القرآن هدى، هدى ورحمة، هدى وبشرى ، هدى ورحمة وبشرى
~
ما الفرق بين قوله تعالى (هدى للمتقين) (هدى ورحمة للمحسنين) (هدى ورحمة
لقوم يؤمنون) (هدى وبشرى للمسلمين) و (هدى ورحمة وبشرى للمسلمين)؟
قال تعالى في سورة البقرة (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى
لِلْمُتَّقِينَ (2)) وقال في سورة لقمان (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ
(3)) وفي سورة النحل (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا
لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ (64)) و (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ
بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِينَ (102)) و (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا
عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89))
سورة البقرة جاء فيها (هدى للمتقين) وفي لقمان (هدى ورحمة للمحسنين) زاد
تعالى في سورة لقمان الرحمة واختلف بيت المتقين والمحسنين. المتّقي هو الذي
يحفظ نفسه فمتقي النار هو الذي يحمي نفسه منها أما المحسن فيُحسن إلى نفسه
وإلى الآخرين كما جاء في قوله تعالى (وأحسن كما أحسن الله إليك)
و(بالوالدين إحسانا) فالإحسان فيه جانب شخصي وجانب للآخرين. إذن هناك فرق
بين المتقي والمحسن ثم إن الإحسان إلى الآخرين من الرحمة فزاد تعالى في
سورة لقمان الرحمة للمحسنين فكما أن المحسن أحسن للآخرين ورحمهم زاد الله
تعالى له الرحمة فقال (هدى ورحمة للمحسنين). فالمحسن إذن زاد على المتقي
فزاد الله تعالى له الرحمة والاحسان من الرحمة فزاد الله تعالى له الرحمة
في الدنيا (هدى ورحمة للمحسنين) وفي الآخرة أيضاً (للذين أحسنوا الحسنى
وزيادة)، فكما زاد المحسنون في الدنيا زاد الله تعالى لهم الرحمة في الدنيا
والآخرةزالجزاء من *** العمل ولهذا اقتضى في آية سورة لقمان أن يقول تعالى
(هدى ورحمة للمحسنين) ولو قال تعالى هدى للمحسنين لبخس حق المحسنين وكما
نعلم إن المحسن يفضل المتّقي والإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم
تكن تراه فإنه يراك.
الإيمان أعمّ من الإحسان ولا يمكن للإنسان أن يكون متقياً حتى يكون مؤمناً
وورود كلمة المتقين، المؤمنين، المحسنين والمسلمين يعود إلى سياق الآيات في
كل سورة.
أما بالنسبة للآيات في سورة النحل (هدى ورحمة لقوم يؤمنون) و(هدى وبشرى
للمسلمين) و(هدى ورحمة وبشرى للمسلمين) ولنستعرض الآيات واحدة واحدة ففي
الآية الأولى قال تعالى (وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا
لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ
يُؤْمِنُونَ (64)) ونسأل هل إنزال الكتاب علينا ينحصر فقط لغرض تبيان
الذين اختلفوا فيه؟ هذا أمر والأمر الآخر قال تعالى هدى ورحمة.
في الآية الثانية (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ
لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)
هل نزل القرآن لهذا الغرض فقط؟ أي ليثبت بالطبع لا. وفي الآية الثالثة
(وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ
أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً
وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)) نزل القرآن تبياناً لكل شيء فجمعها كلها
عندما عمّم وعندما كانت حالة جزئية كما في الآيتين الأولى والثانية في سورة
النحل جزّأ.
يبقى السؤال لماذا جاءت هدى ورحمة لقوم يؤمنون في الأولى؟ ننظر إلى السياق
في الآيات التي بعدها جاءت فنجده في مظاهر الرحمة التي رحم الله تعالى
عباده بها (وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ
الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ
يَسْمَعُونَ (65) وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ
مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا
لِلشَّارِبِينَ (66) وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ
تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً
لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ
وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ
بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (70) وَاللَّهُ
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ
أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ
أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) )
فناسب قوله تعالى هدى ورحمة السياق في الرحمة.
وفي الآية الثانية (هدى وبشرى) السياق قبل هذه الآية فيه بشرى كما في قوله
تعالى (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى
وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ
أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) ) فناسب السياق هنا
ذكر البشرى في الآية وناسب الجمع في آية التبيان.
من برنامج لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرائي