فارس الاقصى عضو فعال
المزاج : عدد المساهمات : 91 نقاط التميز : 279 السٌّمعَة : 11 تاريخ التسجيل : 02/09/2012 العمر : 54
| موضوع: تأملاتٌ في المُمَاحَكَةِ والجِدَال الأحد سبتمبر 02, 2012 10:24 am | |
| المماحكةُ - أيها الموفق - : التمادي باللِّجاج ، وعسرُ الرأي ويبسُه وصلَفُه . وهذه أعراضٌ يلبَسُها بعضُ الفُضَلاءِ في جِدَالهم ونقاشاتهم .
وقد تبيَّن لي شيءٌ من الأسبابِ التي تدفعُ المرءَ إلى الانتصارِ لرأيٍ رَآه ولو كان مخطأ ، والعكوفِ عليه وعدمِ التراجُعِ عنه :
فالسَّبَبُ الأوَّلُ : أنَّ كثيراً من النَّاسِ يُعاملُ رأيَه واجتهَادَه على أنَّه من صميم فكره ، وتكوينِ نفْسِهِ ، فإذا تَرَاجَع عنه ، وأقرَّ بالخطأ ظنَّ أن عيباً سيلحق عقلَهُ أو كينونةَ نفسِهِ ... والواجبُ أن يعاملَ المسلمُ الرأيَ الاجتهاديَّ على أنَّه مستقلٌ عنه ، فهو كاللِّباسِ إنْ لم يكنْ مُنَاسِباً استبْدَلَهُ بآخَرَ دونَ أنْ يَلحَقَهُ عَيْبٌ من النَّاسِ . ولتعلمْ أنَّ هذا عَسِرُ على النَّفسِ ، صعبُ في الخارج (الواقع) ولكنَّه يُنبيكَ عن نفْسٍ قويَّةٍ مستقلَّةٍ تريدُ الحقَّ ، وتسعى إليه . وهذا يتطلَّب-ولا شكَّ- دربةً نفسيةً ، وصبراً على كلام الناسِ وخاصةً الأقرانَ ... فالنَّاسُ في الغالبِ لا ترحمُ المخطئ ! السبَبُ الثَّاني : قلَّةُ الإنصافِ ، والإنصافُ رأسُ الأخلاقِ وأسُّهَا ، وبه تَعرفُ المرءَ الصادقَ من المماحكِ بالباطل . وفَقْدُ هذا الخلقِ النبيلِ يدفعُ بالرَّجلِ إلى رفضِ حقٍ عندَ خصمه لسببٍ خارجَ النزاع ، ككرهِ الخصمِ والحقدِ عليه أو خوفٍ على سُمعةِ نفسِهِ ، أو إرادةِ غلبةٍ ، أو سعيٍ في دنيا . وقد اشتكى الناس قديماً من قلَّةِ الإنصاف ... فكيف لو رأوا بعض أهل هذا الزمان ؟! ولو فتشتَ ونقَّبتَ لعلمتَ أنَّ هذا الخُلُقَ يَعِزُّ وجوده إلا في نفوسٍ رحمها الله ، أما المجادِلُ المنصِفُ فسريعُ الأوبة والفيئة إذا رأى الحق قد عَدَاهُ ، لا يجد غضاضةً في ذلك ، بل يعتقد أنَّ كمالَ نفسه ونقاءَها لا يكون إلا بهذا .
السبب الثالث : عدم الاستماع والإنصات ، وكنتُ أتعجب من بعضهم حين أورد له حجةً بيضاءَ قاطعةً فلا يستجيب ! فإذا هو لا يسمعها لانشغال ذهنه وعقله باستجلاب حجج وبراهين أخرى.. ولو طلبتَ منه إعادة ما قلتَ له لأعاده مبتورا خداجاً مجتزئاً لم يفهمه ! السبب الرابع : المراءُ في أمورٍ لا يحسنُها ، فهو مستعدٌ للنِّقاشِ في كل القضايا العلمية والعملية وله في كل رأيٍ رأيٌ وقول ! وقد كان السلف متجانفين عن هذا المسلك ، لا يمارون إلا مراءً ظاهراً فيما يعرفه أحدهم ، وكانت (لا أدري ) عندهم نصف العلم ، وفيها السلامة . أما الحاطبُ في كل وادٍ ، والخابطُ في كل قضيَّةٍ فهذا –لعمر الله- بليَّةٌ في المجلسِ ، وغصةٌ في الحلقِ لا ينفع معه إلا أحد أمرين : إما إسكاته وإما قطع الطريق عليه كأن تقول : هل قرأت الكتاب الذي تعيبه ؟ هل سمعت هذه المقولة أم نقلت لك ؟ هل تتحدث بعلم أم هي مجرد توقعات وأحاسيس أولية ؟
السبب الخامس : التعصب والتقليد الأعمى ، وإنما يذم التقليد إذا كان على غير هدى كأن يقلد من ليس أهلاً لذلك ، أو يتبع مقلَّده مع يقينه بخطئه ، أو يقلدُ في موطنٍ لا ينبغي فيه تقليدٌ .
وهؤلاء المماحكون البطَّالون كم أفسدوا علينا لذيذَ المذاكراة والمدارسة ، وخاضوا في ما يحسنون ويجهلون ، فكلُّهم في نفسِه المبرِّدُ في اللُّغةِ ،والشافعيُّ في الفقه ، وابنُ رشد في الفلسفة . وإذا ذمَّ أحدهم نفسَه فمدحها يريد ، فإن ذمَّ النفس أمارة على العجب والكبر أحياناً ...!
فيا طالبَ العلمِ جرِّد النَّفسَ من عُلَقِ الهوى ، واشْحَذْ نيَّتَكَ بالإخلاص ، واحفظ ذهنك بالتـــرَوِّي ، وثقِّفْ عقلَك بالتأمُّلِ ، وإيَّاك إيَّاك والجدل فيما لا تحسن ...! ورحم الله امرأً عرف خطئَه فَثَابَ ، وتبيَّنَ له الحقُّ فأناب ... .. .. .. .. كتبه : ابن المهلهِل | |
|
أحلام عضو مبدع
عدد المساهمات : 58 نقاط التميز : 101 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 28/06/2012 العمر : 28
| |