Admin الإدارة العليا
المزاج : عدد المساهمات : 2924 نقاط التميز : 12030 السٌّمعَة : 665 تاريخ التسجيل : 12/06/2012 العمر : 28
| موضوع: البحث عن الظل !! الخميس أغسطس 16, 2012 7:54 pm | |
| البحث عن الظل !!
على واجهة طاولة كادت تتفكك جراء تآكل خشبها، علق شاب تجاوز العقد الثاني من عمره، صورة كبيرة من نوع " البوستير" عليها أربع صور لمغنين تعدت شهرتهم حدود أوطانهم . كل واحد من هؤلاء المطربين تطبع محياه ابتسامة عريضة و يبدو في أناقة تدل على بذخ الحياة و ترفها.
بصعوبة كبيرة و تحت لهيب شمس "آوت"، يدفع أحمد طاولته ذات العجلات الصغيرة و المعوجة... من جهة لأخرى بحثا عن أي شجرة يستقر تحت ظلها.
كلما وقع بصره على مكان يراه مناسبا إلا و وجده محتلا من قِبل شاب آخر يتسلى بنفث سيجارة، قد ألصق هو الآخر "بوستيرا" لنجم في كرة القدم أو لممثلة فاتنة الملابس.
حين يتعب من دفع رفيقته الوحيدة في هذا العالم بما تحويه من بعض أنواع السجائر المحلي منها و المستورد، يتوقف عند رصيف ملقيا بجسمه النحيل على الحائط ريثما يسترجع أنفاسه ليواصل تحركه هائما من شارع إلى آخر. أبوه "موسطاش" الذي كان في وقت من الأوقات ممتلأبعمله في شركة تجارية كبيرة، أصبح يحثه علىالعمل ، بعد أن عصفت رياح التغيير و تقطعت به السبل حين سُرٍح من العمل مقابل تعويض سرعان ما نفذ فتحول إلى إنسان معدم يدفع بأبنائه ليعملوا أي شيئ .. المهم أن يؤمنوا له القوت.. و يتذكر أحمد أباه عندما كان معروفا من قبل الجميع زمن اشتغاله بتلك المؤسسة. محظوظ من كانت تربطه به علاقة صداقة أو علاقة قرابة أو حتى علاقة جوار... الكل كان يجتهد في التقرب منه، لأن في تلك الحقبة شهد البلد ندرة حادة في السلع و وقتها أضحت الطوابير من يوميات السكان، فكان يقتني قدر ما استطاع من البضاعة ليهربها إلى بيته حيث يعيد بيعها بأسعار مضاعفة. في نفس الفترة كان أحمد طفلا يتردد على المدرسة ، معلمه كان يعد نفسه من المحظوظين، فكان من حين لآخر ينزوي به طالبا منه أن يذكر أباه بوعده له، الأمر الذي بات يثير غيرة أترابه، و يعود الولد في الغد متباهيا ليطمئنه بأن أباه لن ينساه في المرة القادمة و سوف يتدخل ليضع إسمه ضمن قائمة المستفيدين من البضاعة التي ستصل بعد أيام.
موسطاش لم يكن يعلم شيئا عن تعلم ابنه سوى الذهاب الروتيني إلى المدرسة. كريات أحمد تتلاشى حين يستأنف ترحاله المضني بحثا عن الظل في أي مكان و هو يتطلع إلى المارين علهم يتفضلون بشراء شيئ من معروضاته... أخيرا و بعدما يأخذ منه الجوع و العطش مأخذا يقرر منكسرا الانسحاب إلى ما يسمى بيته. ... يهذه الوتيرة ، تمر الأيام الثقيلة متداولة عليه و معه رفاقه الأربعة على البوستير الزاهي الألوان، الذين يغدون كل صباح و يعودون كل مساء على متن طاولته العرجاء وابتساماتهم لا تكاد تبرح شفاههم.
| |
|