بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
لدي حلم ! قول مشهور لداعية الحقوق المدنية : مارتن لوثر كينج .
تفرض أكثر دول العالم - التعلم - على رعاياها في صفوفهم الدنيا، حتى تصل بهم إلى القدرة التامة على فك رسم الخط، وفهم طلسمه، وإدراك معانيه، بل تذهب بعض الدول إلى أبعد من ذلك، فتحاسب الأب والعائلة عن غياب الابن – دونما سببٍ مقنعٍ – أو منعه من حقه الطبيعي في إلتحاقه بالمدارس النظامية التي وفرتها تلك الدول للجميع وبالمجان .
قد تكون هذه المقدمة البسيطة هي نافذة الولوج إلى حياض الواقع التعليمي لدينا في المملكة، وهو ميدان فسيح للغاية، لا يختزل في بعدٍ أو بعدين، ولا حتى في الأبعاد الثلاثة التي نعرفها، هو هم معاش منذ الميلاد، إلى حين مواراته الثرى !
فالعاصمة الرياض على سبيل المثال لا الحصر، مدينة مترامية الأطرف، تستنزف الوقت - من قاطنيها - والمال والأعصاب، وأول ما يفكر فيه الأب، تسجيل ابنه أو ابنته بمدرسةٍ قريبةٍ من مسكنه، ليؤمن السلامة العامة لفلذة الكبد على الأقل، إضافةً لحفظ ماء الوجه من الإراقة على أعتاب مدير الدائرة بسبب عملية الاستئذان المتكررة، وما يترتب على الاستئذان من تقصير شديد في حق المراجع أو صاحب الحاجة لدى موظف الدائرة، وربما اضطرته التعقيدات الجغرافية للمدينة أن يستعين بسائقٍ أجنبي، وما يتبع تلك الاستعانةٍ من فتح بابٍ من أبواب السخاء المالي غير المبرر، من مشاريع الإدخار الشخصية لمستقبل يبدو ضبابي المشهد !
ولا يتأتى ذلك الحظ للأب على أية حال، فالمدرسة القريبة – غالباً - لا تحتوي شواغر من مقاعد صفٍ دراسية، إذن عليك البحث عن مدرسةٍ أخرى، والتسجيل إليكترونياً في مشروع نورٍ بمنطقة الرياض لضمان انسياب الدرجات للطالب أو الطالبة .
لا ينتهي الكابوس بتلقين ابنك أبجديات الحرف الهجائي، وتلمس خطوات المواد المدرسية من حسابٍ ودينٍ وأخلاق وقيمٍ، فمع المتابعة الدائمة ستحاول جاهداً تأمين المستقبل الذي لم يعد مستقبلاً لذلك الطفل البائس، بل أصبح حاضراً مؤلماً، وماضياً مراً !
بموازاة التعليم الحكومي التقليدي، يلزمك تلقينه لغة عالميةً ثانية من مواردك المالية الشخصية، وتحتار بين اللغات الحية المتوفرة، الإنجليزية لغة العصر الآخذة في الانحسار، أم الألمانية لغة الصناعة، أم الصينية لغة السوق الآسيوية الصاعدة ؟ أم التركية لغة الحب والمسلسلات الرومانسية ؟!
كابوس حلمك بحياة أفضل لن يضمحل ! سحقاً إنه كابوس مسلسل، فالمقارعة الحقيقية للمفاضلة ببين الطلبة والطالبات على مقاعد الطلب الجامعية تخضع لسيف قياس ومقصلة التحصيلي عقب المرحلة الثانوية ! والأدهى والأمر، أن قياساً يرافق درب الطالب بعد التخرج، ولو كان الأول على دفعته مع مرتبة الشرف الأولى .
فالدراسات العليا – الماجستير والدكتوراة - لا بد لها من قياس وسنوات منهجية تستنزف الوقت والمال، إضافة لسبر أغوار المنهج عن طريق اللجان البوليسية والوطنية والاستخباراتية التي تسبر المنهج، وتقيس مدى الولاء، وهو ولاء يتحطم تماماً أمام الواسطة ! والناس في وطني مقامات، والعين – في الغالب – لا تعلو على الحاجب .
وظائف التعليم يتم قياسها بالتفصيل الممل، واختبارات الكفايات الإنجليزية، واختبارات المسابقات الوظيفية لوظائف تم حجزها ونهبها – مسبقاً - من تحت الطاولة لصالح ابن المدير ورئيس الدائرة وشقيق المعالي !
هدر يعقبه هدر، وجهود تستنزف، وخطط مدروسة وغير مدروسة لإخراج جيلٍ متعلم – زعموا – تعليماً راقياً، وفي النهاية تلفظ تلك اللقمة غير السائغة أمام متطلبات الخبرة !
معاشر السادة : ليس لدي حلم ! وإذا وجد الحلم، فليس له تفسير .