْمُ رسول الله، فهم قطعوا رحْمَ رسولِ الله؟
3. ألا ترى أنَّه يقول: (وصغّروا عظيمَ منزلتي)، لأنَّ الشُّورَى سَاوْت بَيْنَ الرجسِ والطاهرِ، وجعلت الكافِرَ والمؤمِنَ عَلَى قَدَمِ المساواةِ في الترشيحِ.
4. ألا ترى أنَّه يقول: (أجمعوا منازعتي أمراً هُوَ لي). فالخلافَةُ لَهُ خاصَّةً، وَمَا كَانَ ليقولَ ذَلِكَ ويكذبَ عَلَى الملأ لَولا عِلْمُ الجميعِ أنَّها لَهُ خاصَّةً، وَلِذَلِكَ لَمْ يجِبْهُ أحَدٌ ولا اعترَضَ عَلَيْهِ مخلوقٌ كلَّما كرَّرَ هَذا الكلام
ولكنكم تقولون: (لِماذَا إذن لَمْ يقاتلهم؟)!
فتباً لكم!!..
لقَدْ كَانَ عَلَيْكُم أن تقولوا: (لِماذَا إذن لَمْ يولُّوه عليهم وخالفوا أَمْرَ مولاهم).
فإنَّكم تحسبون الإمامَةَ الإلهيَّةَ مِثْلَ المناصبِ الدنيويَّةِ، وفاتَكُم أنَّ الإمامةَ هِيَ مِثْلُ أيِّ حُكْمٍ شرعيٍّ في الدِّين، ولا إكراه في الدِّين كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن باللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256) سورة البقرة
فالإمامُ الإلهيُّ المنصوصُ عَلَيْهِ من الرَبِّ والمُعَيَّنِ من الرسول (ص) لا يجبِرُ الخَلْقَ، ولا يقاتلُهم من أجلِ الإمامةِ، لأنَّها أمْرٌ إلهيٌّ. وَأَنْتُم تريدون أنْ يحتلَّ دارَ الإمارَةِ بالقوَّةِ..
فَيَا لَكُمْ من أغبياء وحمقى!
بَلْ إذا شَاءَ الخَلْقُ أنْ يطيعوا مولاهم فَهَذَا خيرٌ لَهُم في الدُّنْيَا والآخرة، وإن شاءوا العصيانَ عَاقَبوا أَنْفُسَهُم وذراريهم بِأنْ يَكُونُوا تَحْتَ مطرقَةِ الفِتَنِ والظُّلْمِ والقَهْرِ.
فَمَا أضحكني بعدما أبكاني شيءٌ مثْلُ عقولِ هَؤُلاءِ المعترضِينَ، لأنَّ الإمامَةَ لَيْسَتْ منصباً دنيوياً، والإمامُ لا يذهب باحثاً عَن الإمامَةِ وعن المطيعين، بَلْ الخَلْقُ عليهم أنْ يأتوه مذعنين، فإذا لَمْ يأتوه تألَّمَ لَهُم وعليهم لا عَلَى المنصبِ والرئاسةِ، وَهْوَ منفِّذٌ لمشيئَةِ الله تَعَالَى، وَلَيْسَ هُوَ شخصاً من مثل أئمَّتِكُم حَتَّى تقيسوا عَلَيْهِ. وألاّ فَلِمَاذَا نقول هُوَ إمامٌ بتنصيبٍ من الله إذا كَانَ مثلَ أَبي بكر وعمرٍ.. واحِدٌ يضَعُ يَدَهُ في يَدِ الآخرِ يقول لَهُ: لا أنتَ أكبرُ مني سناً. فإذا ماتَ الأوَّلُ دفَعَها إلى الثاني بلا شُورَى مزعومَةٍ أو غير مزعومةٍ.
وَلَيْسَ هَذا الإمامُ الإلهيُّ مثْلُ أَبي بكر إمامكم الَّذي قَتَلَ مالك بن نويرة بعدما أعطاه وقومَه الأمانَ، ثمَ يغدر بِهِم لأنَّهُمْ منعوا الزكاة، وأجْبَرَ الخلق عَلَى البيعةِ حَتَّى حملوا علياً مكتوفاً بسلاسلِ الحديدِ وجاءوا بالمشاعِلِ لإحراق دارِهِ. فَقَالَ بعضُ الناس: (فِيْهَا فاطمة!) فَقَالَ عمرٌ: (وإنْ!)، فَقَالَ قائلٌ: (إنَّ فِيْهَا الحسنَ والحسينَ!)، فَقَالَ عمرٌ: (وإن!).
