يأتي التغيير الناجح على مراحل، ولكن الفترة التي يستغرقها هذا التغيير تظل مسألة فردية.
قد
تكون في طريقك للقيام ببعض التغييرات التي عقدت العزم على القيام بها في
بداية كل عام مثلا، فإن كان هذا حالك، فهذا أمر عظيم، وإن لم يكن كذلك، فقد
يكون شعورك بالإحباط أمرا مفهوما.
من
المعروف أن من الصعب تنفيذ القرارات التي نتخذها في بداية مرحلة أو عام
ما، وخصوصا إذا كانت تتعلق ببعض السلوكيات الصحية، مثل إنقاص بعض الوزن أو
الأكل بصورة أفضل أو ممارسة المزيد من التمارين الرياضية. وبغض النظر عن
الوقت الذي نقرر فيه إحداث تغيير ما أو مدى قوة الدافع الخاص بنا للقيام
بهذا التغيير، فقد يكون تبني عادة صحية جديدة أو التخلص من عادة سيئة قديمة
أمرا شديد الصعوبة.
وتشير
الأبحاث إلى أن أي مجهود تقوم به هو أمر يستحق العناء، حتى وإن واجهت بعض
النكسات أو وجدت نفسك تتراجع عن هذا الجهد من وقت إلى آخر. وقد يعزز مجرد
اتخاذ قرار في العام الجديد، على سبيل المثال، من فرصك في النجاح في نهاية
المطاف.
السلوك أهم من الدواء
*
وعندما يتعلق الأمر بالتوصيات الصحية، فجميعنا يعرف تلك التوصيات تقريبا،
ألا وهي ممارسة التمارين في معظم الأيام وتناول طعام متنوع ومغذ والحفاظ
على مؤشر كتلة الجسم في المعدل الطبيعي (من 18.5 إلى 24.9) وأخذ قسط كاف من
النوم (من 7 إلى 8 ساعات كل ليلة) وعدم التدخين، وتجنب تناول الكحوليات.
وما
نقدمه لأنفسنا في هذا المجال يفوق ما تقدمه لنا الأدوية أهمية. فقد لا
يؤثر تبني نمط حياة أكثر صحة فقط على خطر التعرض للإصابة بالأمراض والطريقة
التي تشعر بها اليوم، وإنما أيضا على صحتك والقدرة على الأداء بشكل مستقل
في مرحلة الشيخوخة. (راجع «تأثير عوامل نمط الحياة على الحياة بصورة
مستقلة»).
وخلال
دراسة متابعة أجريت على مدى 20 عاما على ما يقرب من 6500 شخص في مرحلة
أواسط العمر والشيخوخة، ظهر أن الأشخاص المدخنين الذين تعرضوا لأمراض
السمنة أو الخمول الجسدي، أو الإصابة بالسكري أو ارتفاع ضغط الدم الذي لا
يمكن السيطرة عليه عند بدء الدراسة، يطلبون الدخول إلى دار للنقاهة في وقت
لاحق.
يزيد
التدخين في مرحلة منتصف العمر من فرصة الدخول إلى دار للنقاهة بنسبة 56 في
المائة والخمول الجسدي بنسبة 40 في المائة وضغط الدم الذي لا يمكن السيطرة
عليه بنسبة 35 في المائة. أما الإصابة بالسكري فقد زادت النسبة بأكثر من 3
أضعاف.
ترتبط
السمنة التي تحدث في مرحلة منتصف العمر بارتفاع معدلات الخطر، ولكن لم يكن
الرابط ذا دلالة إحصائية كبيرة، حيث إن تلك الأرقام قد تكون وليدة الصدفة.
وكل تلك الظروف يمكن بطبيعة الحال عن طريق إدخال تغييرات على نمط الحياة.
وحتى
بعد الإصابة بانتكاسة، مثل جلطة دماغية، فإن تغيير نمط الحياة قد يحدث
فارقا، أي يؤدي إلى التحسن. وكشفت دراسة نشرت في مجلة «الأمراض العصبية
والطب النفسي» في شهر فبراير (شباط) 2012، وشملت أكثر من 15000 مواطن
أميركي بالغ لديهم تاريخ مع الإصابة بالجلطات، عن وجود ارتباط بين ممارسة
التمارين بصورة منتظمة والامتناع عن التدخين، وانخفاض مخاطر الوفاة نتيجة
لأي سبب. وعلاوة على ذلك، ترتبط العادات الأكثر صحية التي يقوم بها
المشاركون في الدراسة (مثل تناول من الفواكه والخضراوات 5 مرات أو أكثر
يوميا بالإضافة إلى ممارسة التمارين الرياضية وعدم التدخين) بانخفاض معدل
الوفاة بكل هذه الأسباب.
عوامل مساعدة
*
وقد حاول الكثير من الأبحاث تعريف العوامل التي تسهم في تغيير السلوك
بصورة ناجحة وتطوير المزيد من الأدوات الفعالة ليستخدمها الأطباء في تشجيع
مرضاهم على تبني عادات أكثر صحية، وبخاصة في سياق زيارة عيادية وجيزة.
يتمثل أحد العوائق المحتملة في أنه وفي كثير من الأحيان تحركنا المشاعر
السلبية مثل الشعور بالذنب أو الخوف أو الندم.
ويعتقد
الخبراء أن التغييرات التي تستمر لفترة طويلة غالبا ما تكون نتيجة لدوافع
ذاتية متأصلة في التفكير الإيجابي، فعلى سبيل المثال، وجد فريق أبحاث
إنجليزي، في تحليله لـ129 دراسة حول استراتيجيات تغيير السلوك، أن أقل
المناهج فعالية كانت تلك التي تعزز الشعور بالخوف أو الندم. وأظهرت
الدراسات أيضا أنه يسهل تحقيق الأهداف إذا كانت محددة (مثل «سوف أمشى لمدة
30 دقيقة يوميا»، بدلا من «سوف أمارس المزيد من التمارين الرياضية»). يجب
عليك أيضا تحديد عدد الأهداف التي تحاول الوصول إليها، وإلا سوف ترهق
تركيزك وعزيمتك. ولا يكفي أن يكون لديك هدف فقط، بل ينبغي أن يكون لديك بعض
الطرق العملية للوصول إلى هذا الهدف.
وعلى
سبيل المثال، إذا كنت تحاول الإقلاع عن التدخين، فيجب أن تكون لديك خطة
لقمع الرغبة في التدخين (مثل الاحتفاظ بزجاجة من المياه بالقرب منك ومضغ
علكة خالية من السكر أو ممارسة التنفس العميق).
عملية دؤوبة
*
أفرزت الدراسات الكثير من النماذج التي تساعد على توضيح أسباب النجاح
والفشل وتفسير الوقت الطويل الذي قد يتطلبه إجراء تغييرات صحية.
ويعد
نموذج التغيير «النموذج النظري المتحول» (ترانسثيوروتيكال موديل) المعروف
اختصار بـ«تي تي إم» transtheoretical model (TTM) أكثر النماذج التي جرى
تطبيقها واختبارها في خطط الإعدادات الصحية. يفترض هذا النموذج، الذي تم
تطويره في الثمانينات من القرن الماضي عن طريق باحثين في مجال إدمان
الكحوليات، هما جيمس بروتشاسكا وكارلو ديكليمنت، أنه في أي وقت من الأوقات،
فإن الشخص يمر بواحدة من 5 مراحل للتغيير، وهي: ما قبل العزم
(precontemplation) والعزم (contemplation) والاستعداد (preparation)
والعمل (action) والمداومة (maintenance).
تكمن
الفكرة في أن كل مرحلة من تلك المراحل تعد تحضيرا للمرحلة التالية، لذا لا
يتوجب عليك التسرع أو تخطي بعض المراحل. وبالإضافة إلى ذلك، هناك احتياج
لكل المناهج والاستراتيجيات المختلفة (التي تدعى «عمليات التغيير» في نموذج
التغيير) في المراحل المختلفة، فعلى سبيل المثال، فمن المحتمل أن لا يكون
الشخص المدخن في مرحلة ما قبل العزم - وهي عدم التفكير حتى في الإقلاع عن
التدخين - على استعداد لعمل قائمة ببدائل التدخين.
تنبع
معظم الأدلة على هذا النموذج من الدراسات التي أجريت حول تعاطي الكحوليات
والمخدرات والإقلاع عن التدخين وتم تطبيق تلك الأدلة على السلوكيات الأخرى
المرتبطة بالصحة، بما في ذلك ممارسة التمارين الرياضية واتباع حميات
غذائية.
مراحل التغيير
*
يستخدم الأطباء والمعلمون الصحيون نموذج التغيير لإسداء نصائح للمرضى،
ولكنه لا يتوجب عليك أن تكون خبيرا، حيث إنه بإمكان أي شخص عادي لديه دافع
استخدام هذا النموذج. وفي ما يلي وصف لمراحل التغيير وبعض الأفكار حول
كيفية انتقال الأشخاص بين تلك المراحل:
* المرحلة الأولى هي مرحلة ما قبل العزم.
