منتدى الأسرة العربية لصيد الفوائد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الأسرة العربية لصيد الفوائد

منتدى الأسرة العربية لصيد الفوائد نساعدك في الرجوع لطريق المستقيم بعون لله
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
دليل مواقع

 

 شهـادة قمـــر

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
الإدارة العليا
الإدارة العليا
Admin


الدولة : المغرب
المزاج : شهـادة قمـــر 0512_md_13389403801
عدد المساهمات عدد المساهمات : 2924
نقاط التميز نقاط التميز : 12030
السٌّمعَة السٌّمعَة : 665
تاريخ التسجيل تاريخ التسجيل : 12/06/2012
العمر العمر : 28
ذكر

شهـادة قمـــر Empty
مُساهمةموضوع: شهـادة قمـــر   شهـادة قمـــر I_icon_minitimeالخميس أغسطس 16, 2012 4:01 pm

شهـادة قمـــر

كان طفلاً مدللاً ، فهو الصبي الأول بعد خمسة بنات ، ورغم أنه ليس الأخير ، لكنه كان محطَّ أنظار العائلة كلها ، يرونه و كأنهم لا يصدِّقون أنفسهم ، الهدايا كانت لصويلح ، و الإبتسامات له ، أما الأحضان فمفتوحة لـ " صلوحي " و شبه موصدة بوجه الـ " بذور " ، و المشاوير إلى نبع الماء أسفل التلة الخضراء صباح مساء له دون سواه ، و إن اقتلع الأزهار الغالية على قلب أم صويلح فهذا حقه ، و جريمة أن ينهره أحد على فعاله ، و حتى أدوات المنزل الكهربائية صارت لعباً لصغير سكب فيه الآخرون ضياعهم .

منذ سنتين جاءني أبو صويلح ملهوفاً مسرعاً بثياب نومه التي بالكاد تستر كرشه حاملاً فلذة كبده المحروق ، عرفت أن عليّ أن أغلق باب بقاليتي الصغيرة و أن أدير مفتاح سيارتي التي دخلت متاحف الحياة و هي حية تعطِّر الأثير بدخانها و أُسرعَ باتجاه المشفى في المدينة المجاورة ، ركب بجواري و هو يصيح و يبكي كأنه بضعة نسوة اجتمعن في يوم النحيب ، كان يلكزني كي أطير ، و كنت أرفع جسدي قليلاً عن مقعد السيارة و كأنني أحاول جرَّها ، لقد جعلني اضطرب رغم تكدُّس أعصابي في ثلاجة من شتاء " كَوَانين " ، كنت أدعو الله ألا تتعطل السيارة في يوم غبار الجنوب ، سأكون في وضع لا أحسد عليه إن تعطلتِ أيتها الـ " طَرْطورة " ، كانت أبواب السيارة المهترئة تعارك الهيكل المكسور ، و تداعب كتف الأب المفجوع راجية ألا يلطمها ، كنت أحاول أن أشغل نفسي عن شتائم صاحبي بصوت الرياح المتسللة عبر شقوق الواجهة ، لقد صار هدير المحرك و " قرقعة " الحديد لحناً عذباً أمام جعجعة "الحنون" .

رزمت أعصابي و حزمتها و قلت : كأني سمعت أن الطبيب قال لك أن ضغطك مرتفع قليلاً و أن عليك … ، لجمني بخبطة من قدمه قصمت أرض السيارة و جعلتها حيواناً زاحفاً على إسفلت متموج مشرذم ، لا عليك يا أبا صويلح هاهي المشفى ، وَلَجْنا ، ركض و قد بقي في قدميه حذاء واحد رماه ككرة لم تخطئ هدفها من قرب أذن حارس البوابة ، صرخ على الطبيــــب و " دفش " الممرضات و اخترق طوابير المرضى ، و ارتمى متكوماً على كرسي أسود ذي عجلات قرب طاولة الفحص ، و نادى على الـ " حكيم " كي يباشر مهامه ، قال له الطبيب الشاب: ضع طفلك على السرير يا أخ ، فأجابه بسرعة البرق : تعال افحص الطفل هنا ، الحالة إسعاف ، كانت تلك اللحظة الأولى التي التقت فيها عيناي بعيــــــــني الـ " أزعر " ، رأيت بعض السكون و الهدوء غير المعتاد عليه ، لكنه ما إن تأكد من ابتسامتي المختبئة حتى ارتسمت ابتسامة ذكية على ملامح وجهه البريء ، فرحت جوانحي و عرفت أن الأمر غيمة صيفية ، ووسط إعادتي لترتيب أفكاري في زحمة فاقت تكدُّس غرفة الإسعاف استأذن مسامعي صوت الطبيب و هو يطمئن أبا صويلح ، و أردف ذلك الصوت معقباً : و لكن يا أخ ليس كل مرة تسلم الجرَّة ، انتبه لأطفالك ، " دير بالك " ، أليس أنت الذي أتيت بهذا الطفل منذ شهر و قد شرب علبة دواء جده و نام في العناية ؟ ، نعم أنت ، و هذا الأخ الذي يضــع النظارات – و أشار بيده إلي - كان معك أيضاً .

