المزاج : عدد المساهمات : 2924 نقاط التميز : 12030 السٌّمعَة : 665 تاريخ التسجيل : 12/06/2012 العمر : 28
موضوع: إياك أن تتعدى ما كلفتَ به الأحد فبراير 10, 2013 11:35 am
إياك أن تتعدى ما كلفتَ به
جاء عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يُستجاب لأحدكم ما لم يَعجل؛ يقول: قد دعوتُ فلم يُستجَب لي))متفق عليه.
الشاهد أيها الإخوة: من آداب الدعاء أن يداوم الإنسان عليه وهو موقن بالإجابة،
فلا يلتفت إلى الإجابة ولكن يلتفت إلى الدعاء. وهنا مسألة مهمة جدًا، وهي قاعدة شرعية مضطردة يا إخوة، وهي: أنّ الإنسان المسلم إنما يُعنى بما كُلِّف به، إنما يُعنى بما جُعِلَ إليه، ولا يُعنى بغير هذا. أنتَ كُلِّفتَ بالدعاء، فجُعِلَ لك الدعاء، أمّا الإجابة فإلى الله -سبحانه وتعالى-، فأنتَ تُعنى بالدعاء. وكذا في سائر الأمور، في كلِّ أمر لا تنظر إلا بما كلِّفتَ به. فمثلًا بعض الناس يريد أن يكون مكان ولي الأمر، يخطط للبلاد وللسياسة وللجيوش ونحو هذا، فتجده في كلِّ مجلس يتحدث عن الخطط التنموية للبلاد وتقصير ولي الأمر في هذه الخطط أو في نحو هذا، ما كلَّفك الله بهذا، وما جعل الله هذا إليك، جعله لولي الأمر، وهو محاسِب ٌالجميع، ولكن جعل الله عليك حقًا أنتَ تركتَه والتفتَ إلى غيره، جعل عليك حقًا أن لا تفتات على ولي الأمر، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتم)). فهذه القاعدة الشرعية التي يرتاح بها قلب المؤمن ويسلم. إياك ثم إياك أن تتعدى ما كُلِّفتَ به. بعض الناس مثلًا من طلاب العلم يُعدِّي نفسه إلى ما كُلِّف به الشيوخ، فتجده إما يتطاول على المشايخ ويقول إنهم قصّروا وإنهم وإنهم، أو يتكلم بكلام لا ينبغي أن يتكلم به أمثاله، فيُفسِد ويَكثر الفساد، ولو فَقِهَ طلاب العلم هذا لسَلِمْنا من الفتن التي تتفتَّق لنا في كل يوم ولا أقول في كل أسبوع. لو أنّ طالب العلم لو جاءه أمر ما تعجّل فتكلم بل أحال الأمر إلى أهله لسَلِمْنا من كثير من الفتن. واليوم عندنا فوق بلاء الكلام بلاء نقل الكلام، فهذه الأجهزة التي تكون أمام طالب العلم تنقل كلامه إلى الدنيا في لحظات. والسلف كان الواحد منهم إذا خاف أن يُنقَل عنه الكلام تحرّى فيه وتثبّت أكثر. ولذلك مما يؤثَر عن الإمام مالك –رحمه الله- أنه كان إذا أقبل الناس في أيام الحج إلى المدينة كفّ عن الدرس، فقيل له في ذلك! قال: لعلّي أقول الكلمة ثم يبدو لي فيها شيء فمن أين لي بهم؟ يأتيني الشامي من شامه واليمني من يمنه والعراقي من عراقه فلعلي أقول الكلمة ثم يبدو لي فيها شيء فمن أين لي بهم؟ فكيف إذا كانت المسألة في الأمور التي تُحدِث الفتنة بين أهل الحق؟! ينبغي على طلاب العلم أن يتأدبوا بالأدب العظيم الذي كان عليه مشايخنا اليوم مع مشايخهم، فكان الأمر إذا جاء أُحيل إلى الكبار ولا يَتصدّر له طلاب العلم –مع فضلهم وشرفهم وكونهم يُدرَس عليهم وكونهم يُؤخَذ عنهم- ولكنهم يحيلون الأمر في مثل هذه الأمور إلى من هو أعلى من المشايخ؛ لأنهم أعلم وأحكم وأعقل وأثبت وأصبر وأحلم، ففي غالب الحال لا يَصدر عنهم –إن شاء الله- إلا ما يكون فيه الخير والصلاح. فالشاهد يا إخوة قاعدة الشريعة العامة التي يجب أن نتأدب بها: أن لا نُعنى إلا بما جُعِل إلينا، وما جُعِلَ إلى غيرنا نَكِلُه إلى غيرنا، وألا نتطاول في هذا الأمر، ففي هذا الخير والصلاح والإصلاح ودرء الفتن، لا سيما يا إخوة عن أهل الحق، أهل الحق في كل زمان هم أقل الناس في غالب الأحوال، فينبغي أن يُتنبَّه إلى جمع كلمتهم على الحق وبحق، وأن يحذر طالب العلم حذرًا شديدًا من كلمة تفرِّق أهل الحق، خاصة إذا لم يكن الأمر من شأنه. ولذلك مما أنادي به وأنصح إخواني من أمثالي من طلاب العلم بأن يسلكوه: أن يحال الأمر إلى أهله، وأن يعاد الأمر إلى أهله، وهذا هو الطريق الذي إذا سُلِك حصّلنا خيرًا كثيرًا.