رؤية للإسراء والمعراج

رؤية للإسراء والمعراج
عمر حميري

يرى
الكثير من المفسرين والمحدثين، أن الإسراء والمعراج تسرية عن نفس النبي -
صلى الله عليه وسلم - ومواساة له، بعد موت زوجته وعمه والمعاناة، التي
لقيها من قومه، ومن شدة بأس قوم الطائف اللئام، ودرجة من درجات التكريم،
ووسيلة لتثبيته - صلى الله عليه وسلم -.

ولكني أرى أن الذي لقيه الرسول الكريم من معاناة وتكذيب وتشهير وسخرية
ومشقة... من قريش وأتباع قريش ومناصريها، بعد أن حدثهم عن معجزة الإسراء
والمعراج، كان أقسى وأمر، من الذي لقيه منهم قبل الإسراء والمعراج، لأنهم
رأوا في ذلك فرصتهم السانحة التي لا تعوض، للإجهاز على تكذيب الرسول - صلى
الله عليه وسلم -، والنيل منه ومن رسالته ونبوته، ومن ثم القضاء نهائيا
على مشروعه الدعوي.

فالمسألة إذا أكبر من مواساة وتعويض عن مشقة وآلام. بل هي تكليف بمهمة
جديدة، صعبة وشاقة: (طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى...)[سورة طه آية 1 و
2)].
هي
مهمة: هيمنة الدين الجديد على كل الأديان السابقة، وكل البقع المقدسة.
فلإسراء إذن أدخل القدس الشريف ضمن مقدساتنا الدينية، وإمامة نبينا محمد -
صلى الله عليه وسلم - للأنبياء، كانت إيذانا بعولمة رسالته وخلودها
وتشريعا لصلاحيتها لكل زمان ومكان.
خولت
لنا ولغيرنا من الأمم شرعاً عزل اليهود عن قيادة الأمم، وعن الريادة
العالمية. وذلك لغدرهم، وخيانتهم، وكثرة آثامهم وجرائمهم في حق الإنسانية
وفي حق أنفسهم. فهم جنس مميز بالشر والغدر، وأئمة للظلم والكفر والضلال
والبهتان... خطر على حياة الإنسان والبيئة والحيوان. غير صالحين، لأي دور
قيادي في هذا الكون... إن إمامة نبينا - صلى الله عليه وسلم - تشريع وتكليف
فرض عين بعزل اليهود وإقصائهم نهائياً وإلى الأبد، وبالقوة عن منصب
الإمامة والقيادة الإنسانية الروحية الدينية والأخلاقية والاجتماعية
والاقتصادية... بعد أن كان الله جل جلاله قد عهد بها إليهم، اختباراً لهم
وفتنة: (يبني إسرائيل أذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على
العالمين...)[سورة البقرة آية 47)]، فما رعوها حق رعايتها وخانوها، فكان لا
بد من نقل هذا المنصب القيادي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأمته
من بعده، فيرى كيف يعملون كما تقتضي حكمته دائماً، وأشهد الله على ذلك
أنبياءه إبراهيم أبا المسلمين وموسى وعيسى ومن شاء من الرسل بعد... وأمين
وحيه جبريل - عليه السلام - وهو خير الشاهدين.. إذن إن الإسراء لم يكن مجرد
تسرية وتكريم وتثبيت لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وتعويض عما
لقيه من كفار قريش، ومن الطائف وسفهائها، بل هو أكثر من ذلك، بدليل أن
القرآن الكريم اكتفى بذكر الإسراء في آية واحدة على سبيل الإخبار فقط، ثم
أخذ في فضح اليهود وذكر جرائمهم وإفسادهم بقتل الأبرياء، وسرقة أموالهم
وأكلها بالربا وبالباطل وتخريب ديارهم، فهم أخبث الخلق وأقساهم قلباً: (ثم
قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة...)[سورة البقرة آية
74)].
وقد
حذرنا الحق - سبحانه وتعالى - منهم في أكثر من آية، أذكر منها قوله -
تعالى -: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا..)
[سورة المائدة آية 82)] وحرب غزة كشفت لنا الكثير، الكثير من جرائمهم، فقد
أحرقوا كل ما كان يصادفهم، سواء كان إنساناً أو حيواناً بالقنابل
الفسفورية، وقنابل الأورانيوم المخصب والنابالم، وبكل أنواع الأسلحة
المحرمة دولياً، وقد توعدهم الله - سبحانه وتعالى - بالعذاب الأليم. ووعيده
حق لا ريب فيه لجرائمهم وفسادهم المتأصل فيهم جينياً، فهم الذين قتلوا
أنبياءهم (... اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة
وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين
بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)[سورة البقرة آية 61)] وعبدوا عجلهم:
(... إذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم
ظالمون)[سورة البقرة آية 51)] وشتموا ربهم: (قالت اليهود يد الله مغلولة
غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء)[سورة المائدة
64)] إذ نسبوا له كل نقيصة عرفوا بها - تعالى - الله عن كل بهتانهم
وكذبهم علواً كبيراً ـ.
إن
الحق - سبحانه وتعالى -، نبهنا إلى أن القرآن الكريم، الذي نزل على محمد -
صلى الله عليه وسلم - يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الصالحين بالأجر
الكبير، الذي قد يكون هو النصر العسكري والتمكين الديني الروحي والسياسي
والاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي، إلى جانب أجر الآخرة الطيب. وصدق الله
العظيم إذ يقول: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين
يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً)[الإسراء آية 9)].
فإن
لم يتبع اليهود التي هي أقوم: شهادة التوحيد والإيمان بمحمد - صلى الله
عليه وسلم - والاعتراف به إماماً للقبلتين ووارثاً للأنبياء السابقين، وإن
لم يؤمنوا برسالته وبكل ما ورد في القرآن الكريم من تشريعات وأحكام
وأوامر ونواهي، وإن لم يرعوا عن ظلمهم وعدوانهم ومكرهم ودسائسهم وتآمرهم
على عباد الله ليسلطن الله وبعدله عليهم عباداً له يسومونهم سوء العذاب إلى
يوم القيامة.
وصدق
الله العظيم: (... إن أحسنتم، أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها فإذا جاء
وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما
علوا تتبيراً)[سورة الإسراء آية 7)].
إن
ربط البراق في الحلقة نفسها من باب بيت المقدس، التي كان الأنبياء بها
يربطون. فيه دلالة عظيمة على ضرورة الحفاظ على بيت المقدس وعلى الأرض
المقدسية وحمايته من مطامع الدخلاء ومن أعداء الدين الجديد (الإسلام) وعلى
وجوب الرباط والمرابطة بالأرض المقدسة لحراستها من الأعداء المتربصين بها
في كل زمان.
إن
الحكمة من إسراء النبي - صلى الله عليه وسلم -، هي وصية صريحة إلى كل
مسلم، في كل مكان وزمان تلزمه الدافع عن بيت المقدس وأكناف بيت المقدس دون
جبن أو تخاذل أمام اليهود ومعاونيهم من جلدتنا. وإلا فما الحكمة من ربط
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البراق، وهو الدابة المأمورة المسخرة،
التي لا يخشى منها جفل ولا نفور أو شرود أو هروب... وفوق هذا يركبها نبي أن
له جذع النخلة أنين الصبي غيرة وحزنا على فراقه يوم اختار - صلى الله
عليه وسلم - المنبر بدلاً منه، ويقودها جبريل - عليه السلام -، بأمر ربه
إلى السماوات العلى، ليري الله - سبحانه وتعالى - نبيه الآيات الكبرى. إن
صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، جاءت بين معجزة الإسراء وقبل
معجزة المعراج، وهذا يعني أن بيت المقدس، له مكانة خاصة عند ربنا - سبحانه
وتعالى -، والدفاع عنه وتطهيره من رجس اليهود واجب شرعي على المسلمين في
كل زمان ومكان، فإن لم يفعلوا تفريطاً أو جبناً أو خيانة وتآمراً...
فالعقاب لا محالة بساحتهم ينتظر. يقول السيد قطب - رحمه الله -: "والرحلة
من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير تربط
بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - إلى
محمد خاتم النبيين - عليه الصلاة والسلام - وتربط بين الأماكن المقدسة
لديانات التوحيد جميعاً، وكأنما أريد لهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة
الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأخيرة لمقدسات الرسل - عليهم السلام -
قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات وارتباط رسالته بها جميعاً. فهي
رحلة ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان، وتشمل آماداً وآفاقاً أوسع من
الزمان والمكان وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تتكشف عنها
النظرة الأولى "[1] إن الموقع الجغرافي لبيت المقدس يجعل منه منطلقاً
استراتيجياً يمكن أن تنطلق منه الجيوش الإسلامية والأحرار في العالم، إلى
أنحاء الدنيا لتحرير الإنسان من الظلم والاستعباد الفكري والاقتصادي
والسياسي ومن الاستلاب الإعلامي المنحرف... الوقع أن الدول الكبرى
المهيمنة على العالم تدرك أهمية بيت المقدس الدينية والدنيوية، ومن ثم فهي
تساند إسرائيل واليهود لتحقيق أحلامهم الاستعمارية والتوسعية عن طريقها
وليس حباً في إسرائيل، وإسرائيل تدرك ذلك، وتجاريهم لأن المصلحة المشتركة
تجمعهم.
وأهم
من يعتقد أن الصراع الدموي سينتهي، وأن المصالحة بيننا وبين اليهود
ممكنة، وأن أمريكا قادرة على رعاية السلام، وأن التعايش بين المسلمين
واليهود ممكن... مادام بيت المقدس محتلاً يئن تحت نار ونيران الاستعمار
الإسرائيلي، يشكو إلى الله جور وظلم بني صهيون ليل نهار.
حتما
ستكشف الأيام المقبلة اشتداد الصراع، الذي سيختم بالانتصار على اليهود
وإعادة بيت المقدس على أحضان الإسلام كما كان الإسلام، وذلك ما وعد به
الرحمان من خلال سورة الإسراء وصدق به أهل الإسلام. فهل وعينا وعرفنا السر
في حادثة الإسراء؟ وهل أدركنا أي مغزى وأي حكمة عظيمة انطوت عليها معجزة
الإسراء؟ وهل حدثنا أنفسنا بالجهاد من أجل قدسنا وعقدنا العزم على تلبية
نداء القدس السجين لتحريره من براثين اليهود وفسادهم وإفسادهم وجورهم.
ـــــــــــــــــــــــــ
المرجع:
[1]
الإسراء والمعراج أو خلاصة الفضل الفائق في معراج خير الخلائق: للإمام
محمد يوسف الصالحي الشامي الصفحة 16 الطبعة الأولى دار ابن حزم بيروت
لبنان 2003

موضوع قييم بارك لله فيك

وجعله لله في مزان حسناتك

لا تحرمنى من مواضيعك الجميلة و الرائعة

-*E*-

» الدعاء عند رؤية الهلال
» الدعاء عند رؤية مبتلى
» إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة كتبه الشيخ سليم أبو إسلام
» رؤية المتوفى في المنام اجاب عليها فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله