Admin الإدارة العليا
المزاج : عدد المساهمات : 2924 نقاط التميز : 12030 السٌّمعَة : 665 تاريخ التسجيل : 12/06/2012 العمر : 28
| موضوع: شرح حديث " إذا مات ابن آدم...." الجمعة أغسطس 03, 2012 12:11 am | |
|
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال: ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم.
محاضرة للأستاذ فريد شكري شرح فيه هذا الحديث المعروف شرحا رائعا غير مألوف أحببت أن أضعه بين يديكم للاستفادة:
بدأ الأخ المحاضر بالملاحظة أن هذا الحديث أُفرغ من محتواه الحضاري و صار يُستدل به فقط في الجنائز إلا أن دلالاته هي صالحة للأحياء أكثر منها للأموات.
و ذكر في بداية حديثه أن هذا الحديث يتكلم عن ثلاثة عوالم:
- عالم الأشياء و هو مجال التكافل الاجتماعي "صدقة جارية" - عالم الأفكار و هو مجال الإنتاج المعرفي و الفكري "علم يُنتفع به" - عالم الأشخاص أو مجال التربية "ولد صالح يدعو له"
ثم استطرد أن الحديث يشير إشارات يجب الانتباه إليها:
- جدلية الدنيا-الآخرة:
إن الإنسان في حياتنا إما ينساق وراء دنياه و ينسى آخرته، أو يزهد في دنياه في آخرته، لكن هذا الحديث يؤكد على الجمع بينهما حين ذكر أن الاستفادة في الآخرة مردها العمل في الدنيا، و أن هناك علاقة اطرادية بين إيمان الفرد و إنتاجه في الدنيا، فالعالم، و المربي، و المستثمر المالي كلهم أناس عاملون في دنياهم لكن في نفس الوقت هم يعملون لآخرتهم
- جدلية الفرد-الجماعة
حين تدعو الرأسمالية إلى النزعة الفردية و الاشتراكية إلى تغليب الجماعة، فإن الإسلام يزاوج بينهما، و هذا الحديث يجمع بينهما، و كأنه يقول " أنا رجل أريد أن أؤمن مستقبلي الفردي الأخروي، و لكن ثمار ما أفعله هي مجتمعية دنيوية، و ذلك من خلال الولد الصالح الذي سيعمل للمجتمع و من طبيعة الحال سيعمل لي كوني فردا من المجتمع، و الصدقة الجارية التي سيستفيد منها الجميع و العلم النافع للناس "
- غريزة الخلود لدى الإنسان
حين خلق الله الإنسان أودع فيه غرائز، و جاء الإسلام و لم يُلغها إنما وجهها و هذبها. و هذه الغريزة تراها في كل الناس، فمن منا لا يحب أن يُخلد اسمه في التاريخ؟ و انظر إلى الرؤساء و الملوك يخلدون أنفسهم بالتماثيل. هذه الغريزة كانت لدى آدم كذلك، و حركها فيه إبليس (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ) طه: 120. فآدم بحث عن هذه الغريزة لكنه أخطأ المنهجية، فجاء الرسول صلى الله عليه و سلم بحديثه هذا يرينا فيه الطرق الصحيحة للخلود في الأرض
مضمون الحديث:
1/ "صدقة جارية": المجال الاجتماعي
و تعني جارية أي دائمة النفع، بعكس الصدقة المحدودة في الزمان و المكان. أما الصدقة الجارية فهي صدقة متعددة النفع للمجتمع، و هذا الجزء من الأثر يثير الجانب التكافلي الاجتماعي. ثم أشار إشارة لطيفة حين قال أن هذا الحديث كان له كبير الإسهام الحضاري في بعده المعماري، و أن الناس بسماعهم لهذا الحديث و لا زالوا يشيدون المساجد و المستشفيات و المدارس....
2/ "علم يُنتفع به": المجال المعرفي
ليس أي علم بل العلم الذي ينفع به العالم مجتمعه، و وصفه بأنه ذلك المثقف العُضوي اللصيق بهموم الجماهير، فالهاجس الذي ينبغي أن يتولد لدى العالم ما ينفع به الناس من كتاب أو محاضرة...و من ثم فالعالم ملزم بهذا الحديث بالانخراط في المجتمع المدني و التأثير فيه، فيكون بذلك عالما عاملا، مبادرا و مساهما
3/ "ولد صالح يدعو له": المجال التربوي
يتكلم الحديث عن ولد صالح. و صلاح الولد سيعود بالنفع على المجتمع و على أبيه في حياته و بعد مماته. إن الملاحظة السلبية أن الشغل الشاغل الذي أصبح لدى الآباء هو الأبناء الدارسين و ليس الأبناء الصالحين. و هذا مشكل هاجسه مادي بعد تقاعد الأب حين يجد الإبن أمامه ليصرف عليه، لكن الحديث يحث على العائد المعنوي بعد الموت. ثم ذكر أن الابن قد ينوب عن أبيه في الحج و العمرة، ثم ذكر الآية (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى) النجم:39، و قال أنه قد يُفكر في وجود تعارض بين الآية و الحديث، لكن تتمة الآية تبين الانسجام حين قالت (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى)النجم:40. و هذا السعي هو مجهوده التربوي الذي استثمره في ابنه فعاد عليه بصلاحه، فحصده بعد موته أن ناب عنه بحج أو عمرة، و لولا صلاح الابن لما فكر أن يفعل ذلك. لكن ما يؤسف عليه أن بعض الآباء قدموا استقالتهم التربوية و حصروا مهمتهم في الملبس و المطعم و الدراسة، في حين أن القرآن قال (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) الإسراء: 24
و يبقى في الأخير إشارتان مهمتان:
- أن الحديث يعيد الاعتبار لهذه القيم الثلاثة: التربية و العلم و التكافل الاجتماعي، قيم ضاعت في مجتمعاتنا الاستهلاكية، فأصبح تدريس الابن أسبق من تربيته، و أصبح الناس يتقاعسون في التصدق و هم ينفقون بسخاء شديد على أنفسهم، و أصبح لاعب الكرة، و أصحاب الطرب معززين، أما العالم فهو في حالة مزرية - أن هذا الحديث بأبعاده الحضارية التي ذُكرت يثير الانتباه إلى أحاديث نبوية كثيرة فقدت إشعاعها و دلالاتها.
| |
|