أَمْ أنَّكَ ستكذِّبُ هَذِهِ القصَّةَ الَّتي ذَكَرَها كُلُّ المؤرخين وهم من أئمتكم ودافعوا عَن أَبي بكر بزعمهم أنَّ الإمام لَهُ الحَقُّ في حَمْلٍِ الخَلْقِ عَلَى البيعةِ والطاعةِ لكي تجتمعَ الكَلِمَة!.
فالإمامُ الإلهيُّ لا يجبِرُ أحداً عَلَى البيعةِ والطاعةِ، لأنَّ حُكْمَهُ هُوَ ذاتُهُ حُكْمُ اللهِ، والله تَعَالَى لا يجبِرُ، وَإنَّمَا يحاسِبُ يوم القيامة، وفي الدُّنْيَا يعاقِبُ بالفِتَنِ والبلاء. ولو شَاءَ أن يجبرَ الخَلْقَ لما احتاجَ أمرُهُ إلى الإمامِ، بَلْ ولا إلى الرُّسُل والأنبياءِ، ولكانَ أجبَرَ الخَلْقَ بقُدْرتِهِ الَّتي خضَعَتْ لَهَا السمواتُ والأرضُ، واندكَّتْ لَهَا الجبالُ وتضعضعت لَهَا قوائمُ الكرسيِّ.
فَمَا أغبى عقولكم حَيْثُ تقارنون الإمامَ المعيَّنَ من اللهِ بأئمَّةِ الشيطان!
فمن الطبيعي أَنَّكُم لا تَفْهَمونَ مَا يفعلُهُ عليٌّ بن أَبي طالبٍ، وترون أمْرَهُ عجيباً، إِذْ كيف يكتِّفونَهُ بالحَديدِ وَهْوَ الَّذي فرَّ منه جيشُ حُنينٍ، وجَنْدَلَ عَسْكَرَ الأحزابِ في (الخندقِ)، ووَصَلَ صدى ضربتِهِ في (خيبرَ) إلى الملأ العلوي؟.
فَهَذَا عِنْدكُم عجيبٌ جِدَّاً لأَنَّكُم عبيدَ الشيطانِ فَلا تَفْهَمونَ سِوَى عمل الشياطين.
فاتركوا هَذا والتهوا أيُّها القومُ بأموالِكم ودنانيركم وأئمَّتِكم، فإنَّكم أبْعَدُ الخَلْقِ عَن فَهْمِ الأسرارِ الإلهيَّةِ والكراماتِ الرساليَّةِ وغرائبِ الأنوارِ المحمديَّةِ..
دعوا هَذا لأهله..فإنَّكم في وادٍ وهؤلاء في وادٍ آخر …
أَنَّكُم لا تَفْهَمونَ هَذِهِ الأسرارَ ولا تفرِّقون بَيْنَ حالٍ لاذَ فِيهِ مُحَمَّدٌ صلى (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّم) بالفرار والهجرة، وحالٍ آخرٍ ارتقى فِيهِ أطباقَ السماءِ فاهتزَّتِ السَّدرَةُ، ولا بَيْنَ حالٍ حُمَّ فِيهِ النبيٌّ حَتَّى كادَ يموتُ وحالٍ آخرٍ أحيا بِهِ بتفلتِهِ المُباركَةِ من كادَ يموت، ولا بَيْنَ حالٍ ولَّى فِيهِ موسى(ع) لائذاً بالفرار فَقَالَ: (فَفَرَرْتُ مِنْكُم لَمَّا خِفْتُكُم فَوَهَبَ لي ربِّي حُكْمَاً)، وبَيْنَ حالٍ أحدَثَ فِيهِ فرعونُ عَلَى نفسِهِ غرقاً من عصاه.
د. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام
أيُّها الناسُ أنشدُكُم اللهَ أتعلمون أنَّ رسولَ اللهِ قَامَ خطيباً فَقَالَ: أيُّها الناسُ إني تارِكٌ فيكم الثقلين: كتابَ الله وعترتي أهل بَيْتِي فتمسَّكوا بهما لَنْ تضلُّوا فإنَّ اللطيفَ الخبيرَ أخبرني وعَهَدَ إليَّ أنَّهما لَنْ يفترِقا حَتَّى يَرِدَا عليَّ الحوضَ فقَامَ عُمَرُ بن الخطاب شبه المغضبِ فَقَالَ: يا رسول الله أكُلُّ أهلِ بيتك؟ فَقَالَ: لا وَلكن أوصيائي مِنْهُم أوَّلُهم أخي ووزيري ووارثي وخليفتي في أمَّتي ووليُّ كُلِّ مؤمنٍ بعدي هُوَ أوَّلُهُم ثمَّ إبني الحسن ثمَّ إبني الحسين ثمَّ تسعةٌ من ولد الحسين واحد بعد واحدٍ حَتَّى يَرِدوا علي الحوضَ شهداء الله في أرضِهِ وحجَّته عَلَى خَلْقِهِ وخُزَّان عِلْمِهِ ومعادِنَ حِكْمَتِهِ من أطاعَهم أطاعَ اللهَ ومن عصاهم فقَدْ عصى الله؟؟
فقالوا كلُّهم (واللفظ لابن حجر في الصواعق): نَشْهَدُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وآله قَالَ ذَلِكَ. قَالَ: ثُمَّ تمادى عليٌّ في السؤال فَمَا تَرَكَ شيئاً إلاَّ ناشدَهُم فِيهِ حَتَّى أتى عَلَى آخرِهِ وهم في كُلِّ ذَلِكَ يصدِّقونه ويشهدون أنَّه حقٌّ.
الصواعق المحرقة1
فَكَيفَ تقولُ أيُّها الأفَّاكُ الكذوبُ أنَّ علياً لا يؤمِنُ بالوَصيَّةِ، وأنَّ الوَصِيَّةَ كَانَتْ شخصيَّةً محضَةً تخصُّ العائلةَ النبويَّةَ؟، وكَيفَ تَزْعَمُ أنَّ الإمامةَ الإلهيَّةَ هِيَ من صُنْعِ المتكلِّمين؟، وأين هُمْ المتكلِّمونَ يومئذٍ وَهَذا الخطابُ والمناشدةُ حَصَلَتْ في أواخِرِ عَهْدِ عمر أو أوائل عهد عثمان؟.
هَذِهِ قائِمَةٌ بمصادرِ هَذا النصِّ الَّذي رواه أئمَّةُ وحفاظُ السنَّةِ الَّذينَ يؤمنون بـ(الشُّورَى).. والذين لَمْ يجرؤْ أحَدٌ مِنْهُم من قبل عَلَى إنكارِ الوَصِيَّةِ والإمامَةِ، بَلْ أشاروا إليه باسمِهِ الشريفِ (الإمام علي) في كُلِّ كتبِهِم، وكتبوا بعده (عَلَيْهِ السَّلام) خلافاً للبقيَّةِ الَّذينَ يكتبونَ بعد أسمائهم (رضي الله عَنْهُم)! إِذْ هُوَ دعاءٌ فَكَأَنَّهُم يشيرون إلى عَدَم العِلْمِ برضا الله عَنْهُم، وكلُّ من هُوَ غير معصومٍ تدعو لَهُ بِهَذا الدعاء. أمَّا الرُّسُلُ والأنبياءُ وخلفاءُ الله فيقال لَهُم (عَلَيْهِ السَّلام).. وكلُّ مَا فَعَلَهُ أهلُ السنَّةِ هُوَ تبريرُ فعْلِ الثلاثة واستلابهم الخلافة، وغايَةُ مَا أرادوا إثباتَهُ هُوَ أنَّهُم اجتهدوا بحسنِ نيَّةٍ لاعتقادِهِم أنَّ العَرَبَ تعصي الإمامَ. وَهْوَ تبريرٌ مكشوفُ الزيفِ، وَلِذَلِكَ كانوا يكتمون تشيّعَهم. ولو بحثت عَنْهُم جيِّداً لوجدتَ أكثرهم من الشيعَةِ الحقيقيين بشرْطِ أن تُخْضِعَ عباراتَهُم للتحليلِ الدقيقِ للجُمْلَةِ، ولا تنخدِعَ بالألفاظِ المجاورَةِ الَّتي كَانَتْ بمثابَةِ (جوازٍ) لانتشارِ مؤلَّفاتهم، بَلْ تهتَمُّ بالموضوعِ والمضمونِ. فَإِنَّهُم رحمهم الله أشاروا إلى كُفْرِ الثلاثة بالتلميحِ دونَ التصريحِ ووضعوا عَلَى أسمائِهِم عبارَةَ (رضي الله عَنْهُم) لمخادعَةِ السلطات لا غير.
وَلكن رَانَ عَلَى العقولِ غباءٌ مستحْكِمٌ مَنَعَ الناسَ من فَهْمِ هَذِهِ الإشاراتِ…
أمَّا هَذا الكاتبُ المنافقُ فقَدْ جَاءَ بِمَا هُوَ من إشراطِ الساعة حَقَّاً، فَإنَّهُ نَسَبَ الشُّورَى والقولَ بِهَا لصاحبِ الوَصِيَّةِ نفسِهِ.. فَمَا أكذبه!!.
هَذِهِ القائمَةُ بأصولِ حديثِ المناشدَةِ والذي ذكروا منه مقتطفاتٍ كثيرةً ومختلِفَةً. وَلكنَّ مَا أثبتناه كَانَ مُشترِكاً وَهْيَ المناشدَةُ بالوَصيَّةِ والإمامةِ والنصِّ عَلَى اثني عشر إمَامَاً أولهم علي (ع)، وَلِذَلِكَ اختار كُلُّ واحدٍ من علماء السنَّةِ جزءاً من حديث المناشدة. فمن هَذِهِ المصادر:
1. كتاب المناقب للخوارزمي/ ص217.
2. كتاب الصواعق المحرقة لابن حجر/ ص77.
3. كتاب فرائد السمطين للحمويني الشافعي/ ج1/ ب58.
4. كتاب ينابيع المودة لسليمان القندوزي الحنفي/ ص114.
هَؤُلاءِ أخرجوا حديثَ المناشدةِ كاملاً وفيه ثمانية وعشرون مناشدة. وَأمَّا الَّذينَ أخرجوا فقراتٍ منه بحسب عناوينهم فهم:
5. كتاب المناقب للخوارزمي/ الفصل 19/ ص246.
وفيه المناشداتُ الخاصَّةُ: أَّنه أَوَّلُ الموحِّدين، أنَّهُم ليسَ فيهم صهرٌ كصهره ولا أخٌ كأخيه ولا عمٌّ كعمِّهِ ولا زوجةٌ كزوجتِه ولا سبطان كسبطيه، وأنَّهُ صاحبُ الولايةِ وصاحبُ الراية ومن سلَّمَت عَلَيْهِ الملائكةُ … إلى آخر مَا ذكره.
أقولُ: الاحتجاجُ بالأرحامِ والقُربى إنَّمَا هُوَ للرَدِّ عَلَى قواعِدِهِم الجاهليَّةِ، فَإِنَّهُم يتفاخرون بِذَلِكَ، فإذا كانوا صادقين بِهَذِهِ المفاخرةِ مَعَ الإيمان بالرسول تنتقلُ صلةُ الأرحام إلى النبيِّ، ويكون هُوَ الفائزَ أَيْضَاً وفق قواعدِهِم، وغايتُهُ من ذَلِكَ إجبارُهُم عَلَى أحَدِ أمرين: إمَّا أنْ يشهدوا لَهُ بالإمَامَةِ، أو أنْ يشهدوا عَلَى أنفسهم بالكفرِ. وقَدْ فهموا المرادَ، وَلِذَلِكَ كانوا يشهدون لَهُ بالإمَامَةِ دَوْمَاً ولا يَرِدُّون عَلَيْهِ قط ولا نَعْلَمُ شيئاً وَرَدَ في التاريخ أنَّهُم رَدُّوا احتجاجَهُ.
ثمَّ نلاحِظُ أنَّه عَلَيْهِ السَّلام يحاججهم بِكُلِّ العناصرِ المرتبطةِ بالإمَامَةِ مرّةً واحدةً كَمَا في هَذا الحديثِ الَّذي ناشدهم فِيهِ بثمانيةٍ وعشرين قضيَّةً كُلٌّ مِنْهَا تـدِلُّ عَلَى إمامَتِهِ المنصوصَةِ، وكلُّها منسوبَةٌ لصاحبِ الرسالةِ أو للقرآن بتفسيرٍ من النبيِّ (صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسَلَّم).
