من أعظم آيات الله في الكون الجبال
من أعظم آيات الله في الكون الجبال
إبراهيم طرابية
من أعظم آيات الله في الكون الجبال تلك الجبال التي نراها من حولنا وفي الصحراء، نمر عليها مر
الكرام، بل تعجبنا ارتفاعاتها الشاهقة، وأحجامها الضخمة، وامتدادتها الشاسعة، وكائننا ننظر إلى حجر ضخم أصم، لا يتحرك بل تؤثر فيه عوامل التجوية المختلفة من رياح وأمطار وارتفاع الحرارة بالنهار وانخفاضها بالليل، وغير ذلك من عوامل التعرية. بل في الحقيقة وعلاوة على ما سبق، فإن للجبال أوتاداً تغوص في طبقة الضعف الأرضي asthenosphere وهى طبقة أسفل القشرة الأرضية، طبقة صخرية منصهرة عالية درجة الحرارة، فتلك الجبال تستقر بأوتادها في تلك الطبقة المنصهرة؛ لتحمينا من حرارتها المتلهبة التي إذا خرجت إلى سطح القشرة الأرضية لأهلكت الأخضر واليابس.
فليس فقط الحماية، بل كلها منافع وفوائد ومتاع لقوله - تعالى -: (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُمْ) [سورة النازعات: 32-33] " فالمهمة أو الوظيفة الحقيقة التي خلقت من أجلها الجبال هي تثبيت الأرض من أن تميد أي تضطرب وتمور، قال - تعالى -: (وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ) [سورة النحل: 15] فهي تعمل على ثبات وتماسك وتوازن القشرة الأرضية من التفكك والاندثار؛ وذلك لكثرة الصدوع بالقشرة الأرضية، قال - تعالى -: (وَالأرْضِ ذَاتِ الصّدْعِ) [سورة الطارق: 12] ولذا نجد القشرة الأرضية يوجد بها العديد من الجبال مثل: جبال الهيمالايا، وزاجروس، والقوقاز، والروكى، والإنديز، وسلاسل جبال البحر الأحمر، والأطلس المغرب العربي وغيرها.
وبالمقارنة بالسماء، نجد السماء لا يوجد بها أي شقوق أو صدوع لقوله - تعالى -: (الّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مّا تَرَىَ فِي خَلْقِ الرّحْمَـَنِ مِن تَفَاوُتِ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىَ مِن فُطُورٍ * ثُمّ ارجِعِ البَصَرَ كَرّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) [سورة الملك: 3-4].
والجبال كلها فوائد من منذ نشأتها إلى نهايتها، فنشأة الجبال أما أن تكون عن طريق انبثاق البراكين إلى سطح القشرة الأرضية أو أسفل مياه المحيطات، أو عن طريق الحركات الأرضية plate tectonics. وهى أما أن تكون حركات سريعة وتعرف بالحركات البانية للجبال، أو حركات بطيئة وتعرف بالحركات البانية للقارات، وهي تسبب طي للطبقات وتكوين الأحواض Basin وهذا ما نجده في قوله - تعالى -: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لاّ تَرَىَ فِيهَا عِوَجاً وَلآ أَمْتاً) [سورة طه:105-107] وكلمة أمتا: أي شديدة الاستقامة.
وهكذا يتبين من الآية السابقة أنه لا يوجد سوى نوعين فقط من الجبال، وهى أما أن تكون شديدة الاستقامة وهى تلك الجبال التي تتكوم من الانفجارات البركانية التي تلقى على سطح القشرة الأرضية لقوله - تعالى -: (وَأَلْقَىَ فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ) [سورة النحل: 15].
والنوع الآخر من الجبال يكون على هيئة طيات متكونة بواسطة الحركات التكتونية. إذن فالجبال أما أن تكون شديدة الاستقامة أو جبال مطوية.
فمن الفوائد التي تصاحب نشأة الجبال البركانية هو مصاحبتها بكميات هائلة من بخار الماء وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعاً لّكُمْ وَلأنْعَامِكُم) [سورة: النازعات30 -33].
أما عند نهاية الجبال، أي عند تجويتها بعوامل التجوية المختلفة على مدار السنين فنجد إن تلك الجبال كانت محملة بالمعادن الثمينة، وتلك المعادن التي لا يمكن لها أن تتكون إلا تحت ظروف عالية جداً من درجة الحرارة والضغط -أي في منطقة الوشاح Mantle أسفل القشرة الأرضية.
فالجبال كلها فوائد ومتاع، فهي بيئة المحاجر والمناجم لمختلف المواد الاقتصادية من حديد وفوسفات وحجر حيرى ورملي..... الخ، ومن قديم الزمان فقوم (عاد وثمود) قد نحتوا الجبال؛ ولذلك لأطوال أعمارهم، قال - تعالى -: (وَاذْكُرُوَاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوّأَكُمْ فِي الأرْضِ تَتّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوَاْ آلاَءَ اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ) [سورة الأعراف: 74]، وما زالت تستخدم الجبال حصونا واقية ضد الأعداء، قال - تعالى -: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مّمّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلّكُمْ تُسْلِمُونَ) [سورة النحل: 81].
ومع هذا الوصف السابق نجد الجبال أنها تتحرك لقوله - تعالى -: (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرّ مَرّ السّحَابِ صُنْعَ اللّهِ الّذِيَ أَتْقَنَ كُلّ شَيْءٍ إِنّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) [سورة النمل: 88] فلقد ثبت العلم التجريبي أن الجبال تتحرك بفعل تيارات الحمل convection current المؤثرة على الألواح التكتونية المكونة للقشرة الأرضية، فتلك التيارات النقل أما أن تسبب تباعد الألواح Divergent، أو تصادمها Convergent، أو انزلاقها Transform Fault.
فلقد تكونت جبال الهمالايا نتيجة لتصادم اللوح الهندي باللوح الأسيوي، أما جبال الإنديز فلقد تكونت نتيجة لتصادم اللوح المحيطي الهادي باللوح القاري الأمريكي (جنوب أمريكا)، وجبال الروكي تكونت بفعل الانزلاق، أما البحر الأحمر فلقد تكون نتيجة تباعد الصفيحة العربية عن الصفيحة الأفريقية، وكذلك المحيط الأطلنطي فلقد تكون نتيجة تباعد اللوح القاري الأفريقي عن اللوح القاري الأمريكي... وهكذا تتحرك الجبال.
والجبال كما أنها تتحرك فهي تسجد وتسبح وتخشع لله - تعالى -، قال - تعالى -: (لَوْ أَنزَلْنَا هَـَذَا الْقُرْآنَ عَلَىَ جَبَلٍ لّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مّتَصَدّعاً مّنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ) [سورة الحشر: 21] وللأغرب من ذلك تكاد الجبال تخر هداً عند قول الكفار بهتاناً على المولى - عز وجل - بأن يكون له ولدا وحاشى لله - تعالى - أن يكون له ولد، قال - تعالى -: (تَكَادُ السّمَاوَاتُ يَتَفَطّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقّ الأرْضُ وَتَخِرّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرّحْمَـَنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرّحْمَـَنِ أَن يَتّخِذَ وَلَداً) [سورة مريم:90 -92]، ولعظمة هذه الجبال فلقد تحدى المولى - عز وجل - الكفار في كيفية نصب الجبال فقال - تعالى -: (أَفَلاَ يَنظُرُونَ إلى الإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإلى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإلى الأرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) [سورة الغاشية 17 -20].
أفلا نتعظ ونعتبر، فتلك الجبال راسخة في النار، وعند تكونها تكون مصاحبة بكميات كبيرة وهائلة من بخار الماء، وكذلك عند تصادم السحب بقممها العالية الشامخة فتكون ماءاً فراتاً، ومكونة من معادن اقتصادية ثمينة.
ومع أن تلك الجبال راسية في طبقة النيران مثبتة للأرض من الميل والاضطراب، وفوق كل ذلك تتحرك وتسبح وتخشع وتتصدع من خشية الله - تعالى -، فسبحان الله.
ونختم قولنا بقول الله - عز وجل -: (الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكّرُونَ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ رَبّنَآ مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّارِ) [سورة آل عمران: 191]