بسم الله الرحمن الرحيم
حكم الأكل والشرب بالشمال
خالد بن سعود البليهد
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله
يا شيخ هل يجوز لي الأكل والشرب بالشمال لأني سمعت البعض ينكر ذلك.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله.
الحمد لله. مسألة الأكل والشرب باليد الشمال قد ورد النهي الصريح عنها في أحاديث صحاح فقد روى مسلم عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه واذا شرب فليشرب بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله). وروى أيضا عن سلمة بن الأكوع: (أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال كل بيمينك قال لا أستطيع قال لا استطعت -ما منعه إلا الكبر- فما رفعها إلى فيه).
واختلف أهل العلم في توجيه النهي الوارد فذهب أكثر العلماء وهو مذهب الأئمة الأربعة إلى أن النهي على سبيل الكراهة فيكره الأكل والشرب بالشمال ولا يحرم لأن هذا النهي من باب الأدب والإرشاد وما كان من هذا الباب فمحمول على التنزيه كنظائره لأن مقصود الشارع التكريم وقد تقرر قاعدة الشارع في استعمال اليمين في الأمور التي حقها التكريم. وذهب قلة إلى أن النهي على سبيل التحريم فيحرم الأكل والشرب بالشمال ويأثم الانسان بذلك قال بذلك ابن عبد البر وابن حزم وابن حجر وحجتهم أن الأصل في النهي التحريم إلا بصارف ولا يوجد صارف ولأن الشارع شبه هذا الفعل بالشيطان وهذه قرينة تدل على أن هذا الفعل محرم لأن التشبيه في هذا المقام يقتضي التحريم ولأن النبي دعا على الآكل بالشمال بالشلل وهذا يدل على تحريم هذه الفعلة.
والصحيح مذهب الأكثر وهو القول بالكراهة لأن النهي إذا كان يرجع إلى معنى الأدب والإرشاد ولا يتضمن التعدي على ملك الغير فيحمل على الكراهة ولأن معنى هذا النهي يحمل على مقصد استحباب اليمين في الطيبات لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه التيمن في تنعله وترجله وفي شأنه كله كما ثبت في الصحيح ولذلك ورد في الصحيحين: (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك). قال القرطبي: (كل هذه الأوامر من المحاسن المكملة والمكارم المستحسنة والأصل فيما كان من هذا الترغيب والندب). ولأن تشبيه الفعل بصفات الشيطان لا تدل على التحريم مطلقا وإنما مقصود الشارع بهذا التشبيه الذم والتنفير وأقلها الكراهة وتختلف مرتبة هذه الأفعال منها ما هو محرم لقرينة ومنها ما هو مكروه لوجود أدلة تفيد جواز فعلها كالسفر منفردا وترك القيلولة والوقوف بين الظل والشمس ونحو ذلك مما ورد أنها صفات للشيطان في لسان الشرع ومع ذلك فهي مكروهة عند العامة فليس كل تشبه به يقتضي التحريم. وأما دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على من عصاه بالشلل فلا يدل على تحريم الأكل بالشمال وإنما دعا عليه بسبب الكبر واستعلائه على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ولا شك أن الكبر من الكبائر الموجبة دخول النار.
ومع كون الأكل والشرب بالشمال مكروه وليس بحرام فلا ينبغي للمؤمن أن يتعمد ذلك اتباعا للسنة وتواضعا لله إلا إذا دعت الحاجة لذلك خاصة إذا كان ممن يقتدى به وينبغي عليه أن يربى ولده وأهله وأصحابه على استعمال اليمين في الأكل والشرب.
أما إذا لم يستطع استعمال اليمين في الأكل والشرب لعذر منعه من ذلك كمرض وجراحة ونحو ذلك جاز له استعمال الشمال بلا كراهة ولا يدخل في النهي لأنه معذور ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
والله تعالى أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.