أنا بطبعي لا أحب الشركاء ، و لكنني صرت شريكاً لوالدك يا صويلح ، بسيطة - هكذا كنت أبربر بيني و بين نفسي - ، لم يهضم أبو صويلح كلام الحكيم و وقف على طوله و سرَّح شاربه المعقوف بيسراه ، و قال : يا سيد هل تريد أن تعلمــنا التربية ؟ ،أنا أربّي جدك !! ، و حمل ابنه و ركب سيارة لا يغلق بابها و قال : " شغِّل هالمحروسة " ، أردت الذهاب بطريق العودة لكنه سبقني إلى مقود السيارة ليوجهها إلى الشارع الموصل للسوق ، و سترنا الله من حادث كاد أن يختمها ، و ماذا تريد الآن من السوق ؟ ، أجابني بثقة : الطفل مريض ، لحم مشوي و موز و حلويـــــــــات و " بوظة " ، و صاح " الشقي ": و ثياب جديدة و علبة سجائر ، " تكْرَم يا صويلح".

اشترى " للمريض " حتى علبة السجائر الحمراء ، و في البلدة تلقتنا أم صويلح بالزغاريد ، و اجتمع الناس ، و سمعت أزيز الرصاص ، و سرنا في موكب النصر إلى صدر المضافة الكبيرة ، و جاء طفل صغير ليهمس في أذني أن زوجتي تريدني ، ذهبت إليها فأخبرتني بأن هدى أخت صويلح تتألم من بطنها و أن أختها الكبرى تريدنا أن نأخذها إلى الطبيب ، و هم لا يستطيعون التفوه بذلك أمام أبي صويلح المنشغل بتلقي التهاني ، أخذنا المسكينة التي كانت تتلوى من ألمها ، و تبين أن لديها التهاباً في الزائدة الدودية ، و أجريت العملية بصمت ، و في أواخر الليل لمحت " جار الرضا " يحمل ابنه على كتفيه باحثاً عن ابنته ، زارها - و للأمانة قبَّلها - ، و قال لأختها سعاد : غداً سنأتي أنا و أمك لنخرج هدى من المشفى .

لقد كانت الشمس على وشك الغروب عندما فتحت مصراعيّ باب بقاليتي هذا اليوم ، و أخرجت الكراسي التي لا تمل الأنين ، أشعلت الغاز الصغير و وضعت عليه إبريق الشاي ، و جاء بعض الرجال كالعادة إلى المجـــلس المختار ، و كان الأطفال هناك يلعبون في الحارة ، و بين الفينة و الأخرى يأتي أحدهم ليشتري زراً أو إبرة و قطعة حلوى ، لقد كنت أسجل في دفتر الديون فاتورة صغيرة عندما رصدت نظارتي يد أبي أحمد أحد وجهاء البلدة تمتد لتخرج علبة كبريت رُسم عليها فرس أسود ، و لم يبق بها إلا بضعة عيدان ، و أخذ منها عود ثقاب أخضر الرأس ، و قد سالت منه أثناء صناعته قطعة خضراء صغيرة تجمّدت كالدمعة على جانبه ، أراد أبو أحمد إشعـــال سيجارته ، ركض صويلح نحوه و خطف العلبة المهروسة من يد الشيــخ السمراء ، و قال له : لا و الله يا أبا أحمد ، أنت كبيرنا ، أنا من سيشعلها لك ، هات العود ، و أعطاه عود الثقاب بيد مرتجفة مع نشوة اختالت على شفتيه ببسمة لم تكتمل ، و حلَّق الشاربان في أفق مجد عريض للمرة الأخيرة ، و صرخ عود الثقاب و النيران تلتهب برأسه و تقترب من شاربي الوقور ، و تفوح رائحة شواء تضحك لها وجوه العجائز ، و يهرول صويلح و بيده حلم من نار ، يركض نحو بيادر تبكي سنابلها الذهبية في يوم الوداع الأخير ، و في الليل كان هناك ضوء القمر شاهداً على نيران أحالت ليل البلدة نهاراً

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://jana.canadaboard.net
 
شهـادة قمـــر
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الأسرة العربية لصيد الفوائد :: مجلة المنتدى :: تدوينات و مقالات-
انتقل الى:  
مواقع صديقة
الأسرة الشامل | صور و خلفيات – قنوات فضائية