وفي تلك المرحلة لا يكون لديك رغبة واعية لإحداث تغيير، سواء لأنه ينقصك
الوعي أو المعلومات (زيادة الوزن هي أمر وراثي في عائلتي، وهكذا نبدو
جميعا) أو بسبب فشلك في الماضي وشعورك بالإحباط (لقد حاولت مرارا وتكرارا
أن أخسر بعض الوزن، إنه أمر ميئوس منه). ويميل الناس في تلك المرحلة إلى
تجنب القراءة والكلام أو حتى التفكير في العادات غير الصحية، ولكن قد يعود
السبب في إثارة الوعي والاهتمام عندهم إلى مؤثرات خارجية، مثل الحملات
الإعلامية العامة أو القصص التي ترد في وسائل الإعلام أو المرض أو الشعور
بالقلق الذي ينتقل إلى الشخص من أحد الأطباء أو الأصدقاء أو أفراد العائلة.
ولكي تتخطى مرحلة ما قبل العزم، يجب أن تعرف أن تلك العادات غير الصحية
تؤدي إلى عرقلة طريق الوصول إلى الأهداف الشخصية، مثل أن تتمتع بصحة جيدة
لتتمكن من السفر أو الاستمتاع مع أبنائك أو أحفادك.
* المرحلة الثانية هي مرحلة العزم.
وفي بعض الدراسات والبرامج التي تستخدم نموذج التغيير، يتم تصنيف الأشخاص
الذين يقولون إنهم يفكرون في إحداث تغيير في الشهور الـ6 القادمة على أنهم
«أشخاص يعتزمون التغيير». وفي الحقيقة، غالبا ما يكون الناس غير متيقنين في
أمور أكثر من هذا بكثير. وفي تلك المرحلة، يصبح المرء واعيا بأن هذا
السلوك يمثل مشكلة، ولكنه لم يعقد العزم بعد على القيام بعمل معين. قد
يقودك التردد في تلك المرحلة لحساب الفوائد والتكاليف مرارا وتكرارا، مثلا
«لو توقفت عن التدخين، فلن أعاني من هذا السعال الجاف، ولكن سيزيد وزني» أو
«أعلم أن التدخين قد يؤدي إلى إصابتي بسرطان الرئة، ولكنه يساعدني على
الاسترخاء، فلو توقفت عن التدخين فسوف أموت أيضا جراء هذا التوتر».
يمتلك
المعلمون الصحيون الكثير من الطرق لمساعدة الناس على التقدم تجاه المرحلة
التالية. تتمثل إحدى هذه الطرق في عمل قائمة بالإيجابيات والسلبيات ثم
دراسة العوائق (السلبيات) والتفكير في كيفية التغلب عليها. فعلى سبيل
المثال، يجد الكثير من النساء صعوبة في ممارسة التمارين الرياضية بشكل
منتظم لأن هذا الأمر لا يعد ملائما بالنسبة لهم أو لعدم وجود وقت كاف
لديهم. إذا كان هناك مشكلة في توفير 30 دقيقة لممارسة التمارين، فما المانع
أن يتم تقسيمها على فترتين مدة كل منهما 15 دقيقة؟ هل يستطيع أي شخص آخر
تحضير العشاء حتى تتمكن من المشي بعد العمل؟ وإذا كنت تخجل من الانضمام إلى
فصل لممارسة التمارين، فما رأيك في استخدام فيديو تمرينات في المنزل؟
التحضير والتنفيذ
* المرحلة الثالثة هي مرحلة التحضير..
وفي تلك المرحلة تدرك أنه ينبغي عليك التغيير، وتعتقد أن بمقدورك القيام
بذلك وتقوم بالفعل بالتخطيط للقيام بذلك في وقت قريب. لقد قمت باتخاذ بعض
الخطوات المبدئية.. فربما قمت بالالتحاق بناد صحي أو شراء كمية من لاصقات
النيكوتين أو إضافة كتاب لاحتساب السعرات الحرارية إلى مطبخك. ومن المهم أن
تتوقع العقبات التي ستواجهك في هذه المرحلة، فعلى سبيل المثال إن كنت
تتجهز لتقليل تناول الكحوليات، فيجب عليك الحذر من المواقف التي تثير شرب
الكحوليات بصورة غير صحية والتخطيط لتجنب تلك المواقف. وإذا كان ضغط العمل
يحفزك على تناول الكحوليات في نهاية اليوم، فينبغي عليك التخطيط للمشي
عندما تصل إلى المنزل. وإذا كان تحضير العشاء يجعلك تريد تناول الكحوليات،
فحاول تناول المياه المعدنية بدلا منها.
وفي
الوقت عينه، ينبغي عليك وضع خطة عمل ذات أهداف واقعية، فإذا كنت قليل
الحركة وتنوي ممارسة المزيد من التمارين الرياضية، فمن الممكن أن تبدأ بهدف
مثل تجنب ركوب المصعد إذا كنت تريد صعود طابقين أو 3 أو 4 طوابق، أو قم
بالمشي لمدة 15 دقيقة كل يوم، ثم يمكنك العمل على تحقيق المزيد من أهدافك
الطموحة.
* المرحلة الرابعة فهي مرحلة العمل،
وفي تلك المرحلة يكون قد تغيرت بالفعل - وأقلعت عن التدخين على سبيل
المثال (وطبقا لبروتشاسكا، فإن مجرد التقليل من التدخين لا يعتبر «عملا»
ولكنه تحضير للعمل) - وبدأت في مواجهة تحديات الحياة من دون السلوكيات
القديمة. سوف تحتاج لممارسة البدائل التي قمت بتحديدها خلال مرحلة التحضير.
وعلى
سبيل المثال، إذا كان الضغط يحثك على الأكل، فبإمكانك استخدام استراتيجيات
التعايش الصحية مثل اليوغا والتنفس العميق أو التمارين الرياضية. ومن
المهم في تلك المرحلة أن تكون واضحا حول الدافع الخاص بك، وإذا اقتضت
الضرورة، فينبغي عليك كتابة أسباب قيامك بهذا التغيير وقراءتها كل يوم. يجب
عليك الانخراط في حديث ذاتي إيجابي لزيادة تصميمك، وحاول الحصول على الدعم
وأخبر الآخرين الذين يهتمون بك بأنك تحاول إحداث تغيير.
* المرحلة الأخيرة فهي مرحلة المداومة والاستمراريه،
حيث تصبح في مرحلة المداومة بمجرد قيامك بممارسة السلوك الجديد لمدة 6
أشهر. يتغير تركيزك الآن إلى محاولتك دمج هذا التغيير في حياتك ومنع حدوث
انتكاسة. قد يتطلب هذا إجراء تغييرات أخرى، وبخاصة تجنب المواقف أو
المثيرات المصاحبة للعادة القديمة. قد يكون هذا الأمر صعبا، حيث يعني على
وجه الخصوص تجنب بعض الأنشطة والأصدقاء.
أظهرت
الأبحاث أنه نادرا ما يتقدم المرء خلال مراحل التغيير من خلال طريق
مستقيم. ويعتبر التعرض لانتكاسة أمرا شائعا، على الرغم من أن الشخص لا يرجع
عادة إلى المربع الأول. يقترح النموذج الحلزوني (Spiral Model) أن
الانتكاسات توفر فرصا لتعلم الشيء الذي لم تنجح فيه وعمل خطط مختلفة
«للجولة» القادمة.
نادرا
ما يكون المسار بين المراحل مستقيما، حيث يتعرض معظم الأشخاص لانتكاسة في
نقطة ما وللتراجع في مرحلة أو أكثر. وإذا تعرضت لانتكاسة في مرحلة المداومة
على سبيل المثال، فربما تجد نفسك قد رجعت إلى مرحلة العزم أو التحضير.
اكتشفت إحدى الدراسات أن المدخنين يكررون مرحلة العمل 3 أو 4 مرات في
المتوسط قبل أن ينجحوا في الإقلاع عن التدخين.
تعتبر
الانتكاسات أمرا شائعا، وربما تكون أمرا حتميا، فيجب عليك النظر إليها على
أنها جزء لا يتجزأ من تلك المرحلة. حاول التفكير فيها بهذه الطريقة، أنت
تتعلم شيئا جديدا عن نفسك في كل مرة تتعرض فيها لانتكاسة. ربما لم تتناسب
الاستراتيجية التي اتبعتها مع حياتك أو تتوافق مع أولوياتك. وفي المرة
التالية، يمكنك استخدام ما تعلمته وإدخال بعض التعديلات وكن في مقدمة
اللعبة بينما تستمر في طريقك نحو التغيير.