وَلكنَّ الكاتبَ الكاذبَ كَانَ ينتقلُ من فكرةٍ إلى فكرةٍ لضُعْفِ الأولى وعَدَمِ صلاحيتها للاحتجاج!
طَبْعَاً.. فإنَّ المرءَ لا ينقلُ الاحتجاجَ من فكرةٍ إلى فكرةٍ لضِعْفِ الأولى، بَلْ لإجبارِ ضِعْفِ إيمانِ الخصم الَّذي استهواه الشيطان. ولو أخذنا بقولِكَ لكانَ احتجاجُ القرآنِ المُكرَّرُ سبع مرات في سورة الروم والمبدوء كُلٌّ مِنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (ومن آياته) كذا وكذا.. أنَّهُ ينتقِلُ إليه لضعفِ الحجَّةِ الأولى فيأتي بالأخرى!.
6. مدارك التنزيل للنسفي/ ج4 من تفسير الخازن/ ص242، وفيه المناشدَةُ الخاصَّةُ بآيَّةِ المناجاة.
7. جامع الترمذي/ ج2/ ص460، وفيه المناشدة بحديث الطير.
8. الرياض النضرة/ للمحبِّ الطبري والذخائر عَلَى الترتيب ص184 من ج2/ وص72، وفيه الناشدة بحديث الراية.
9. البخاري في صحيحِهِ في أربعة مواضع هِيَ: ج2/ ص310 باب اللواء، وج14/ ص385، وج16/ ص450 باب الغزو، وج12/ ص340 باب المناقب وفيه المناشدَةُ بحديثِ الرايةِ.
10. صحيح مسلم ج2/ ص324، وفيه المناشدة بحديث الراية وَهْوَ جزء من هَذِهِ المناشدة المبدوءة بالنصِّ الآنفِ.
هَذا وقَدْ تركْتُ الكثيرَ من المصادرِ. وللمزيد تجِدُ بعضَها الآخر في كتاب (علي والوصيَّة) تأليف نجم الدِّين الشريف العسكري حَيْثُ فصَّلَ فِيهِ القولَ من صفحة 72 إلى صفحة 130 وَذَكَرَ كُلَّ مَا يتعلَّق بحديث المناشدة وَهْوَ في كتابه الحديث المرقم (33).
هـ. وَمِنْهَا قوله عَلَيْهِ السَّلام
… فقُلْتُ أتخلِّفُني يا رسول الله في النساءِ والصبيانِ؟، وبكيتُ، فَقَالَ أما ترضى أنْ تَكُونَ مني بمنزلة هارون من موسى ألا أنَّكَ لسْتَ بنبيٍّ أنه لا ينبغي أن أذهب إلاَّ وَآَنْتَ خليفتي
وَهْوَ عَلَيْهِ السَّلام يحتجُّ عليهم بِهَذا القولِ للخلافَةِ الإلهيَّةِ.
أقولُ: نَقَلَ هَذا الحديثَ حُفَّاظُ السنَّةِ وأهلُ الشُّورَى قبل وجودِ شيءٍ اسمُهُ عِلْمُ الكلامِ عَن التابعينَ والتابعينَ لَهُم بإحسانٍ عَن الصحابةِ. وَلِذَلِكَ أثبَتوه، ومنه يظهَرُ كذبُ هَذا الأفَّاكِ حَيْثُ يزعَمُ أنَّ الوَصِيَّةَ عائليَّةٌ شخصيَّةٌ. فيفَنِّدُ هَذا النصُّ هَذِهِ الدعوى خصوصاً، لأنَّهُ لا يقول لَهُ: (خلَّفتُكَ في النساءِ والصبيان)، بَلْ يقول لَهُ: (أنت منِّي بمنزلةِ هارون من موسى)، وقَرَنَ ذهابَهُ ببقاءِ عليِّ وخلافتِهِ لَهُ. وَكأنَّ غيابهما معاً، هُوَ غيابٌ للدّينِ، وَلَمْ يستثْنِ (ص) سِوَى النبوَّة.
فمن يُصَدِّقُ بقولِ المنافقينَ بعد ذَلِكَ؟.
وَهَذا الحديثُ أجْمَعَ عَلَيْهِ ا